الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدويش لما علم بقربهم منه جاء بأهله يلاقيهم فنصب الخيام وأضافهم تلك الليلة ضيافة طيبة، ثم نحر لهم ثانية في الصباح، وقد قال الله عز وجل:{فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} ولكن تلك الهزيمة لم يكونوا لينسوا ذكرها فقد أهدت أموالهم لسعدون هدية.
أما مبارك بن صباح فإنه لما بلغته أخبار تلك الواقعة خرج إلى قصره السره يداوي كلومه، فجاءه ابنه جابر وعبد العزيز ابن سعود وجعلا يهونان الأمر عليه، ولكنه عقد نية على استنفار أهل الكويت ثانية قائلًا سأجمع والله خمسة أضعاف هذا الجيش وسأحرق المنتق فلا يبق منها غير الرماد.
فلما رأى عبد العزيز شدة الغضب من مبارك خطر له خاطر سياسي ليمحق به كلام مبارك وهو أن يجهز أحد أولاده في جيش صغير فيسير هو معهم ويشاع أنهم ساروا يطلبون العرائف فيبلغ سعدون الخبر فيسرح عربانه فنعيد الكرة إذ ذاك عليه ونحن مدركوه بحول الله.
فما وافقه مبارك على ذلك ورفض ثانية رأيه.
وفي خلال ذلك عاد آل سبهان بسعود بن عبد العزيز بن رشيد صغير أبناءه الذي فر به أخواله إلى المدينة فرجعوا به في هذه السنة.
ذكر إمارة سعود بن عبد العزيز بن متعب
رجعنا إلى ذكر بيت آل رشيد لضرورة التاريخ فنقول في هذه السنة تولى إمارة حائل سعود بن عبد العزيز بن متعب بعدما عاد به أخواله آل سبهان إليها وكان مغيبًا في المدينة؛ فقد جاء دوره لسان أخواله المقالي يخاطبونه في صغره يا وليد سنرجع بك إلى حائل والإمارة لآل عبد الله.
فصفقت حائل استحسانًا لذلك مرحى مرحى وقدم هذا الأمير الصغير فتقلد الإمارة في حائل وعاد يوم آل عبد الله فعند ذلك علم فيصل المبسام ثالث أنجال حمود بن عبيد وقد كان أخوه سلطان قد جعله أميرًا في الجوف حذرًا منه وإبعادًا له
عنه لما أغضبه ورحمه عن القتل فكان لا يزال مسرورًا بهذه الإمارة الصغيرة خصوصًا لما علم بقتل أخيه الأول ثم بقتل أخيه الثاني، ولكنه لما علم برجوع آل عبد الله إلى عرش الإمارة لم ير السلامة لروحه حتى ولا في الجوف، فهجر بلاده ورحل شرقًا ثم جنوبًا وذهب مسرعًا حتى وصل الرياض فرمى نفسه بين يدي ابن سعود فرحب به وأكرمه واتخذه لخفة في روحه خدنا ونديما.
هذا هو فيصل المبسام الذي كان يسم ويذنب ولا يغيظ صاحب البسمة الإبليسية.
فلما تربع سعود بن عبد العزيز هذا على تخت الحكم في بلاد حائل كتب ابن سعود إلى ابن هذال وابن شعلان أحدهما رئيس العمارات والآخر رئيس الرولة والعشيرتان كلاهما من عنزة يستنجدهما على ابن رشيد فأجاباه إلى ذلك وضرب الموعد للاجتماع، ولكن المشاكل تعددت في الحساء وكان مرتبطًا بعضها ببعض وكان قد عقد ابن سعود مجلسًا قبل سيره إلما الكويت بشأن العرائف الذين تمردوا عليه وقابلوا إحسانه بالإساءة فتكلم الحاضرون في مهمتهم، وقال أحد الحضور يخاطب ابن سعود ادعهم إليك للجواب فإن أبوا فاضربهم وقرر على هذا الرأي آخرون وتكلم كل برأيه فما استحسن ابن سعود دعوتهم قائلًا قد يحدث بينكم وبينهم قتال فأكون ذابحًا لذوي القربى وهذا مكروه عندي دعوهم كفانا الله شرهم، فرحل العرائف وهم تسعة معهم خدمهم ورجالهم إلى الحساء ونزلوا على العجمان، وكانوا أخوالًا لهم، ولكن العجمان اعتدوا على بعض عشائر الكويت فنهبوهم فهددهم مبارك بن صباح فالتجأوا إلى ابن سعود.
فبعث مبارك كتابًا إليه يسأله أن يسعى في ارتجاع المنهوبات منهم، وكان مبارك بن صباح لما علم بخروج العرائف على ابن سعود وأنهم جاءوا إلى الحساء أرسل إلى ابن سعود يستأذنه أن يدعو العرائف إلى الكويت فيسعى في الصلح بينه وبينهم فقبل ابن سعود ولسان حاله يقول نصلح بينه وبين العجمان فيصلح بيننا وبين العرائف وجزاء حسنة حسنة مثلها.
أما العرائف فقبل منهم اثنان لدعوة مبارك وجاء اثنان إلى عبد العزيز مستغفرين مستأمنين فأعطاهما الأمان.
