الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فلما رأى العبيد والخدم ما جرى لم يحرك أحد منهم يده بالدفاع عن أحد ما هو إلا الرشيد قتل بعضهم بعضًا فرفع آل عبيد أصواتهم قائلين الحمد لله هذه آخرة آل عبد الله، ثم تولى الإمارة سلطان بن حمود آل عبيد أحد الفاتكين وما نجى من أولاد عبد العزيز بن متعب إلا سعود وهو الصغير منهم فر به أخواله آل سبهان خوفًا عليه إلى الحجاز.
ولما جلس سلطان بن حمود على عرش الإمارة كان هنا من يبغي له الغوائل وهو أخوه سعود جعل يدبر الكيد له ومتى يفتك به، ثم أن الأمير سلطانًا باشر حكمه بالمخاتله فأرسل رسولًا إلى ابن سعود يطلب الصلح وأرسل خفية في الوقت نفسه يخطب ود أهل القصيم ونجد ويستنصرهم على ابن سعود فبينما رسول السلم عند ابن سعود جاءه رسل من الزعماء في تلك النواحي ورؤساء البادية يحملون الكتب التي كتبها إليهم أمير حائل الجديد فغضب لذلك ابن سعود وشتم الرسول وهم بطرده فأشار عليه والده عبد الرحمن بقبول ما جاء رسوله من أجله، فعندما قبل عبد العزيز مشترطًا على سلطان الشروط التي اشترطها على سلفه الأمير متعب وهي أن إمارته تنحصر في حائل والجبل وأن سيادة ابن سعود تعم نجدًا والقصيم فعاد رسول السلم إلى سيده.
ثم دخلت سنة 1325 ه
ـ
ففيها ذهب ابن سعود غازيًا بعض القبائل المتقلبة في الجنوب ثم جمع جيشًا من بادية مطير ومن الحضر وزحف به إلى القصيم، وكان قد أخذ بنصيحة العوني وبأن له صدقه في شأن محمد أبي الخيل ووافق ما عنده وعزم على عزله ولكن العوني أذاع هذا السر إلى أخي الأمير فهد بن عبد الله فبلغه أخاه فاحتاط لها الأمير واجتمع بزعماءه يستشيرهم فأشاروا عليه بما يفصله عن ابن سعود وزينوا له أن يلجا إلى ابن رشيد وكان قبل ذلك قد أشار هو وزعماؤه على ابن سعود بأن لا يركن إلى ابن رشيد ولا يصالحه بل الحرب أولى، وكان عبد العزيز قد تحقق من ذلك من كتب سلطان إلى رؤساء القبائل في نجد والقصيم فما تردد
ابن سعود في إخلاصهم له وفيهم من أصدقاءه السابقين شيخان من مطير وهما فيصل الدويش ونائف بن هذال.
ولما زحف من بريدة يريد حائلًا لم يتوفق في غزاته تلك كما أنه لم يتوفق في وضع ثقته بالدويش وابن هذال لأنهما قد تعاقدا مع أبي الخيل على نصرة ابن رشيد والالتجاء إليه، فلما تحقق ابن سعود بالخيانات التي جرت وأن بريدة قد خرجت وتفلتت مطير من يده وتعددت الأعداء ذهب يستنجد عتيبة عدوة شمر ومطير فأفلح بعض سعيه.
وفي خلال ذلك هجم الأمير سلطان بن حمود على قافلة لابن سعود وكانت قد خرجت من قصيها فأخذها وأمن رجالها ثم قتلهم فشد عليه ابن سعود فلم يدركه بل عاد إلى حائل ثم عرج ابن سعود على بريدة متحملًا ما صدر منهم من التقلب لا سيما أميرهم ثم إن كشافة ابن سعود التقوا برجل في الطريق تراءى بهم أمره فقتلوه وفتشوه فوجد معه كتاب يحمله من محمد أبي الخيل أمير بريدة إلى سلطان بن رشيد يعاهده فيه على حرب ابن سعود.
ولما رأى صاحب الجلالة عبد العزيز بن عبد الرحمن تعدد الخيانات والأعداء ذهب يدبر وسيلة الانتقام من الدويش فقد أثارت خيانته في عبد العزيز أشد الحنق والغضب، وكان من تدابيره أن أذن لعتيبة بالرحيل ليقال أنهم خذلوه، ثم صالح أهل بريدة وعفا عنهم وقد ضرب لبوادي عتيبة موعدًا في مكان يدعى الجعله فذهب على خفية واجتمع بهم هناك فقاموا وأغاروا بغتة على الدويش في جهة سدير فلاذ بالمجمعة وقد كان فيها حامية لابن رشيد فأدركوه ورجاله في بساتينها ففتكوا بهم فانهزموا شر هزيمة وغنموا أموالهم كلها وجرح الدويش في تلك الوقعة جرحًا موحيًا.
