المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثم دخلت سنة 1322 ه - تذكرة أولي النهى والعرفان بأيام الله الواحد الديان وذكر حوادث الزمان - جـ ٢

[إبراهيم بن عبيد آل عبد المحسن]

فهرس الكتاب

- ‌ثم دخلت سنة 1320 ه

- ‌ذكر رجوع الإمام عبد الرحمن بن فيصل إلى الرياض بعد إقامته في الكويت

- ‌ثم دخلت سنة 1321 ه

- ‌ذكر تقدم ابن رشيد إلى الرياض

- ‌ذكر الاستيلاء على القصيم

- ‌ذكر ذهاب ابن رشيد إلى الدولة العثمانية يجرّها على المسلمين سنة 1321 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1322 ه

- ‌ذكر واقعة البكيرية والشنانة وما جرى فيهما من الخطب الفادح

- ‌ذكر واقعة الشنانة وما جرى من ابن رشيد

- ‌ذكر واقعة وادي الرمة سنة 1322 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1323 ه

- ‌ذكر ذبحة الحواشيش وما جرى من قساوة ابن رشيد

- ‌ الشيخ محمد بن عبد الله بن سليم

- ‌ذكر قضائه وسعة علمه وحلمه وكيفيته وصفته

- ‌ذكر كراماته ومكاشفاته وماله من خوارق العادات

- ‌ذكر تلامذته والآخذين عنه

- ‌ذكر ما جرى عليه من الأمور وثقته بالله العزيز الغفور

- ‌ذكر أولاد الشيخ رحمه الله

- ‌ذكر الحركة والتقلبات في القصيم

- ‌ذكر أمر صالح الحسن بن مهنا

- ‌ثم دخلت سنة 1324 ه

- ‌ذكر قتل عبد العزيز بن متعب سنة 1324 ه

- ‌ذكر إمارة متعب بن عبد العزيز بن رشيد وما جرى من الحوادث

- ‌ذكر قتل صالح الحسن بعد إجلائه

- ‌ذكر المفاوضات بين ابن سعود وبين مندوب الدولة

- ‌ذكر رحيل الأتراك عن القصيم سنة 1324 ه

- ‌ذكر إمارة أبي الخيل في بريدة

- ‌ثم دخلت سنة 1325 ه

- ‌ذكر واقعة الطرفية الصغرى

- ‌ذكر واقعة السباخ

- ‌ذكر قتل سلطان بن حمود بن رشيد أمير حائل

- ‌ثم دخلت سنة 1326 ه

- ‌ذكر إمارة الحسين بن علي الشريف

- ‌تعريب الفرمان الذي صدر لحسين بن علي أمير مكة المكرمة

- ‌ذكر استقبال الحسين بن علي لما قدم الحجاز

- ‌ذكر ابن سعود ودخول بريدة في ولايته للمرة الثانية

- ‌ذكر ما جرى من الحوادث

- ‌ذكر قتل داعية الضلال عبد الله بن عمرو آل رشيد

- ‌ثم دخلت سنة 1327 ه

- ‌ذكر إمارة بريدة وقضائها

- ‌ثم دخلت سنة 1328 ه

- ‌ذكر الانقلاب في الدولة العثمانية

- ‌ذكر إمارة سعود بن عبد العزيز بن متعب

- ‌ثم دخلت سنة 1329 ه

- ‌ذكر حرب إيطاليا للدولة العثمانية

- ‌ذكر وفاة الشيخ إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ

- ‌أخبار زاهد

- ‌ذكر نهاية أمر الشيخ إبراهيم بن جاسر

- ‌ثم دخلت سنة 1330 ه

- ‌ذكر مطلب الوحدة العربية

- ‌ذكر العداء بين الشريف حسين وابن سعود

- ‌ذكر ما جرى من العرائف والهزازنة

- ‌ثم دخلت سنة 1331 ه

- ‌ذكر فتح الإحساء سنة 1331 ه

- ‌الاستيلاء على القطيف سنة 1331 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1332 ه

- ‌ذكر عقد المعاهدة بين ابن سعود وتركيا سنة 1322 ه

- ‌ذكر هادمة العهود ومفرقة الوفود وهي الحرب العظمى سنة 1332 هـ الموافق لسنة 1914 م