وكان مبارك من كمال سياسته إنما توسط بالصلح بين العرائف وبين ابن سعود يريد بذلك جزاء كبيرًا عند ابن سعود وهو قتاله معه في الغزوة السابقة لسعدون لما جهز عليه سعدون تلك الحملة العظمى التي ما استطاع مبارك مقاومتها وما أحسن ما قيل:
المستجير بعمرو عند كربته
…
كالمستجير من الرمضاء بالنار
ولما أن انكسر جيش الأمير مبارك ذلك الانكسار وعزم على أن يعيد الكرة على سعدون، وأبدى له ابن سعود رأيه في قتاله فرفض رأيه، وافق أن ابن رشيد قد هجم يومئذ على ابن هذال وابن شعلان وهما حليفان لابن سعود فأخذهما في "بصية" على حدود العراق ونجد، فعند ذلك قال عبد العزيز مخاطبًا لمبارك إذا كنت تصر على تجنيد جيش كبير فأنا أترك عندي رعاياي من عرب مطير وأعود إلى بلادي لأن ابن رشيد بعد انتصاره على ابن هذال وابن شعلان لا بد أن يزحف إلى القصيم، وأخشى أيضًا أن يقوم العرائف بحركة في الرياض فيتفاقم الأمر علي ولا أظنك تريد لي ذلك.
فلما قال عبد العزيز هذه المقالة وكان ابن صباح قد أمل أن يغلب السعدون ولو بعون ابن سعود المعنوي ندم لما لم يقبل نصيحته وقال إذا رميتني اليوم يا ولدي فليس لدي أحد ينهض بي فيتمكن مني العدو أنا والدك يا عبد العزيز ولي عليك حق المساعدة والبلد بلدك وله عليك حق الدفاع ابق عندي ولا تخرج مع الجيش ابق عندي فأتسلى بوجودك لدي فكان في كلامه هذا صريحًا.
والحقيقة أن مجرد وجود ابن سعود عنده مفيد فإنه يستأنس بآراءه وتهرب أعداؤه عنه مادام في حماه.
يريد احتفاظ في وجود بقاءه
…
ويأنس في لقياه من كل عابث
فتقنع منه النفس إن كان خائفًا
…
فتى هابه أهل اللقا في الحوادث
أمان لأهل الحي مادام قاطنا
…
به الله يحمي من خطوب الكوارث
ألا إنه حصن منيع عن العدى
…
حنانيك لا تعجل وأنعم بلا بث
ثم قال أريد منك أن تقيم وتبقى عندي ثلاثة أشهر فقط؛ قال عبد العزيز فلما قال هذا الكلام استجبت منه وبقيت فكان مبارك بن صباح أثناء تلك الثلاثة الأشهر مطمئنًا فلم يهاجمه سعدون ولكن فوائد قوم مصائب قوم فقد كان عبد العزيز في قلق دائم لأن ابن رشيد قد تغلب على رئيسي العمارات والرولة وهما تابعان لابن سعود، كما أن العجمان مع العرائف تذمروا عليه وأسند العرائف عائدين إلى الرياض، ومنهم من كتبوا إلى الشريف في مكة يستنجدونه على ابن سعود، أضف إلى ذلك أن القيظ قد اشتد حره فتفرقت البوادي إلى ورد الماء، وجرى في هذه الحال عثرة كبرى من مبارك، وقديمًا قيل: في كلام الحكمة "اتق شر من أحسنت إليه" فلقد قابل أفعال ابن سعود الحسنى بالإساءة وذلك بأنه اعتدى في هذه المدة بعض عربان مطير التابعين لابن سعود على غرب قحطان وسبيع ولاذ المعتدون بابن رشيد فلما وصلوا إلى أطراف الكويت أراد عبد العزيز تأديبهم على فعلهم فتصدى له مبارك مانعًا فكتب إليه عبد العزيز يلومه لأنهم من قبائله العاصية.
ومن جهة أخرى فإن الأجدر بك يا مبارك أن تساعدني كما ساعدتك فغضب لذلك مبارك وخرج إلى معسكره الذي فيه جابر ابنه وراء الكويت فاجتمع بابن سعود وقد اشتعل في صدره الغضب، فكان أول كلمة قالبه بها مرادفة للإهانة أن قال أظنك يا ابن سعود تبغي أهلك فأجابه جلالة الملك بكلمة واحدة وهي نعم وخرج من ذلك المجلس كما دخل مبارك إليه مكتئبًا متغيظًا.
تالله إنها لحالة عجيبة وأيام عصيبة جرت على عبد العزيز في هذه السنة معروفه لم يشكر، وأعداؤه قد تعددوا وهجرته بواديه، وهناك الطامة الكبرى وهي قلة المال عنده فما مر عليه في دهره كله مثلها فيا ما أمر فوادح الدهر وقواهره، هذا وهو حاكم نجد وكبير العرب، فعند ذلك حاول أن يستدين من أهل الكويت فاعتذروا خوفًا من مبارك بن صباح؛ فأرسل عبد العزيز إلى نسيبه ووكيله في البصرة وهذا اسمه عبد اللطيف باشا المنديل يطلب منه ألفين ذهبًا فقط ويقول له أن يقبض القيمة مما تبقى عند الدولة من معاش والده عبد الرحمن الفيصل.