المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر أولاد الشيخ رحمه الله - تذكرة أولي النهى والعرفان بأيام الله الواحد الديان وذكر حوادث الزمان - جـ ٢

[إبراهيم بن عبيد آل عبد المحسن]

فهرس الكتاب

- ‌ثم دخلت سنة 1320 ه

- ‌ذكر رجوع الإمام عبد الرحمن بن فيصل إلى الرياض بعد إقامته في الكويت

- ‌ثم دخلت سنة 1321 ه

- ‌ذكر تقدم ابن رشيد إلى الرياض

- ‌ذكر الاستيلاء على القصيم

- ‌ذكر ذهاب ابن رشيد إلى الدولة العثمانية يجرّها على المسلمين سنة 1321 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1322 ه

- ‌ذكر واقعة البكيرية والشنانة وما جرى فيهما من الخطب الفادح

- ‌ذكر واقعة الشنانة وما جرى من ابن رشيد

- ‌ذكر واقعة وادي الرمة سنة 1322 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1323 ه

- ‌ذكر ذبحة الحواشيش وما جرى من قساوة ابن رشيد

- ‌ الشيخ محمد بن عبد الله بن سليم

- ‌ذكر قضائه وسعة علمه وحلمه وكيفيته وصفته

- ‌ذكر كراماته ومكاشفاته وماله من خوارق العادات

- ‌ذكر تلامذته والآخذين عنه

- ‌ذكر ما جرى عليه من الأمور وثقته بالله العزيز الغفور

- ‌ذكر أولاد الشيخ رحمه الله

- ‌ذكر الحركة والتقلبات في القصيم

- ‌ذكر أمر صالح الحسن بن مهنا

- ‌ثم دخلت سنة 1324 ه

- ‌ذكر قتل عبد العزيز بن متعب سنة 1324 ه

- ‌ذكر إمارة متعب بن عبد العزيز بن رشيد وما جرى من الحوادث

- ‌ذكر قتل صالح الحسن بعد إجلائه

- ‌ذكر المفاوضات بين ابن سعود وبين مندوب الدولة

- ‌ذكر رحيل الأتراك عن القصيم سنة 1324 ه

- ‌ذكر إمارة أبي الخيل في بريدة

- ‌ثم دخلت سنة 1325 ه

- ‌ذكر واقعة الطرفية الصغرى

- ‌ذكر واقعة السباخ

- ‌ذكر قتل سلطان بن حمود بن رشيد أمير حائل

- ‌ثم دخلت سنة 1326 ه

- ‌ذكر إمارة الحسين بن علي الشريف

- ‌تعريب الفرمان الذي صدر لحسين بن علي أمير مكة المكرمة

- ‌ذكر استقبال الحسين بن علي لما قدم الحجاز

- ‌ذكر ابن سعود ودخول بريدة في ولايته للمرة الثانية

- ‌ذكر ما جرى من الحوادث

- ‌ذكر قتل داعية الضلال عبد الله بن عمرو آل رشيد

- ‌ثم دخلت سنة 1327 ه

- ‌ذكر إمارة بريدة وقضائها

- ‌ثم دخلت سنة 1328 ه

- ‌ذكر الانقلاب في الدولة العثمانية

- ‌ذكر إمارة سعود بن عبد العزيز بن متعب

- ‌ثم دخلت سنة 1329 ه

- ‌ذكر حرب إيطاليا للدولة العثمانية

- ‌ذكر وفاة الشيخ إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ

- ‌أخبار زاهد

- ‌ذكر نهاية أمر الشيخ إبراهيم بن جاسر

- ‌ثم دخلت سنة 1330 ه

- ‌ذكر مطلب الوحدة العربية

- ‌ذكر العداء بين الشريف حسين وابن سعود

- ‌ذكر ما جرى من العرائف والهزازنة

- ‌ثم دخلت سنة 1331 ه

- ‌ذكر فتح الإحساء سنة 1331 ه

- ‌الاستيلاء على القطيف سنة 1331 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1332 ه

- ‌ذكر عقد المعاهدة بين ابن سعود وتركيا سنة 1322 ه

- ‌ذكر هادمة العهود ومفرقة الوفود وهي الحرب العظمى سنة 1332 هـ الموافق لسنة 1914 م

