الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عشر يومًا للركاب، وكذلك القدر الذي بين الرياض ووادي الدواسر على مثل ذلك، وكان ابن رشيد مقيمًا على الحفر إذ ذاك، فلما رأى من ابن سعود ما لم يكن في حساباته بعد أن يئس من وعود الأتراك، وحيّره ما صنع هذا الشاب وبهت مما فعل، لوى عنانه راجعًا إلى حائل ليقضي على حركان ابن سعود بزعمه فقدمها، وعبأ جيشًا جديدًا وتجهز للحرب جامعًا جنوده من شمر والقصيم وسدير والوشم وغير ذلك، ثم إنه زحف في ربيع الأول من هذه السنة بجيوشه إلى الرياض وقد آلى على نفسه أن لا يدخل حائل حتى يقضي على حركته.
ذكر رجوع الإمام عبد الرحمن بن فيصل إلى الرياض بعد إقامته في الكويت
لما أن علم عبد العزيز بن عبد الرحمن بخبر ابن رشيد، وأنه تجرد لمقابلته، أرسل إلى والده في الكويت يذكر له أن الحرب قائمة وأن الصالح تقتضي أن يكون الإمام عبد الرحمن في الرياض مقيمًا، فعند ذلك أقبل والده مسرعًا وغزا في طريقه قبائل من الظفير وشمر الموالين لابن رشيد، وخرج جلالة الملك عبد العزيز ورجاله يستقبلونه من مسافة ثلاثة أيام، فدخلها بعدما بارحها منذ إحدى عشرة سنة.
ثم إنه جرى بينه وبين والده خلاف نادر المثال فقد أرسل عبد العزيز من القصر إلى والده في بيته في الرياض، يقول الإمارة لكم وأنا جندي في خدمتكم، فأبى ذلك الإمام عبد الرحمن واستدعى بالعلماء فجمعهم وأخبرهم بالأمر، ثم استدعى بالابن، فلما حضر بين يديه تكلم عبد الرحمن قائلًا: إذا كان قصدك في استدعائي إلى الرياض لأتولى الإمارة فيها فهذا غير ممكن ولا أقبله مطلقًا، ولا أقيم هنا إذا ألححت فيه، فقام العلماء على عبد العزيز وقالوا له: على الابن أن يطيع والده، وقالوا لعبد الرحمن: أنت والد عبد العزيز رئيس عليه، فأجاب الإمام عبد الرحمن: ولكن الإمارة تكون لعبد العزيز، فقال عبد العزيز: إني أقبلها بشرط أن يكون والدي مشرفًا على أعمالي دائمًا، فيرشدني إلى ما فيه خير البلاد، ويردعني عما يراه مضرًا في مصالحها.
كذلك تمت البيعة لعبد العزيز.
ولما أن زحف ابن رشيد بجيوشه نزل في رغبة من بلدان المحمل، وقصده محاصرة الرياض، فأرسل سالم بن سبهان بجيش من قحطان إلى ضرمة ليهجم عليها من الجنوب الغربي، وأمر الحازمي أن يستنهض العجمان وآل مرة بموازاة الحكومة فيهجمون من الشرق الجنوبي، فحينئذ أرسل عبد العزيز بن سعود أخاه محمد وعبد العزيز بن جلوي إلى تلك النواحي الجنوبية يستنجدان الدواسر وآل مرة، فظفروا بما لم يظفر به الحازمي وأعوانه الأتراك.
وكان قد علم ابن رشيد بأنه قد تبع ابن سعود كثيرون من أتباعه وانضموا إليه، فأقام في رغبة شهرين وأسبوعين في الحسي، وهو عاجز عن الهجوم على الرياض، ثم رحل الى الحفر ليحول دون تموين العدو من الكويت، فصار لكل أمير من أمراء العرب دائرة استخبارات، ولكنهم هناك يسمون الأشياء بأسمائها الحقيقية.
