الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذه الكلمة التي يأخذها من فاتحة الكتاب إذا هو أعلن الحرب: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ، صبرنا على مبارك صبرًا جميلًا وأمثلنا منه شيئًا كثيرًا وفادينا من أجله بالمال والرجال وما نحن بصابرين إلى الأبد {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} وختمت هذه السنة بتلك التقلبات فالله المستعان.
ثم دخلت سنة 1334 ه
ـ
استهلت هذه السنة والكتب تتبادل بين الإنكليز وبين الشريف حسين، وكانت المفاوضات في هذه السنة مستمرة بين عدن وجيزان وبين القاهرة ومكة وبين أبي شهر والرياض، وذلك من جهة الحكومة البريطانية تستجلب أمراء العرب ليدخلوهم في تلك الحرب الضروس في صف الأحلاف، وفعلًا بادر أمراء العرب إلى ذلك، وقد انضم الإدريسي إلى الحلفاء وحمل على الترك حملات منكرة ثم لبى ابن سعود ذلك الطلب وعقد وإياهم معاهدة بعد ستة أشهر، كما أن الشريف يفاوض عميد بريطانيا العظمى في القاهرة، والغرض في إدخال العرب في سلك الأحلاف والوقوف بصفهم هو محاربة الأتراك وصدهم عن تأليف كتلة عربية يقفون بها في وجه بريطانيا العظمى هناك فيقطعون عليها طريق الهند.
ولما كان في 8 صفر من هذه السنة جاء كتاب من نائب ملك مصر إلى الشريف قال فيه: من نائب ملك الإنكليز إلى الشريف حسين أمير مكة إلى صاحب الإصابة والرفعة وشرف، المحترم سلالة بيت النبوة والحسب الطاهر، والنسب الفاضل، دولة الشريف المعظم السيد حسين بن علي أمير مكة المكرمة قبلة الإِسلام والمسلمين أدامه الله في رفعةٍ وعلاء، ثم إنه صرح بالمبالغة بالمديح والثناء وخدع والله صاحبه بذلك، ثم إنه تكلم بخصوص الحدود وأفصح عن نصح الإنكليز للعرب، ثم قال بعد تلك العبارات العذبة، وإن حكومة بريطانيا مستعدة لتنفيذ تطلباته هذا وعربونًا على صدق نيتنا ولأجل مساعدتكم في مجهوداتكم في غايتنا المشتركة، فإني مرسل مع رسولكم الأمير مبلغ عشرين ألف جنيه، وأقدم في الختام عاطر التحيات القلبية
وخالص التسليمات الودية مع مراسم الإجلال والتعظيم المشمولين بروابط الألفة والمحبة الصادقة، لمقام دولتكم السامي ولأفراد أسرتكم المكرمة مع فائق الاحترام ثم أنه أمضى وذكر اسمه فرد عليه الشريف بكتاب، ووعده بالقيام بجمع كلمة العرب على قتال الأتراك طالبًا بعض الأسلحة والذخائر والأقوات فأجابه مكماهون بكتاب في جمادى الأولى بلغ في التعطف واللين غاية بديعة قال: إلى ساحة ذلك المقام الرفيع ذي الحسب الطاهر والنسب الفاخر، قبلة الإِسلام والمسلمين، معدن الشرف وطيب المجد سلالة مهبط الوحي المحمدى الشريف بن الشريف صاحب الدولة السيد الشريف حسين بن علي أمير مكة المعظمة زاده الله رفعة وعلاء آمين، ثم بعد إني أعرب عن كامل الولاء والمحبة والاحتشام وتقديم خالص التحية والسلام تكلم بكلام عظيم في الإطراء وقال: وقد سرني أن أخبركم بأن حكومة جلالة الملك صادقت على جميع مطاليبكم، وإن كل شيء رغبتم الإسراع فيه وفي إرساله فهو مرسل مع رسولكم حامله هذا