- ‌ألمانيا تعلن الحرب على روسيا وفرنسا

- ‌زحف ألمانيا على البلجيك

- ‌قتال روسيا في الجبهة الشرقية

- ‌بلغاريا تعلن الحرب على صربيا

- ‌ذكر الطراد أمدن وما جرى منه وعليه

- ‌ثم دخلت سنة 1333 ه

- ‌ذكر مساعي بريطانيا العظمى وقيامها ضد تركيا

- ‌مفاوضة الفريقين للشريف

- ‌ذكر النهضة العربية واتفاق الشريف مع الإنكليز

- ‌ذكر وقعة جراب سنة 1333 ه

- ‌ذكر التعريف بالعجمان

- ‌ثم دخلت سنة 1334 ه

- ‌وهذه ترجمته:

- ‌ مبارك بن صباح آل صباح

- ‌ذكر اتفاق ابن سعود مع الإنكليز وعقده معهم

- ‌معاهدة العقير سنة 1334 ه

- ‌ذكر الخلافة وعقد الحسين مع بريطانيا

- ‌ذكر إعلان الثورة

- ‌ذكر الحرب في المدينة والسواحل

- ‌ذكر الحرب في دمشق

- ‌ثم دخلت سنة 1335 ه

- ‌ذكر توتر العلاقات بين ابن سعود وبين الشريف

- ‌ثم دخلت سنة 1336 ه

- ‌ذكر اتفاق فلبي مع ابن سعود

- ‌ذكر سكون العرب العظمى

- ‌ذكر البدو والهجر

- ‌أسماء الهجر

- ‌ثم دخلت سنة 1337 ه

- ‌ذكر واقعة تربة

- ‌ذكر الهول في وقعة تربة

- ‌وهذه صفة المعركة بتربة رسمًا

- ‌ذكر صدقه في معاملته لربه وثقته به

- ‌ذكر ما جرى على تركيا من الهوان

- ‌ثم دخلت سنة 1338 ه

- ‌ذكر سوء التفاهم بين صاحب الجلالة عبد العزيز بن سعود وبين سالم بن صباح

- ‌ثم دخلت سنة 1339 ه

- ‌ذكر أنجال الشريف وإمارتهم

- ‌عبد الله بن الحسين

- ‌فيصل بن الحسين

- ‌زيد بن الحسين

- ‌ذكر واقعة الجهراء

- ‌ذكر جوده وكرمه

- ‌ذكر تدريسه وسعة علمه

- ‌ذكر شجاعته ونباهته وصفته ومقاماته في الإسلام

- ‌ذكر ثناء العلماء عليه وميل الناس إليه

- ‌إمارة عبد الله بن متعب بن رشيد وقتال أهل حائل بساحة دارهم

- ‌ذكر إمارة محمد بن طلال

الفصل: ‌ذكر أولاد الشيخ رحمه الله

‌ذكر أولاد الشيخ رحمه الله

كان له أولاد فضلاء، فمنهم نجله الفاضل الشيخ عبد الله بن محمد، وسيأتي ذكره في سنة وفاته، ويكفي شرفًا له أن تولى قضاء بريدة حتى توفاه الله تعالى.

ومنهم الماهر في العلوم الشيخ عمر بن محمد، يأتي ذكره في سنة وفاته أيضًا.

ومنهم عبد الرحمن بن محمد ساكن عنيزة، ومنهم صالح بن محمد، فأما عبد الله فإنه خلف بعده نجلًا طيبًا غير أن المنية اختطفته في ريعان الشباب، وكان زاهدًا بضاعته العلم، ويأتي ذكره في ترجمته، وأما عمر فله أولاد متعلمون، وأما عبد الرحمن فقد خلف أولاد متمسكين في الديانة صلحاء ومحبين لأهل الخير، وأما صالح فله أبناء فضلاء، فمنهم الشيخ عبد العزيز بن صالح، كان عالمًا مجدًا في خدمة العلم الشرعي، وقد تولى وظيفة إمام في أحد مساجد بريدة، ونال وظيفة التعليم في إحدى مدارسها، وكان متواضعًا زاهدًا، ويأتي له بقية ذكر.

ومنهم الشيخ محمد بن صالح قاضي مستعجلة المدينة المنورة، ثم تولى القضاء في مدينة الخبر الواقعة في المنطقة الشرقية.

