الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم قدم من المدينة وفد عثماني يحمل إلى ابن سعود عشرة آلاف ليرة، وينزلف منه بواسطة صديقه محمود شكر الآلوسي أحد أعضاء الوفد، ثم خرج من الحجاز الأمير عبد الله بن الشريف حسين موافدًا من والده للنظر في المسألة التي كتب عبد العزيز بخصوصها فاجتمع على الحدود بمندوب ابن سعود وافتراق الاثنان كما اجتمعا دون أن يقررا شيئًا.
والحقيقة أن الشريف يتحين الفرص للهجوم على ابن سعود تنفيذًا كما قيل لتلك المعاهدة التي وصفها الأمير خالد بن لؤي في قوله اكتب له ورقة تنفعه عند الترك ولا تضرك.
أما ابن رشيد فقد أجاب بصراحة بقوله: إني رجل من رجال الترك فأحارب إذا حاربت، وأصالح إذا صالحت وكتب مبارك بن صباح يخبر ولده عبد العزيز بأن "اللورد هاردنغ" حاكم الهند قادم إلى البصرة، ومن رأيي يا ولدي أن تقدم أنت إلينا للمفاوضة.
فلما رأى جلالة الملك عبد العزيز هذه الرياح المتحركة والعواصف المكدرة، جعل يعمل بما تقتضيه المصلحة، فرد وفد الآلوسي ردًا حسنًا، وقال لمحمود شكري إنها كما ترى فلا يمكنني مقاومة الإنكليز بعد احتلالهم البصرة، أما طالب النقيب فإنه بعد ذلك الاحتلال يخشى الرجوع إلى بلده، فتوسط ابن سعود من أجله فأذن له الإنكليز، وعاد كما عاد الآلوسي خائب الأمل.
ذكر الطراد أمدن وما جرى منه وعليه
كان لألمانيا طراد سمي باسم بلدة تسمى أمدن، وهي ميناء في ألمانيا، وقد فعل هذا الطراد أفعالًا عظيمة بهمة قائده الكابتن "كارل فون مولر في الأقيانوس" الهندي بخليج بنغال وغيره، تشهد له بالمقدرة وتقر له بالشجاعة والإقدام، فقد قهر وأغرق ما بين بواخر تجارية ومدرعات حربية ما ينوف عن ثلاثين، تقدر قيمتها بستمائة وخمسين ألف جنيه، وهكذا كل يوم، ويصيد ويقتل حتى صيد، وكان قد
أتلف من محمول البواخر والمدرعات ما ينوف أيضًا عن ثلاثة ملايين جنيه، وما أوقفه في خليج بنغالة تسعة ملايين جنيه.
وسبب القبض عليه لما صيد في جهة الأقيانوس الهندي اتجاه جزر كوكس كيلنغ، أن في تلك الجزيرة مركز تلغراف لاسلكي، فقصدها أمدن ليخرب ما فيها ويعطلها، فعندما أقبل رآه صاحب اللاسلكي فاستغاث بأقرب مركز للحلفاء.
ثم وصل أمدن الجزيرة وأنزل بعض بحارته وضباطه ورشاشاته ليخربوا ما فيها فبادرت نجدة الحلفاء بإرسالهم لأقرب طراد "يسمى سدني" فما أمهله طراد الحلفاء لأن يقضي غرضه بل وصل الجزيرة سريعًا فعارضه طراد الألمان أمدن فأصيب الطراد أمدن بعد دفاع عظيم وأسر قائده وقتل من بحارته عدد وأسر عدد، أما البحارة الألمانيين الذين نزلوا في الجزيرة فبقوا كامنين حتى ذهب سدني ولم يدر عن وجودهم بها فقاموا وواصلوا السير بلنش من جزائر كوكس كيلنغ إلى سومطرة التابعة لهولندا ومروا بسواحل الهند متنكرين حتى عبروا مضيق باب المندب فالحديدة فالقنفذة ومنها إلى الليث قاصدين جدة فلما قربوا لجدة قام البدو عليهم يرمونهم بالرصاص وذلك بإيعاز من الحسين بن علي ولكن وجود الرشاشات والذخيرة مع الألمان هو الذي منع تغلب البدو عليهم.