والأشياء الباقية ستحضر بكل سرعة ممكنة وتبقى في "بور سودان" تحت أمركم لحين الحركة. ثم أطال في ذكر أن جميع مطلوباته ستدفع إليه على مأموريته، وحثه على الأتراك حثًا مزعجًا بانتهاء الفرصة في مصادمتهم وأنه بلغ دولته أنهم إلى أن قال: وقد بلغنا أن ابن رشيد قد باع للأتراك عددًا عظيمًا من الجمال، وقد أرسلت إلى دمشق والشام ونؤمل أن تستعملوا كل مالكم من التأثير عليه حتى يكف عن ذلك وإذا هو صمم على ما هو عليه أمكنكم عمل الترتيب مع العربان الساكنين بينه وبين سوريا أن يقبضوا على الجمال حالًا، ولا شك أن في ذلك مصالح لمصلحتنا المتبادلة، وقد يسرني إن أبلغ دولتكم أن العربان الذين ضلوا السبيل تحت قادة السيد أحمد السنوسي وهم الذين أصبحوا ضحية دسائس الألمان والأتراك فقد ابتدأوا يعرفون خطأهم وهم يأتون إلينا وحدانا وجماعات يطلبون العفو عنهم والتودد إلينا، والحمد الله قد هزمنا القوات التي جمعها هؤلاء الدساسين الخ.
ثم إنه ختم الكتاب بكمال الاحترام والدعاء وإخلاص المودة التي لا يزعزعها
كر العصور والأيام وأمضى عليه كتبه المخلص نائب جلالة الملك "السير آرثر مكماهون".
فهذا تمام أربعة كتب، وقد ألقت الطائرة الإنكليزية في صباح أحد تلك الأيام على أهل جدة منشورات تحث الأهالي على الثورة والانتفاض على الأتراك وقالت فيها أن الحامل على ذلك العداء للأتراك هو حب العرب والشفقة عليهم من أن يكونوا ألعوبة في يد دولة أجنبية بل يريدون للعرب تمام المصلحة لما عندهم لهم من الرأفة والحنان وسيصيرون بحول الله وقوته أمة مجتمعة بكل معاني الاستقلال، ألا فاعلموا أن الديانة الإِسلامية قد احترمتها الإنكليز وأنهم ما فتئوا لمساعدة سلطان تركيا حتى أنكر كل جميل صنعوه به إلى أن قالوا وإن أقرب برهان على ما ذكرنا هو رغبتنا في مساعدة سكان الأراضي الحجازية بمقادير من الحبوب ولكن ضباط الألمان والأتراك صادروا هذه المقادير حال وصولها جدة؛ وألجئونا إلى عدم متابعة إرسال الحبوب لأعدائنا كذا ليسدوا ما بهم من ألم المسغبة في حين أن الفقراء خماص البطون يتضورون من ألم الجوع وبالرغم من كل هذه الصعوبات فإن الحكومة الإنكليزية بعد ما سمعت بما يتكبده الحجاج وسكان بلاد العرب الأبرياء من آلام الجوع لندرة المأكولات قد حركتها عوامل الشفقة والصداقة السرمدية نحو العرب أجمع فقررت التصريح بجلب المأكولات إلى جدة عن طريق البحر فليتأكد العرب أنفسهم أن هذه المؤن الغذائية هي قوت لهم ولعائلاتهم وليجتهدوا في منع مصادرتها من هؤلاء الذين يعملون على نقض القواعد المتبعة إِبان الحروب ويخطفون لقمة الجائع من فمه أه.
ولكن ينبغي للعاقل أن يعرف أن بريطانيا فعلت ذلك لأمر ما، والدليل عليه تناقضها بعد ما وضعت الحرب أوزارها، وكانت مفاوضة الإنكليز للشريف بعد ما فاوضت ابن سعود بشهر، أما ابن سعود فإنه قد نهض في محرم من هذه السنة وزحف مسارعًا يريد مهاجمة العجمان وابن صباح على السواء ذلك ابن صباح الذي ظهرت خيانته وتحريشه بين ابن سعود والعشائر، فلما أن وصل إلى مخيم أخيه