ثم جاء بعد هذه الوقعة كبار مطير مستسلمين مستغفرين فأعطاهم ابن سعود الأمان ثم عاد إلى الرياض، وما تم له شهر وهو هناك حتى جاءته الأنباء مثبتة خيانة أبي الخيل وأنه قد عقد هو وابن رشيد عهد الصلح والولاء، فعند ذاك قام عبد العزيز لفوره واستفز بوادي قحطان وعتيبة ورفض من جاء إليه منضمًا مع
جيشه من مطير ومن لا يوثق به، وكان ابن رشيد قد غزا في الوقت نفسه عربان ابن سعود فما نال مغنمًا بل حصل عليه عطش وظمأ فمات عدد كبير من خيله وركائبه فعاد إلى الجبل ونزل في قرية الكهفة.
فيا عجبًا لهذه التقلبات، سلطان بن رشيد يعاهد ويغدر، وقد جاء هذه المرة يريد بريدة لحلف بينه وبين أميرها وأبو الخيل تكررت خيانته بعدما عفى سيده عنه.
وكان أمير عنيزة ابن سليم قد سعى بالتوسط بينه وبين ابن سعود وما كان هذا اللئيم ليفيد لديه عفو ولا وساطة ورجال مطير قد انضموا إليه بعد ولائهم لابن سعود.
وهناك عدو آخر لا يستهان به وهو مبارك بن صباح فقد جاءت كتبه إلى سلطان بن رشيد يحرضه على خصمه ابن سعود ويلح عليه بالاتفاق مع أهل القصيم على حربه ويوشي بينه وبين ابن سعود وقد جرى من كاتب ديوانه مثل ما مر فيه غلطاته حينما كان يكاتب عبد العزيز بن متعب فبعث هذه المرة مراسله بينه وبين ابن سعود يغريه بابن رشيد هذا ويغري ابن رشيد بابن سعود، وجعل كتاب هذا في ظرف هذا وكتاب هذا في ظرف هذا غلطًا منه.
وكان مبارك لثقته به وإخلاصه له لم يعز له في سابقته وما توفق في ذلك لغلط صاحبه بل كان حظه الفضيحة، فهذه أفعال مبارك بن صباح يغري كل واحد منهما بصاحبه ليضعف الجانبين وهو مستريح وما أشبهه بالثعلب الذي خاف الأسد والنمر فحرش بينهما ليضعفهما وهو رابح من خسارتهما ذهب إلى الأسد وأظهر أنه ابن أخته وقال يا خال هذه وثيقة النسب وتلاها عليه فصدقه الأسد فيما يقول ثم ذهب إلى النمر وزعم له ما زعم للأسد ثم حرش بينهما فاقتتلا قتالًا عنيفًا، وأبو الحصين يهتف من فوق ربوة فلتعش يا خال أبقر البطن أهلكه إلى النار يا عدو خالي الحميم وكلاهما يظن أنه المقصود بهذا التشجيع وعدوه المقصود بالويل والثبور فاستراح منهما وصفا له الجو.
ولقد افتضح مبارك بهذا الغلط الذي هو غير مقصود من كاتبه المشؤوم فلما أن ظهرت الخيانات انحدر عربان ابن سعود يلبونه كقحطان وعتيبة ونزلوا العرض ثم اجتمعوا بمن انضم إليه من الحضر بوادي السر وزحفوا شمالًا إِلى بريدة يقصدونها، كما أنه قد انضم مع ابن رشيد شمر وحرب ومطير فتصافت القبائل، وكتم ابن سعود ما جرى من الأمير مبارك بن صباح وتكرر.
ثم زحف بجيشه من السر إلى المذنب فجاءه هناك رجل من أهل القصيم يسمى عبد العزيز بن حسن وكان رجلًا ذا دهاء وإخلاص له يخبره خفية أن مبارك بن صباح أرسل يتوسط بالصلح بين أهل القصيم وابن رشيد، ولكن ابن سعود لم يحتج إلى خبر في تقلبات ابن صباح وخدعه ومكره، ثم إنه تقدم ابن سعود إلى عنيزة فاستفاد منها أن معسكر ابن رشيد خارج بريدة على مسافة ساعة منها فسرى يريد الهجوم عليه فعلم سلطان بذلك ونقل إلى قرب القصر في بريدة فلحقه ابن سعود وتناوش الفريقان مرارًا دون أن يتمكن بعضهم من بعض على أنه في إحدى الغارات عثر فرس عبد العزيز بن سعود فوقع وقعة مشؤومة انكسر لها عظم كتفه اليسرى وأغمى عليه.
وكان فيصل الدويش قد جاء فزعًا لابن رشيد، فأنزل أهله في الطرفية وتقدم بخيامه ورجاله إلى بريدة، فلما دنا من عسكر ابن سعود خرجت إليه سرية فنازلته وهزمته وقتلت عددًا من رجاله وغنمت كثيرًا من الإبل ثم تتبعت الفلول حتى هجمت على الطرفية فذبحت أهل الدويش واستولت على البلد.
أما صاحب الجلالة فإنه واصل السير على ساقة سريته فوصل إلى الطرفية في وقت العصر وعسكر فيها فلما جن عليه الليل اشتد ألم كتفه حتى منعه النوم والراحة فدعا قواد، وهو على تلك الحال وقال اعلموا أن ابن رشيد وأهل بريدة هاجمون عليكم هذه الليلة فتأهبوا وكونوا متيقظين بثوا الحرس والكشافة في الطرق وحصنوا القصر، وأمرهم بالاستعداد والاحتفاظ.