ولما سمعت تركيا بالخبر خابرت الشريف الحسين بذلك فأرسل ابنه عبد الله منجدًا لهم فوصل إلى جدة فأقام لهم الشريف الحسين وليمة فخمة إكرامًا لهم، ثم غادروا جدة عن طريق البر مارين بالسواحل حتى وصلوا سوريا وكان ذلك قبل هذه السنة بسنتين، وقد نقل عن قبطان أمدن أنه أسر لخديوي مصر عباس لما قابلهم أن قال أن الشريف حسينًا وابنه عبد الله خونة يجب قطع دابرهما عن الحجاز فإن كانت هذه قد وصلت إلى أذن الشريف فيوشك أن ينتفخ لذلك غيظًا وخنقًا ونذكر قتله لإخوانهم في السنة التي بعدها.
وفي تلك الآونة هبت رياح شديدة على أهل الغوص بين الكويت والبحرين وأصيبت السفن الكائنة بذلك البحر بضربة شديدة، وقد حدثني من
كان في تلك الورطة، قال لما كان في أواخر الخريف نشأت سحابة من الأفق الغربي فلما كانت فوق رؤوسنا وتوسطت السماء صبت أمطارًا غزيرة ممزوجة بالحجارة والبرد وهبت رياح عاصفة وأمسى البحر تلك الليلة يرمي بزبده وتتحرك زوابعه وكانت السفن المجلجلة فيه تبلغ ثمانمائة سفينة فأصيبت كلها بالعطب واصطفقت وتحطمت كلها وكان من هذه السفن ما تبلغ حمولتها من ثمانين راكبًا إلى خمسة عشر راكبًا وكان ذلك في أوائل الشهر وظلمة شديدة في الليل فكان من لا يحسن السباحة حظه الهلاك.
أما الناجون فهم قليل ركبوا ألواحًا وبراميل على ظهر الماء وكان البرق في شدة لمعانه يضيء إلى مسافة بعيدة، قال فما زلنا طول ليلنا ركابًا على تلك الألواح المحطمة والبراميل حتى طلع الفجر فأغاثني الله وصاحبي بسفينة حوالي البحرين فمسكنا بحبالها ونحن في حالة يرثى لها قد تمزقت ثيابنا وأنهكنا الموج والبرد فلما نزلنا في السفينة فزعوا إلينا لأنهم رأونا في حالة مزعجة وخشوا أنا لصوص فلما أخبرناهم بحديثنا وحالتنا رقوا لنا وحملونا معهم إلى البحرين فنزلنا ضيوفًا على ابن خليفة وساعدنا بشيء من النقود ثم سرنا إلى العقير بحرًا ثم سرنا إلى الإحساء عن طريق البر.
وفي هذه السنة سافر سعود بن عبد العزيز الملك الحالي إلى قطر ليسلم سليمان بن محمَّد الذي فر إلى أحمد بن ثاني فأتى به إلى أبيه.