ومنهم إبراهيم وهواسن من محمد، ولا يزالون في تمسك بالديانة.

أما مرض المترجم فإنه أصيب بوجع في قدميه ثم انتقل بعد ذلك إلى رحمة الله تعالى ومات على حالة تسر الصديق، وارتحل إلما جوار أرحم الراحمين، وأتاه طارق الموت والفناء الذي لا يفوته هارب ولا يتحصن منه متحصن، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وذلك بعدما أقر الله عينه بعودة الملك إلى آل سعود.

واعلم أني لم أجد قصيدة في وفاة هذا العالم الكبير، غير أن أحببت أن أرثيه بهذه الأبيات تنويهًا بذكره وإحياءً لمآثره:

على مثل شيخ المسلمين محمدٍ

تسح دموع العين حراء تذرف

وحق له هذا البكاء وذا الأسى

أصيبت بما يؤذي النفوس ويؤسف

فيا عين جودي بالبكاء تأسفًا

على عالم أذكاره لا تكيف

ص: 46

سلالة عبد الله من كان أمةً

حريصًا على نصر الهدى متحنف

يدين بنصر الحق مهما وجدته

فلا لائمًا يخشى ولا عنه يصدف

مأثره كالشمس في سادس الضحى

سوى أن أذكارًا له ليس تكسف

وما زال يدعو للهداية جاهدًا

وينشر أعلام الهدى يتعطف

به نصر الرحمن دين محمدٍ

وعاد به صرح الغواية يرجف

هو الليث في الهيجاء إذا الحرب شمّرت

وقام دعاة الغي للدين تقذف

فأسيافه في البحث تردى لماذقٍ

وتلقى غبيًا في الحضيض وتنسف

ومن كان مغزاه الهدى جاهدًا له

مديبًا على تقديمه ليس ينكف

يدين بقال الله قال رسوله

سجيته بذل النصائح يهتف

فإن إله العرش لا بد مظهرٌ

له رغم أعداء له لو تكلفوا

إلهي أوله الغفران منك تفضلا

فعاداتك الحسنى أجلّ وألطف

وأمن لخوف الشيخ واسكن لرعبه

بيومٍ به أهل الذنوب يخوف

أليس الذي قد ثبت الله عزمه

بوقتٍ به أهل النهي ليس ينصفوا

فكان لهم كهفًا منيعًا تهابه

ملوكٌ بساحاتٍ لها تتخوف

وممن توفى فيها من الأعيان الشيخ محمد عبده المصري رحمة الله عليه، كان يسمى المصلح الكبير، وهذا شيء من ترجمته:

هو العالم الشهير والحبر النبيل والبحر الغزير، كان أحد أركان النهضة العربية، وكان خطيبًا كاتبًا، ونشأته من أسرة فقيرة وقد قدمنا شيئًا من ترجمته.

ولد المترجم سنة 1266 هـ بإحدى قرى مديرية الغربية، ونشأ بين أسرته بمحلة نصر من مديرية البحيرة، وترك بلا تعليم حتى ناهزت سنة العاشرة، ثم رغب في التعلم فحفظ القرآن الكريم وطلب العلم بالجامع الأحمدي، ثم انتقل إلى الأزهر في مصر ونبغ في علومه.

إن الأزهر هذا مسجد جامع في مصر شرع في بنائه سنة 359 هـ، قام بتأسيسه قائد الخليفة الفاطمي المعز لدين الله، واسم هذا القائد المؤسس جوهر الصقلي،

ص: 47

وقام بعده بتوسيعه الأمير بيبرس سنة 709 هـ، ثم الأمير علاء الدين أقبغا سنة 740 هـ، وما زال في التوسعة حتى تضاعفت مساحته، وكان له خمس منارات، ويتألف من مقصورتين، إحداهما هي التي أنشأها جوهر، وبها 76 عمودًا من الرخام الأبيض، والأخرى أنشأها عبد الرحمن كتخذاي وبها 50 عمودًا، ويبلغ عدد أعمدته 375، وله تسعة أبواب، ولقد أوقف الأزهر لطلابه الأمراء مثل الناصري والسلطان قانصوه وغيرهم قناطير العسل ومئات الدنانير وكمية من السمن والحلوى وغير ذلك، وبلغ عدد طلبة الأزهر في إحصاء سنة 1268 هـ 514 و 17، أما المدرسون فيه فإنهم 1220.