- ‌ألمانيا تعلن الحرب على روسيا وفرنسا

- ‌زحف ألمانيا على البلجيك

- ‌قتال روسيا في الجبهة الشرقية

- ‌بلغاريا تعلن الحرب على صربيا

- ‌ذكر الطراد أمدن وما جرى منه وعليه

- ‌ثم دخلت سنة 1333 ه

- ‌ذكر مساعي بريطانيا العظمى وقيامها ضد تركيا

- ‌مفاوضة الفريقين للشريف

- ‌ذكر النهضة العربية واتفاق الشريف مع الإنكليز

- ‌ذكر وقعة جراب سنة 1333 ه

- ‌ذكر التعريف بالعجمان

- ‌ثم دخلت سنة 1334 ه

- ‌وهذه ترجمته:

- ‌ مبارك بن صباح آل صباح

- ‌ذكر اتفاق ابن سعود مع الإنكليز وعقده معهم

- ‌معاهدة العقير سنة 1334 ه

- ‌ذكر الخلافة وعقد الحسين مع بريطانيا

- ‌ذكر إعلان الثورة

- ‌ذكر الحرب في المدينة والسواحل

- ‌ذكر الحرب في دمشق

- ‌ثم دخلت سنة 1335 ه

- ‌ذكر توتر العلاقات بين ابن سعود وبين الشريف

- ‌ثم دخلت سنة 1336 ه

- ‌ذكر اتفاق فلبي مع ابن سعود

- ‌ذكر سكون العرب العظمى

- ‌ذكر البدو والهجر

- ‌أسماء الهجر

- ‌ثم دخلت سنة 1337 ه

- ‌ذكر واقعة تربة

- ‌ذكر الهول في وقعة تربة

- ‌وهذه صفة المعركة بتربة رسمًا

- ‌ذكر صدقه في معاملته لربه وثقته به

- ‌ذكر ما جرى على تركيا من الهوان

- ‌ثم دخلت سنة 1338 ه

- ‌ذكر سوء التفاهم بين صاحب الجلالة عبد العزيز بن سعود وبين سالم بن صباح

- ‌ثم دخلت سنة 1339 ه

- ‌ذكر أنجال الشريف وإمارتهم

- ‌عبد الله بن الحسين

- ‌فيصل بن الحسين

- ‌زيد بن الحسين

- ‌ذكر واقعة الجهراء

- ‌ذكر جوده وكرمه

- ‌ذكر تدريسه وسعة علمه

- ‌ذكر شجاعته ونباهته وصفته ومقاماته في الإسلام

- ‌ذكر ثناء العلماء عليه وميل الناس إليه

- ‌إمارة عبد الله بن متعب بن رشيد وقتال أهل حائل بساحة دارهم

- ‌ذكر إمارة محمد بن طلال

الفصل: ‌ثم دخلت سنة 1322 ه

بحول الذي فوق السموات عرشه

ويسعدك الإسعاف في كل ظالم

فيا من سما مجدًا وجودًا وسؤددا

وحل على هام السها والنعائم

ليهنك يا شمس البلاد وبدرها .... بلوغ المنى من كل باغٍ وغاشم

هنيئًا لك العز المؤثل والعلى

هنيئًا هنيئًا فحزمًا في العوالم

فهذا هو الفتح الذي جلّ ذكره

وهذا هو العز الرفيع الدعائم

فلله من يومٍ عظيمٍ عصيصبٍ

يشيب النواصي هو له في الملاحم

فشكرًا لمنّ أولادك عزًا ورفعةً

ونصرًا وإسعافًا على كل ظالم

فذي وقعةٍ مثلها شاع ذكرها

ولا مثلها فيهم أتت بالعظائم

ولا قبلها كانت عليهم فجائع

ولا سامهم من قبلها ذل سائم

فلا زلت في عز أطيد مؤثل

وأعدائك في خفضٍ وذلٍ ملازم

ولا زلت وطاءً على هامة العدى

لك النقض والإبرام بين العوالم

ولا زلت كهفًا للعناة ومعقلًا

منيعًا منيفًا في الخطوب العظائم