فلما علم ابن سعود من جواسيسه أن ابن رشيد ينوي أن يصادر الأرزاق التي تجيء الى نجد من جهة الكويت والحسا تذاكر ووالده، فعقدت النية على حيلة تقربه منهم فيتلاحمون وإياه، فإما أن يقضوا عليه أو يحولوا بينه وبين تنفيذ خطته على أقل الأحوال، فخرج عبد العزيز بن عبد الرحمن من الرياض ووجهته الجنوب، وذهب شمالًا إلى مناخ ابن رشيد وأشاع أن ابن سعود خائف من خصمه وأنه فرّ هاربًا.
فلما سمع بن رشيد بهذا رحل مسرعًا وأقبل حتى نزل على ماء بيان، ولم يكن بينه وبين الرياض سوى عشرين ميلًا أو أقل، ثم جاءه يقين الخبران الرياض محصنة وأن ابن سعود في حائر سبيع بالخرج، فأمسى ابن رشيد في حيرة مزعجة أبت عليه التقهقر وحالت بينه وبين الهجوم، وقد أمر ابن سعود أميره أحمد السديري، وكان قد جعله قائد سرية في الدلم عاصمة الخرج أن يتأهب للزحف معه إلى الرياض إذا هجم ابن رشيد عليها، أما إذا تجنبها ومشى إلى الخرج فأهل الرياض يتقفونه بالسلاح
وعبد العزيز يفزع إلى السديري في الدلم، وبعد هذه التدابير وكل ابن جلوي بمن كان معه من الجنود فأقامهم في علية وهي جبل بين الحريق والحوطة قريب منها.
ثم أرسل أخاه سعد إلى الحريق يستنجد أهلها، وذهب هو للغاية نفسها إلى الحوطة، فبلغه في اليوم الثاني هناك خبر هجوم ابن رشيد على الدلم، فوقع ابن رشيد في هذه الشبكة التي نصبت له، وبادر ابن سعود إلى ذلك المكان وقد جمع جيوشه من أهل الحوطة والحريق، فبلغوا مع من كانوا في جبل علية ألفًا وخمسمائة مقاتل، فاجتمعوا في ماوان على مسافة عشر ساعات من الخرج وسروا، فلما كان قبيل انفجار الصبح إذا بهم في الدلم، وكان ابن رشيد قد نزل نعجان على قدر مسافة ساعتين من البلدة، ولم يعلم بدخول ابن سعود إليها.
ولما قدمها ابن سعود قبيل الفجر كان قد مضى عليه أسبوع كامل لم يكتحل جفنه بالكرى ولم يتذوق خلاله طعم الراحة ولذيذ العيش، ولله در القائل:
لأستسهلن الصعب أو أدرك المنى
…
فما انقادت الآمال إلا لصابر
فوجد فرصة يريح بها بدنه من شدة التعب وعظيم السهر، فدلك جسمه بدهنٍ وملح ونام هادئًا من صلاة الفجر حتى أذان الظهر، ثم استيقظ وأخذ في ترتيب جنده وإعداد العدة لمهاجمة خصمه.
ولما كان من العصر أرسل ابن رشيد سرية متكشفة، فخرجت لها خيل ابن سعود فتهاجم الفريقان وتطاردا، فانهزمت خيل ابن رشد، ولما كان في فجر غد ذهب ابن سعود يكمن لابن رشيد، وكان قد علم أن من عادته أن يخرج وبعض رجاله صباح كل يوم فيطوقون في البساتين يرعون إبلهم ويقطعون النخيل، غير أنه لم يخرج كعادته لأنه قد أحس أن ابن سعود في الدلم.
ولما أن بعث ابن سعود خيالة للكشف، ذهبوا وعادوا يقولون أنه متحصن في نعجان، فما كان من رأي ابن سعود أن يهجم عليه في النهار لأن خيله قليلة، ولأن الهجوم يبعده عن الحصون، على أن الكشافة لم يصلوا إلى حقيقة الأمر جبنًا منهم أو جهلًا، وحينما عاد ابن سعود إلى البلدة بلغه الخبر أن ابن رشيد قد خرج على