ولما قدم إلى مصر جمال الدين الأفغاني 1282 هـ وأعاد إلى مصر دراسة الحكمة والبيان والكلام، لزمه المترجم، وكان أنبغ تلاميذه وأحرصهم على ملازمته والاستفادة منه، ونال درجة العالمية سنة 1294 هـ، واختير سنة 1295 هـ مدرسًا للأدب والتاريخ العربي بدار العلوم ومدرسة الألسن، ثم اختير لإصلاح لغة الوقائع المصرية، ثم صار رئيس تحريرها، وفي هذه المدة جعله رياض باشا مراقبًا على كتابة الجرائد وتحريرها، وحدثت عقب ذلك الثورة العرابية ونفي من مصر إلى سوريا، لأن الشبهة أحاطت بعنق المذكور وحوكم وحكم عليه بالنفي المذكور، فتولى التدريس بمدارس سوريا، ثم انتقل إلى أوربا فالتقى بجمال الدين الأفغاني، فأنشأ معًا جريدة العروة الوثقى، ثم عفا عنه الخديوي وعاد إلى مصر قاضيًا بالمحاكم الأهلية، ثم مفتيًا للديار المصرية، وتولى التدريس بالأزهر، وإليه يرجع الفضل في إصلاحه، وما زال كذلك حتى توفى في هذه السنة.

وقد رثاه الأستاذ محمد بك حافظ إبراهيم بهذه المرثية العظيمة:

سلامٌ على الإسلام بعد محمدٍ

سلامٌ على أيامه النضرات

على الدين والدنيا على العلم والحجي

على البر والتقوى على الحسنات

لقد كنت أخشى عادي الموت قبله

فأصبحت أخشى أن تطول حياتي

فوا لهفي والقبر بيني وبينه

على نظرةٍ من تلكم النظرات

ص: 48

وقفت عليه حاسر الرأس خاشعًا

كأني حيال القبر في عرفات

أبنت لنا التنزيل حكمًا وحكمةً

وفرقت بين النور والظلمات

ووقفت بين الدين والعلم والدجا

فاطلعت نورًا من ثلاث جهات

وقفت لها نوتو ورينان وقفةً

أمدك فيها الروح بالنفحات

وخفت مقام الله في كل موقفٍ

فخافك أهل الشك والنزعات

وأرصدت للباغي على دين أحمد

شياة يراع ساحر النفثات

مشى نعشه يختال عجبًا بربه

ويخطر بعين اللمس والقبلات

بكى الشرق فارتجت له الأرض رجةً

وضاقت عيون الكون بالعبرات

بكى عالم الإسلام عالم عصره

سراج الدياجي هادم الشبهات

فيا ويحٌ للشورى إذا جدَّ جدها

وطاشت بها الآراء مشتجرات

فيا ويحٌ للفتيا إذا قيل من لها

ويا ويح للخيرات والصدقات

بكينا على فردٍ وإن بكائنا

على أنفسٍ لله منقطعات

تعهدها فضل الإمام وحاطها

بإحسانه والدهر غير موات

وممن توفى فيها من الأعيان الشريف عون الرفيق أمير مكة الشرفة من قبل الدولة العثمانية إذ ذاك، وهو عون بن محمد بن عبد المعين بن عون، ولي إمارة مكة ثلاثة وعشرين سنة، قضاها بحسن حظٍ وقد ظفر بكل من ناواه حتى أبعد الحسين بن علي عن مكة بعدما كان مقيمًا بها في أيام عمه عبد الله بن محمد، وانضم الحسين إليه ليعيش في كنفه، فلما تولى الإمارة الشريف عون، عمل على إبعاد الحسين من مكة، لما يأتيه الحسين من التأليب عليه والكيد له في الخفا حتى تغلب الشريف عون عليه وألجأه إلى الرحيل إلى الأستانة.

ولما توفى عون في هذه السنة تولى إمارة مكة بعده الشريف علي باشا، ولكنها لم تطل إمارته، فقد عزل بعدها بسنتين.