ثم إنه عاد قائد الجيوش العربية السعودية بعد وقعة ابن جراد إلى الرياض وأقام فيها شهر ذي الحجة، وما كاد يتم الشهر حتى زحف في آخره إلى الغرض الأكبر، فأرسل إلى أهل القصيم في شقراء يأمرهم بأن يوافوه إلى ثادق، لأنه يريد أن ينحدر إلى الكويت، ولما شاع هذا الخبر ترك عبد العزيز ثقل أحماله في قصر الجريفة من قصور الوشم وزحف بجيشه مسرعًا إلى ماجد بن حمود بن رشيد في عنيزة، وفي آخر هذه السنة عاد الشيخ أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن سليم من النبهانية إلى بريدة، فجرت به ذيول افتخارها وازدهت به مرحًا وابتهجت بقدومه، وكان رحمه الله قد ثقل وشقّ عليه المشي لألمٍ في وركيه، سببه أن رجلًا سقط من سطح المسجد على وركيه فأثر ذلك عليه خللًا في الوركين، فكان إذا مشى يجر إحدى رجليه.

‌ثم دخلت سنة 1322 ه

ـ

استهلت هذه السنة والبطلان مصطليان في نار الحرب، ابن متعب قد انحدر

ص: 17

ليأتي بالدولة العثمانية لإبادة خصمه، وعبد العزيز بن عبد الرحمن يهاجم ويسطو ويضم الممالك إلى نفسه.

ولما قتل حسين بن جراد وسريته، سار قاصدًا بلدة عنيزة يريد الاستيلاء عليها، ولما وصل إلى ماء الشريمة في وسط النفود، علم بعض من كان معه من البادية أنه يريد ماجدًا في عنيزة، فشردوا عنه، واستمر هو بزحفه لم يبال بهم، غير أنه ضلّ الدليل الطريق فتاهوا في النفود طيلة ذلك الليل، ثم خرجوا منه فإذا بكشافة لماجد، فعندما نزل ابن سعود طيلة ذلك النهار في قصر الحميدية من قصور عنيزة على مسافة أربع ساعات منها.

ثم إنه تقدم في ساعة الغروب، فوصل إلى نخل عنيزة، فعسكر هناك وأمر من كان معه من أهل القصيم، وفيهم آل سليم أن يهجموا على أهل عنيزة في تلك الليلة، وقد كان بعض الأعداء فيها مثل آل يحيى وآل بسام الذين لا يزالون إذ ذاك على ولاء ابن رشيد ومحبته، وبغض آل سعود بغضًا كامنًا مع كل من انتسب إليهم، وعندهم سريةٌ من سرايا ابن رشيد رئيسها فهيد السبهان.

أما الأمير ماجد فكان نازلًا قرب المريبط وهو باب من أبواب عنيزة، فعند ذلك هجم أهل القصيم أتباع ابن سعود على عنيزة، فاصطدموا بطلائع ابن رشيد من أهلها ومن شمّر، فتلاحم الفريقان وقتل فهيد من ضمن من قتل، غير أن رجاله لم يسلموا، فطلب السعوديون من أميرهم مددًا، فأرسل إليهم مائتي من المقاتلة بقيادة الظافر عبد الله بن جلوي، فلما سمع أهل عنيزة بالنجدة التي جاءت يقودها الأسد في براثنه عبد الله بن جلوي، سلموا في الحال إلى آل سليم.

أما ابن سعود فركب بعد أن صلى الفجر على رأس سريةً من الخيل، وقصد المكان الذي فيه ماجد بن حمود الرشيدي، فلما رأى خيل ابن سعود فرَّ هاربًا، فتعقبه ابن سعود واستولى على مركزه بعد أن قتل أكثر قومه، ومنهم أخوه عبيد، ثم عاد ماجد ومعه بضع وعشرون من الخيل والركائب وفيهم نفر من آل سعود الذين كانوا منفيين إلى حائل، جاء بهم ليردوا العدو المنتصر، لأنه إذا عرفهم وهم

ص: 18

من آل سعود قد يمتنع عن القتال فلا يقتل أحدًا منهم، ولكن صاحب الجلالة عبد العزيز لما رأى أهله وقد عرفهم، أمر بعقر خيلهم ليتمكنوا من خلاصهم، وكذلك كانوا فقد فازوا بعد عقر الخيل أثناء المعركة بسعود بن عبد العزيز وسعود بن محمد وفيصل بن سعد، فخلّصوهم من القتل والأسر، ولقبوا بعد هذا بالعرائف والكلمة مأخوذة من قول البدو إذا خسروا في الغزو جمالهم ثم استعادوها فهم يسمونها العرائف، فصار هذا لقبًا يطلقه عبد العزيز على بني عمه سعود العرافة وفيصل العرافة إلى ذلك.