وفيها سافر الشيخ سليمان بن سحمان قدس الله روحه وأسكنه الجنة يريد البحرين، كما أنه سافر أيضًا الأمير خالد بن عبد العزيز بن عبد الرحمن نجل الملك ورفقتهما إلى البحرين، كذلك لمعالجة أعينهم وذلك لأنه قد عمى الشيخ سليمان لنزول الماء في عينيه وتألم لذلك فعرض عليه جلالة الملك أن يسافر للعلاج، فسافر إلى الدكتور المسيحي في البحرين لأجل قدح الميل فيهما، ولما أن قدما البحرين وباشر الدكتور علاجه ذلك الدكتور الذي يدعي المعرفة والبراعة، فقال الشيخ قصيدة في أعماله وخذقه يظنه كذلك:
إلى الله في كشف المهمات نرغب
…
ونسأله الفضل العظيم ونطلب
فذو العرش أولى بالجميل ولطفه
…
وآلائه الحسنى بها نتقلب
ليكشف عنا الهم والغم والأسى
…
فنحن على أوصابها نترقب
من الله إِفراجًا ولطفًا ورحمةً
…
فلولاه ما كنا عن الإلف نذهب
ولا عن رياض المجد والدين والهدى
…
إلى بلد فيها من الكفر أضرب
ولكننا نرجوا رضاه وعفوه
…
وإحسانه والله بالخير أقرب
ولولا رجاء الله جل ثنائه
…
لما كنت للبحرين في الفلك أركب
وقد صابنا من خوفه وركوبه
…
غمومٌ وأهمام عضال وأكرب
إلى أن وصلنا دخترًا ذا درايةً
…
ومعرفةً في الطب والحذق منجب
فقرب أهوالًا لدينًا مخوفةً
…
وكرخانة من نارها تتلهب
وأشياء لا ندري بها غير أنها
…
يحار بها العقل السليم ويعجب
فغسل من أجفاننا قبل ضربها
…
بأدويةً شتى بها يتقلب
فميل سير العين مني بميله
…
وميلٌ من عثمان من كان يصحب
كمثلي وأرجانا ليالٍ قليلة
…
لينتظر البرء الذي هو يطلب
وأبصرت من كف الحكيم أناملًا
…
يحركها من بعد أن كان يضرب
وعثمان بعد الضرب أبصر وجهه
…
وكفاله يسمو بها ويصوب
وقد جاء هذا بأشياء لم يكن
…
ليفعلها من كان للقدح ينسب
فشد على العينين منا بخرقةٍ
…
لتسعة أيام تشد وتعصب
وألزمنا أن لا نزيل عصائبًا
…
إلى أن يجيء الوقت ذاك المرتب
وما كان هذا فعل من كان قد أتى
…
إلى أرضنا من حجزه يتطبب
ولا كان هذا من شأنه وصنيعه
…
ولا كان هذا حاله حين يضرب
فهذا الذي قد كان من بعض شأنه
…
على إنما نخفيه من ذاك أعجب
وأما الذي كان من شأن خالد
…
فأمر ورى منه ما كانت النفس تحسب
رأى منه صبرًا في حدوثة سنه
…
وقد كان منه دائمًا يتعجب
فقص الذي في عينه قد أشانها
…
وأصلح ما يؤذيه منها ويتعب
وما خاف لما أن رأى منه ما دهى
…
ولا كان من أهواله ينيب
فقلنا له هذا سلالة ماجدٍ
…
ونسل ملوكٍ لا تخاف وترهب
غطارفة شوسٍ مساعير في الوغى
…
مداعيسُ في الهيجا إذا هي تنشب
وقد كان عبد الله في حال ضربه
…
لأعيننا من خيفةٍ يترقب
فغسل جفن العين منه وشقها
…
بمقراضه والعين تهمي وتسكب
دمًا بدموع وهو في ذاك كله
…
له مستكينٌ خاضعٌ يتقلب
وخيَّط ما قد شقه وأصاره
…
إلى حالةٍ يرضى بها المتطبب
وها نحن في همٍ وغمٍ وكربةٍ
…
من القدح لليمنى وإنا لنرغب
إلى الله في كشف المهمات كلها
…
وعاجل ما نرجوا وما نتطلب
فيا من هو العالي على كل خلقه
…
على العرش ما شيءٌ من الخلق يعزب
ولا ذرةٍ أو حبةٍ في سمائه
…
وفي أرضه على علمه يتغيب
بأسمائك الحسنى وأوصافك العلى
…
وألطافك اللاتي بها تتحبب
أنل ملكًا فاق الملوك وسادها
…
رضاك وبلغه الذي هو يطلب
وذاك هو الشهم الهمام الذي له
…
تضعضعت الأملاك بل منه ترهب
إمام الهدى عبد العزيز أخو الندى
…
مذيق العدى كأس الردى حين ينكب
حليف العلى بحر الندى معدن الوفا
…
إمام به نار الوغى تتلهب
فيصلى العدى منه سعيرًا ويسقهم
…
كؤوس الردى منها وفيها يكبكب
سعى جهده في برئنا من سقامنا
…
لدى دخترٍ ذي خبرةٍ يتطبب
فما آل جهدًا في تطلب برئنا
…
وما كان يرضى ربه ويقرب
فلا زال رضوان الإله يمده
