الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طوال مدة الحرب بين الأتراك والأشراف إلى هذا المدى في شأن المدينة، وكان وقت تسليمها في اليوم الثامن من ربيع الثاني سنة 1337 هـ.
ذكر الحرب في دمشق
لما خرج نجلا الحسين علي وفيصل من المدينة قبل الحرب ترك فيصل أخاه عليًا لمحاصرة المدينة وذهب هو لينضم إلى جيش الحلفاء الذي كان يحارب في سوريا، فقام فيصل بجيش من العرب والمصريين والمغربيين وغيرهم، يطوق الجيش التركي من جهة شرق الأردن والحلفاء يشاغلونه من جهة قنال السويس وفلسطين، وهناك أبدى الجيش التركي بسالةً وشجاعةً في رد هذه الجيوش المتظافرة من أجناس شتى، وأحاطت به من جميع جهاته فضربهم الجيش التركي ضربات أوقفتهم عند حدهم مرات عديدة، وحملت الحلفاء خسائر فادحة، وأخيرًا بعد حرب وكفاح دخل الشريف فيصل دمشق مع جيش الحلفاء وذلك بعد سنتين.
رجعنا إلى ذكر بن سعود وشأنه في هذه الحرب، فنقول: لما كان الشريف قد كتم أمره قبلها عن دوائر الحكومة الحجازية غير أن تلك المفاوضات السرية أو في الأقل مجيء الرسل من بورسودان ورواحهم أيقظ في دوائر الحكومة الحجازية عيون الريب والشبهة، فأدرك الوالي غالب باشا بعض ما كان يبطنه الشريف حسين وعقد النية على مفاوضة ابن سعود في الأمر ولكنه موه قصده بالطريقة التي اتخذها إليه، فقد أرسل رسوله وهدية إلى عبد العزيز بواسطة الشريف الذي خانه، فبقي الهدية عنده وأذن للرسول بالسفر إلى نجد، وكان ذلك الرسول يحمل كتابًا من غالب باشا إلى ابن سعود ما نصه:
إنك تعلم بأعمال الشريف وأنا الآن أزيدك علمًا أنه يفاوض الإنكليز وهو على وشك أن يخون الدولة ويفتح لأعدائها الحرمين، فإذا قدمت إلى الحجاز أسلمك الحرم وأساعدك بكل ما لدي من قوة -نعم إن هذه المفاوضة من غالب لابن سعود لحسنة من رجال تركيا، ولكنها ضعيفة السراية لضخامة أمر الحسين
إذ ذاك، فأرسل ابن سعود إلى غالب باشا هدية، وقال في جوابه إنه والحسين يدًا واحدة ولكنها لم تصل الهدية إلى مكة إلا بعد الثورة، فاستلمها الحسين وأكل الهديتين، ونهض كما نهض بأنجاله على الترك طمعًا في الهدية الكبرى التي وعدته بها الإنكليز.
ولما أن ثار ثورته طفقت تتوارد إلى جدة من بور سودان الإمدادات الحربية والمالية، وجاء الذهب إليه بالصناديق ليستخدمه في تجنيد العرب واستمالة أمرائهم ورؤسائهم إلى النهضة، فأرسل إلى ابن سعود سورة في آخرها هذا العام وبعث في السنة التي بعدها إليه أيضًا بثلاث صرر مقدار الواحدة خمسة آلاف ليرة، ولكنه لم يكتب كلمة بخصوصها، كان يجيء الرسول بهذا المال فيقول: من جلالة الملك ليس إلا، وكان ابن سعود بعد ما عقد معاهدة دارين بواسطة السر "برسي كوكس" المتقدم ذكرها، واستمرت سبع سنين إلى بداية 1342 هـ اشترط في مفاوضاته مع كوكس أن يتكلم الشريف باسم العرب ويدعي أنه ملك العرب، فقبل وتوسط كوكس بين ابن سعود وبين ابن صباح في مسألة العجمان، فقبل ابن سعود أن يوقف حركاته الحربية على شرط أن يطرد صاحب الكويت العجمان من بلاده، فعمل جابر ابن صباح بنصيحة السر رسي وأجاب طلب ابن سعود.
أما العرائف الذين أغراهم الأعداء بنسيبهم الأكبر جلالة الملك ابن سعود فإنهم لما أدركوا أن أخوالهم العجمان لم يناصروهم إلا لحظ أنفسهم.
وأيضًا أدركوا حقيقة ابن رشيد والشريف أنهما أكبر عليهم عداوة، عندما تحققوا الثقة بنسيبهم بعد ما بعث إليهم الكتب اللاهجة بالتودد وكمال الحنان والشفقة عليهم، وعادوا إليه تائبين وأصبحوا مشمولين بعنايته وحسن عطفه مقيمين في الرياض بسبعة أبيات بخير.