ثم إنه فرَّ ماجد بن حمود إلى حائل منهزمًا مقهورًا، وتم فتح عنيزة في خامس محرم سنة 1322 هـ، فاقام بها عبد العزيز بضعة أيام ثم زحف بجيشه إلى بريدة، فسلم أهلها ودخلها عنوةً، غير أن الأمير فيها من قبل ابن رشيد وهو عبد الرحمن بن ضبعان تحصن وحاميته بالقصر وسدوا عليهم الباب، فحاصرهم عبد العزيز بن عبد الرحمن، ولكن الأمير عبد الرحمن بن ضبعان بعد ما أغلق القصر أغراه طول القصر وعرضه وحصونه وثبت يقول: نار وجدار وركب ما عنده من القوات حتى لم يقدر أحد من الدنو حوالي القصر، ونبتت الأعشاب على قد متر هناك وما استطاع أحد رعيها في هذا المكان الذي بين القصر والبلد، وناهيك به من أمير حافظ على ولاء صاحبه، غير أنه ما كان ليطيق مطاولة ابن سعود، ولقد اتخذوا له مكائد عظيمة وسردبوا وجعلوا ألغامًا تحت الأرض، ونازله ابن سعود في قصر حذاءه، واشتد الحصار جدًا وضاق على ابن ضبعان وحاميته أمر المعيشة لأنهم استطاعوا أن يطاولوا ابن سعود ثلاثة أشهر، فأكلوا ما ضم القصر حتى أكلوا نوى التمر، وجعلوا يشربون من ماء بئر القصر المالح.

واصطنع حداد من رجال ابن ضبعان مدفعًا عظيمًا وحشاه بالبارود وشيئًا من القنابل، فأطلقه وسمع له وجبة عظيمة غير أنه لم يفد شيئًا، وكان هذا الصانع يدعى الأسطا، ومن عزمه أن يهدم البلد بهذا الدفع، فأعمل الدفع مرة أخرى وجعل فيه صاعين من البارود وقنابل، فاطلقه ولما ثار تقطع المدفع وقتله، وكانت

ص: 19

المسبة بين الفريقين والاعتزاز والتعيير مناولةً من أعالي السطوح، وما زالت الحامية تدافع حتى نفد ما عندهم، وكان ابن سعود ينادي الأمير ويتهدده ويتوعده بقوله: يا ابن ضبعان أي شيء تريده من ابن سعود حينما قمت تشاقه في ملكه وملك أبائه وأجداده، فتوكل على الله وارحل فإنك مخطئ، آثم، ، اخرج فلك عهد الله وميثاقه، لأن خرجت لأمننك في نفسك وأهلك ورجالك، فقد رانه في ليلة ثالث عشر ربيع الثاني قدم فارسان من ابن رشيد معهما، كتب لابن ضبعان يحثه على الثبات، ولو ليلتين فإنه جاءه بالعساكر، ولما أن قرب الفارسان لإلقاء الكتب من أعالي حائط القصر، لأن القوم محصورون، رآهما رجل سعودي يدعى أبو قيان فكشفهما في الساعة التي ألقيا الكتب فيها وسقطت في العراء ولم تصل، ولما أفشى أبو قيان خبر الفارسين إلى ابن سعود فتشت الكتب فعلم بعد ذلك أنهما ناديا الحامية وما سمعهم وما علموا بها ولا بالخبر وإلا فلو علموا لثبتوا إلى آخر رمق، ولكن هذا لحسن حظ ابن سعود.