…
بعزٍ وإسعافٍ به يتقلب
ولا زال في عزٍ أطيدٍ موثل
…
يلاحظه الإقبال أيَّان يذهب
وأحسن ما يحلو الختام بذكره
…
صلاةٌ وتسليمٌ بها نتقرب
على السيد المعصوم والآل كلهم
…
وأصحابه ما لاح في الجو كوكب
وما حن رعدٌ أو تألق بارقٌ
…
وما أنهل صوبٌ ودقه يتحلب
ثم إنه لما كشف عنها الدكتور العصب كان عليها بياض وحمرة شديدة، ولم يبصر كما أبصر في أول الضرب، فضربها بالميل ثانيًا، فلم يغني ذلك شيئًا، فقال في الموضوع قصيدة أخرى ونحن نأت بها:
أرى كل ما قد قدر الله يكتب
…
وليس عن المولى مفرٌ ومهربٌ
قضاءٌ من الرحمن جل جلاله
…
وما قدر الرحمن لا شك أغلب
لعمري لقد أوفى الإمام بكل ما
…
يؤمله مما يريد ويرغب
سعى جهده في برئنا من عمائنا
…
وسبب أسبابًا لذاك تقرب
فجازاه مولاه الرضا وأثابه
…
بأحسن ما يجزي به المتقرب
فيا من سما مجدًا وجودًا وسؤددًا
…
حنانيك ما سر عليك محجب
سنشرح من أخبارنا بعض ما جرى
…
سوى ما مضى مما رقمناه يكتب
ولما انقضت تلك الليالي التي لها
…
يؤمل منه ما أراد ويطلب
ثمان ليالي حل منا عصائبًا
…
تشد على العينين منا وتعصب
فلم أرى مما كنت أبصرت أولًا
…
يحركها من كفه ويصوب
وقد صار في عيني غواشٌ وحمرةٌ
…
وأوساخ ما يطفو عليها ويحجب
من الغم للعين والعصب والأسى
…
وأمرار ما قد كان يؤذي ويوصب
وأرجأني خمسًا وفي كل ليلةٍ
…
يحاول أوساخًا تزول وتذهب
بأدويةٍ شتى فما بين باردٍ
…
وما بين ذا حرٍ بها يتقلب
فلم يغني شيئًا ما يحاول كشفه
…
ولا كل ما يهوى وما يتطلب
فميلها أخرى وكانت مريضةً
…
وقد صابني همٌ شديدٌ عصبصب
أدار عليها الميل من بعد ضربها
…
ثلاثًا يزيد الماء عنها وينضب
وهرةً منها حرة العين بالدواء
…
وكان شديدًا حره يتلهب
وقد سفحت بالدم من أجلها ضربها
…
وتهريتها بالميل أيان يضرب
ودامت على عيني الحرارة بالدوى
…
لعمر إلهي ساعةٌ وهي توصب
وعثمان بعد الحل للعين قد رأى
…
وأبصر منها ما رأى حين يضرب
سوى أنه قد كان أبصر حمرةً
…
على عينه تعلو عليها وتحجب
كذلك أوساخٌ عليها كثيرة
…
وورمٌ يجفن العين يؤذي وينصب
فهرتها بالميل وهو مشربٌ
…
بذاك الدوى المؤذي لها حين ينكب
وصرنا على ذا الحال كل عيشةً
…
يجيء إلينا بالقطور ويذهب
دواءٌ لذيذٌ باردٌ لم يكن به
…
أذًا سوى غم لها حين يعصب
إلى أن مضت من حين أيام ضربها
…
ثلاثة أسباع تعد وتحسب
فقال لعثمان ستبصر بعد ذا
…
بيومن ما قد كان في الصحف يكتب
وما أنا فالحال أن شكيتي
…
وما كان من أمري يرجا ويطلب
على حالها ما تم لي ما أريده
…
وشكواي لم أبرح بها أتقلب
أبيت بطول الليل من حين ضربها
…
إلى أن مضت عشرون والعين تعصب
أنام قليلًا ثم أحبس برهةً
…
وأعراق رأسي من جوى العين تضرب
وقد كنت فيما قبل أرجو سلامةً
…
وعافيةٌ والله بالخير أقرب
وها أنا في حال الرجاء مترقب
…
من الله ما أرجو وما أتطلب
ولكنه قد زادني ذاك علةً
…
وداءً سوى ما كنت أرجوه يذهب
فهذا الذي قد رابني وأمضني
…
على أنني من فضله أترقب
وأطلب منه العفو مما جنيته
…
وعافيةً مما يمضي وينصب
وقد عيل مني الصبر من أجل أنني
…
رأيت مقامي أمره منتصب
فلا زاد إلا بلغةً بتكلف
…
ولا نوم إلا ريثما أتقلب
ثم إنه لم يجد شفاءً وعزم على الرحيل من البحرين إلى وطنه أنشأ قصيدة حسنة جميلة نالت الإعجاب وذكر فيها أن الدكتور إلا عماءً ولم يفد شيئًا وامتدح صاحب الجلالة عبد العزيز بن عبد الرحمن وأشاد بذكره ونوه في ما له من المقامات السامية وبعث بالسلام في آخر القصيدة على الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف وإخوانه وأنجاله ولولا خشية الإطالة لأتينا بها.