أما ما كان من أمر الحسين بن علي فإنه كما قيل عنه إذا أمعنا النظر في سيرته وما لديه من الدهاء وأساليب السياسة، نتأكد أنه اتخذ الدين والعاطفة الدينية في العرب سبيلًا إلى تحقيق مقاصده، فقد نشر منشورًا طويلًا ذكر فيه سبب الثورة، ثم
إنه دعا فيه لسلاطين آل عثمان، وأنه لم يأل جهدًا في مناصرتهم إلى أن نشأت في الدولة جمعية الاتحاد وما جرى منهم من خوضهم في غمرات الحروب الحاضرة وتفريق سكان ممالكها وتمزيقهم، فريقًا بالصلب وأنواع بالإعدام والآخر بإجلائه عن وطنه، علاوةً على ما أصيب به في أموالهم وأنفسهم واضطروا العموم إلى بيع أبواب دورهم ودواليبهم وأخشاب سقفها، وآخر ذلك مصادمتهم لنص الكتاب من جعل نصيب الأنثى مثل نصيب الذكر في الأرث، وهدم أركان الإِسلام وهي إباحة الفطر للجند في المدينة ومكة والشام، وما حصل من خلعهم السلطان المعظم، حتى أصبحت الدولة في يد "أنور باشا" و"جمال باشا" و"طلعت باشا" يحكمون بها ما يشاءون ويفعلون بها ما يريدون، ثم أطال بذكر تعديد مساويها ومناقضتهم لسورة البقرة في أمر الشهود، وصلبهم في آن واحد لإحدى عشرين رجلًا من عظماء المسلمين وكبراء نوابغ العرب، عدى من صلبوه من قبل، فلو كان هؤلاء المصلوبون من بهائم الأنعام لعدمنا فيا للرحمة، وإنهم نفوا العوائل وفيها الشيوخ والأطفال وربات الخدور ما تنفطر له القلوب وتزهق الأنفس حسيرات، وشنع عليهم برميهم للبيت العتيق الذي أضافته العزة الأحدية لذاتها السبحانية، وأصابوه بقنبلتين من قنابل مدافعهم وقعت إحداهما فوق الحجر الأسود والثانية تبعد عنه بثلاثة أذرع حتى التهبت بالنار ستاير البيت وهرع الألوف من المسلمين لإطفاء لهيبه بالضجيج والنحيب، وثرك الحكم في هذا الاستخفاف للعالم الإِسلامي، ثم إنه بعد ما أطال قال رافعين أكف الضراعة لرب الأرباب متوسلين برسول الملك الوهاب أن يتولانا بالتوفيق، ويمدنا بالهداية إلى ما فيه خير الإِسلام والمسلمين والاعتماد على الله العلي الكبير وهو حسبنا ونعم النصير، وأمضي تحته شريف مكة وأميرها الحسين بن علي 25 شعبان سنة 1334 هـ.
وقد كان يظهر من هذا المنشور غيرة الحسين لدين الله وشرعه من فعل تركيا ولكنه كان ذلك منه لأمرٍ ما.
أما مفاسد تركيا وما هي عليه من التدهور قبل الثورة وبعدها فليس يخفي
كوضعها للدستور المنافي للشريعة ومنابستها لأهل الدين وغزوهم وتشتيت شملهم كما فعلوا بالوهابين قديمًا وحديثًا وهم بفعلهم ذلك إنما نابذوا التوحيد وأهله وقس على ذلك، ثم إنه قام الشريف بعوإنتصاراته في أخر هذه السنة ونظم مرسوماته بتأليف هيئة الوكلاء وتأليف مجلس الشيوخ وغيرها.
وفيها أنشأ الأديب حسين بن علي بن نفيسة قصيدة يمتدح بها الأمير عبد الله بن جلوي ويعرض فيها بزيارة أهله ومطلعها قوله:
لكل زمان طلعةٌ وأفول
…
وكلٌ له نحو الفناء سبيل
هو الموت ألا إِن في الموت راحةً
…
إذا لم يساعد صاحب وخليل
أبيت أناجي الهم حران مولعًا
…
ونومي إذا نام الخلي قليل
صحابي قفوا لي بالديار فإنني
…
حنيني إلى تلك الديار طويل
وهل بالحمى أحبابنا إِن دنا الحمى
…
مقام فود القلب ليس يزول
وهل من معين منجحٍ لمطالبي
…
فما لمرءٍ إلا شافعٍ ومنيل
ثم إنه قال بعد وصفه لوجده وبالغ في ذلك:
أقول لنفسي حين عز غرامها
…
وطول الأسى للمغرمين قتول
هبيني فما في الناس لي من مساعدٍ
…
فأهل الندي والمكرمات قليل
عفت طرق المعروف من كل سالكٍ
…
وليس لحل المشكلات فعول
مضى محسن لم يلحق المنَّ رفده
…
ومستحسن منه الثناء جميل
وكل جوادٍ يسبق السؤل جوده
…
فلم يبق إلا مانع وسؤل
فقالت بدا منك القنوط سفاهةً
…
فأنت لعمري مخطئ وجهول
إذا ما رأيت الناس لا نفع فيهم
…
وكل شفيعٍ ليس منه حصيل
فهلا لعبد الله تشكو فإنه
…
وفيٌّ سخيٌّ ماجدٌ ونبيل
وفرعٌ نما من أصل قوم أماجدٍ
…
وما الفرع إلا ما نمته أصول
فدع كل قولٍ كالسراب بقيعةٍ
…
إلى قوله إِن قال فهو يطول
فما الحزم والإقدام إلا لمثله
…
هو الليث كل الليث حين يصول