ولما أن كان في ليلة 15 ربيع الثاني، سلّم ابن ضبعان في الساعة الثالثة ليلًا وجعل ينادي: أين ابن سعود يكلمن؟ فأجابه نعم وما لديك يا عبد الرحمن؟ فقال يا أبا تركي نحن أعذرنا من معزبنا ولم يبق لنا أمل في المقام، فتكلم عبد العزيز يقول: يا أبا عبد الرحمن إن ابن رشيد ذهب وخلى سبيلك فليكلمني معك فلان وفلان فكلموه وطلبوا منه أن يعطيهم عهد الله وميثاقه على دمائهم ورحلهم غير الحلقة والسلاح، فأعطاهم ذلك ونزلوا بوجه الله ثم وجهه، فنقضوا سد الباب وخرجوا آمنين، ووفا بعهده ووعده، وكان خروجهم صبيحة تلك الليلة بعدما ضبط ابن سعود السبل كلها عند خروجهم خشيةً من دسائس العدو، وتم لابن سعود الاستيلاء على القصيم، ولقد كان في استيلائه على نجد مع ما كان لابن رشيد فيها من القوى والعدد والعدة وماله من شدة الفتك والصف من أعظم آيات الله تعالى، وكان قد جرى له فرص يمكنه أن يتدارك الملك قبل ذهابه، ولكن كيف يصنع وسوط القدر يسوقه إلى مراد الله، ومن كان مثله، فإنه لا يملك في الغالب.

ص: 20

وفيها قام الإمام يحي بن محمد حميد الدين بعد وفاة أبيه، فأعاد الكرة على الدرك فحاصرهم في صنعاء حصار دام ستة أشهر حتى أكل أهل المدينة أثناء الحصار لحم البغال والحمير، وأكلوا الفيران، حتى سلم الأتراك الذين فيها ليحيى، وفيهم الأهالي، وكان عددهم لا يقل عن ستين ألفًا، ولكنهم أعادوا بعد ذلك الكرة على صنعاء فتقهقر الإمام وجنوده إلى شهارة فتبعهم العدو إلى تلك المضايق الهائلة، وخسر العدو هناك الحرب، تلك هي وقعة شهارة لم يكن مع الإمام غير ثلاثة آلاف مقاتل غلبوا ثلاثين ألف من الأتراك، وقد حارب وجنوده عساكر الأتراك حتى بالصخور أيضًا يدحرجونها عليهم، وأهل اليمن يحسبون النصر في تلك الوقعة أعجوبة، بل كرامة من كرامات يحيى.

وكان يقول في حصاره لصنعاء لمن يحدثه أطعمناهم النار والفار، فسلموا بدون شرط وفاز يحيى في تلك الثورة بأن غنم سبعين مدفعًا وكثيرًا من الذخيرة والسلاح، وهذه نبذة من ذكر يحيى هو صاحب الدهاء والسياسة الإمام يحيى بن الإمام المنصور بالله محمد بن يحيى، بويع بالإمامة في شهر ربيع الأول من هذه السنة يوم الجمعة الموافق لعشرين منه بعد وفاة والده في الشهر المذكور، لأنه توفى قبل أن يختار وليًا لعهده، فاجتمع العلماء والأعيان وأرباب الحل والعقد وأجمعوا على مبايعته بالإمامة لاعتقادهم أنه خير من يستطيع النهوض بأعبائها، ولاستجماعه الشروط الشرعية وهي أربعة عشر، فامتنع في أول الأمر وتردد فأصروا عليه وألحوا ولم يقبلوا له عذرًا فأجابهم إلى سؤالهم ووافقهم، وشروط الإمام عندهم أن يكون ذكرًا مكلفًا حرًا مجتهدًا علويًا فاطميًا عدلًا سخيًا ورعًا سليم العقل سليم الحواس سليم الأطراف صاحب رأي وتدبير مقدامًا فارسًا.

أما صفة يحيى: فكان ربعة من الرجال صغير اليد والرجل، أسمر اللون علي الجبين مستدير الوجه قاتمة، له فم كفم الطفل بارز صغير وله منخاران بارزان، الحق أنه دميم، عيناه سوداوان قريبتان من أنف قصير عريض صفته نور يضيء وشرارة في بعض الأحايين رواعة، وله لحية مستديرة سوداء قصيره يتخللها خيوط من

ص: 21