وممن توفى فيها من الأعيان: يوسف بن عبد الله آل إبراهيم عدو ابن صباح، فيقال لابن صباح: خلالك الجو، فبيضي واصفري ونقري ما شئت أن تنقري.

ص: 49

وفيها تم عمل سكة الحديد التي أنشأها السلطان عبد الحميد بن عبد المجيد، وكانت قد مدت من المدينة المنورة إلى أن اتصلت بالأراضي الشامية، وكان الباعث لعمل هذه السكة تقريب مسافة المدينة للحجاج والزوار الذين يأتون إليها من مسافة بعيدة، والأمر الثاني صلة بلاد الحجاز لأجل إذا وقع أي واقع تسنى للدولة في الحال إخماده، وكانت مدة العمل فيها سبع سنوات، وأنفقت عليها خمسة ملايين وربع مليون جنيه عثماني، ويقدّر العارفون أن هذا المبلغ قليل بالنسبة لطول الخط، وكان طوله 1959 كيلو متر، فأصبحت المدينة زهرة البلاد الحجازية، ولولا فقد السلطان وتلا الحرب العظمى لالتحقت سائر بلاد الحجاز بالمدينة، وما زالت هذه تتلاشى حتى بطل عملها.

وفي هذه السنة أرسلت الدولة العثمانية أحد رجالها الكبار، وهو المشير أحمد فيضي باشا الذي اشتهر بشجاعته وحسن سياسته، وشفعته الدولة أيضًا برجل آخر اسمه الفريق صدقي باشا المتصف ببعد النظر وطول الآناة، جاء الأول بثلاث طوابير وخمسة أطواب من بغداد، وجاء الثاني من المدينة بطابورين، فالتقوا وعسكروا قرب القصيم، ولم يكونوا قصدوا الحرب، ولكنهم رغبوا في المفاوضة من أجل السلم، وإنما أرسلت الدولة هذه القوة من جندها لتعزز جانبها، وكانت قد بعثت إلى ابن سعود بواسطة الشيخ مبارك بن صباح تقول: إنها تريد أن تفاوض أباه عبد الرحمن بن فيصل، وطلبت أن يوافي والي البصرة إلى الزبير، فأجاب الإمام طلب الدولة وسافر إلى الكويت ومنها إلى الزبير، وكان قد اتفق بمبارك بن صباح في الكويت فسارا معًا إلى الزبير، فاجتمعا هناك بالوالي، وبعد المفاوضات في أمور نجد والقصيم قرروا أن يكون القصيم على الحياد أي يصير حاجزًا بين ابن سعود وابن رشيد وأن يكون للدولة فيه مركز عسكري وموضع شورى، ولكن عبد الرحمن بن فيصل لم يوافق على هذا الأمر، غير أنه وافق بعد أن يعرض ذلك على أهل نجد إكرامًا للشيخ مبارك، ولم يقبل أهل نجد ذلك البتة بأن يكون القصيم على الحياد ولا أن يكون للدولة فيه حامية قطعًا.

ص: 50

فلما عاد الإمام عبد الرحمن، خرج ابنه الملك عبد العزيز لاستقباله إلى الحسي، فاجتمع به هناك وسارا إلى شقراء، فأقام والده فيها، واستمر عبد العزيز سائرًا برجاله إلى القصيم، فنزل موضعًا يسمى العمار يبعد عن بريدة جنوبًا بخمسة وعشرين ميلًا، وكان فيضي باشا وصدقي قد اجتمعا بابن رشيد فتفاوضوا واختلفوا، وكان ابن رشيد قد أراد من الباشا أن يضغط أهل القصيم ويأخذهم بالسيف، فخالفه المشير ولسان حاله يقول:

الرأي قبل شجاعة الشجعان

هو أول وهي المحل الثاني

فإذا هما اجتمعا لنفسٍ مرةٍ

بلغت من العليا كل مكان

ولربما طعن الفتى أقرانه

بالرأي قبل تطاعن الفرسان

وكان صدقي باشا يتعجب من شجاعة عبد العزيز بن رشيد، حتى قال هذا فارس كعلي بن أبي طالب في الشجاعة، لكنه أعطى حظًا من السياسة، فعاد ابن رشيد بعسكره حانقًا إلى الكهفة وركب المشير على رأس جنوده قاصدًا القصيم، ولما وصل إلى بريدة منعه أهلها من الدخول، ولكن الأمير صالح الحسن أرسل إليه رسولين هما عبد الله بن عمرو، ومحمد بن علي أبا الخيل يقول إنه وأتباعه يطلبون حماية الدولة والاستقلال، أما بريدة وعنيزة وتوابعهما من القرى فلم يقبلوا سادة الأتراك بل أرسلوا إلى عبد العزيز بن عبد الرحمن ليأخذون راية في المقاومة، وكان فيضي باشا قد أرسل رسولًا إلى الرياض يقول أن الدولة لا تبغي محاربة أهل نجد، وأنه جاء مسالمًا، ثم أرسل إلى ابن سعود في العمار يؤمنه قائلًا: إنني لا أريد إلا السلم، ولست محققًا مقاصد ابن رشيد، وقد سأله أن يلزم مكانه ويرسل أباه عبد الرحمن ليوافيه إلى عنيزة للمفاوضة، فقبل عبد العزيز ذلك وأمر الناس أن يخلدوا إلى السكينة فلا يأتون عملًا عدائيًا أثناء المفاوضة، فركب الإمام عبد الرحمن بن فيصل من شقراء إلى عنيزة، وسار فيضي باشا جنوبًا فنزل على مقربة منها، فتواجه الأثنان في عنيزة وأسفرت المفاوضة على أن يكون للدولة مركزان في القصيم، أحدهما في بريدة والثاني في عنيزة، ويكون هذا مؤقتًا إلما أن يتم الصلح بين ابن

ص: 51

سعود وابن رشيد، هذا ما تريده الدولة، ولكن أهل القصيم لا يريدون ذلك إلا ما كان من أمير بريدة صالح الحسن فإنه قبل وأتباعه ذلك، فرأى الإمام عبد الرحمن أن يقبله أهل القصيم مؤقتًا، وكاد أن يتم وأن يكون ساري المفعول، ولكنه حال دونه حوادث صنعاء في اليمن وما صنعه الإمام يحيى من شدة الحصار على صنعاء، وفيها ستون ألفًا من الأتراك العسكريين والمدنيين كما تقدمت الإشارة إليه.

وبما أنه ليس عند الدولة للنكبات أقدر ولا أشجع من المشير فيضي، توكل عليه في إنجاد أبنائها الذين أطعمهم يحيى في حصاره النار والفار وأشياء ذكرها حتى أشرفوا على الموت، فلذلك صدر الأمر إلى أحمد فيضي بالإسراع إلى اليمن، فسار نحوه وترك القصيم ومشاكله لصدقي باشا يحلها بالتي هي أحسن، ولما تولى صدقي باشا قيادة الجيش نقل إلى الشحية فعسكر فيها، وما كان له ما للمشير من سعة الرأي، بل اهتزت منه جارحة للحركة، وأقام بجنوده في الشحية لا محاربين بل مفاوضين، بل كانوا متفرجين، وقد استأنف ابن سعود وابن رشيد القتال، ولما وصل المشير فيضي باشا إلى اليمن أمدته الدولة بخمسين ألف مقاتل لتأديب الثائرين والعصاة، فاستولى ثانيةً على صنعاء ثم تتبع الإمام يحيى الذي انسحب بجنوده إلى شهارة، ولكنه دحر شر دحرة هناك، فعقد بعدها اتفاق بين الإمام يحيى وبين الدولة العثمانية، لكنه لم يدم غير بضع سنين.

وفيها استنجد أمير قطر وشيخها قاسم بن ثاني بعبد العزيز بن عبد الرحمن بن سعود على أخيه أحمد بن ثاني وبني مرة، فقد عصوا عليه وكادوا يخرجونه من قطر، فبادر إليه ابن سعود في وقت كان القصيم يغلي فيه بمراجل التقلبات، فضرب الثائرين ضربة أعادت لقاسم بن ثاني كامل نفوذه وسلطنته، وكان قاسم هذا من أعز أصدقاء عبد العزيز وأحبهم إليه، تربطهما رابطة العقيدة السلفية وحسن الجوار، ولكنه حصل منه رحمه الله بعض الحسد على ابن سعود لما ولّاه الله بلاد الإحساء، وسيأتي ذكر ذلك في موضعه إن شاء الله.

ص: 52