وفيها وفاة الشيخ محمَّد بن إبراهيم بن محمود رحمه الله وعفا عنه، وهو العالم العلامة والبحر الفهامة فقيه نجد على الإطلاق هكذا يطلقونه عليه في زمنه، وكان رجلًا عظيمًا مقدرًا وفقيهًا جليل القدر مقدمًا، وفيه قوة وحسن طوية وقوة إرادة ويعد من خيرة أهل زمانه يعظمه العلماء وتجثوا بين يديه لاستفراغ منطوقه وله باع طويلة في جلب العلوم واستخراج غامضها.
ويتصل نسبه بعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، كانت ولادته سنة 1250 هـ ببلد ضرما ونشأ بين والديه إلى سن التمييز، ثم أنه كان بعد ذلك في حضانة أمه وتعلم القرآن وحفظه وهو ابن تسع سنين ثم أخذ يطلب العلم على الشيخ عبد الله بن نصير وارتحل إلى مدينة الرياض في سنة 1265 هـ فأخذ عن الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ، وأخذ عن ابنه الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن، وأخذ عن ابن عدوان، وأخذ عن ابن عيد، وابن شلوان وغيرهم من العلماء، وما زال يتقدم حتى أطلق عليه فقيه نجد وجد واجتهد ونبغ في العلم فعينه الإِمام فيصل بن تركي قاضيًا في وادي الدواسر فباشره مدة ثلاث سنين، ثم كان قاضيًا في بلد ضرما إلى سنة ثمانين وبعد وفاة الإِمام فيصل عينه الإِمام عبد الله بن فيصل قاضيًا في بلد الرياض وجلس للتدريس بها وانتفع به خلق كثير وجثت العلماء بين يديه على الركب، فمن أخذوا عنه الشيخ عبد اللطيف، وعمر بن اللطيف، وحسين بن حسن، والشيخ عبد الله بن حسن، وحسن بن عبد الله، وحمد بن حسين، وصالح بن عبد العزيز، وعبد الحميد بن الشيخ محمَّد، وعبد العزيز بن عبد الوهاب، وعبد العزيز بن حمد، وعبد العزيز بن عبد الرحمن بن بشر، وعبد الله بن مسلم، وابن دريهم، وعبد الله الحجازي، وعبد العزيز الملهمي، وابنه ناصر، وعبد الله بن فيصل، ومحمد بن عياف، ومحمد بن فيصل، وعبد الله السياري، وأبو عرف، وعبد الله بن عبد العزيز العنقري، وعبد الله بن زاحم، ومحمد بن حمد بن فارس، ومبارك بن باز، وعبد الله بن سعد بن محمود، وعبد الله بن عتيق، وعبد الله بن جريس، وسعد الخرجي، ويعقوب بن محمَّد، وصالح السالم وعبد العزيز المرشدي، وغيرهم من المشايخ بحيث أخذ عنه أربعون قاضيًا.
وكان له مؤلفات منها كتاب الرحيق المسلوف في اختلاف الأدوات والحروف.
ومن محفوظاته كتاب منتقى الأخبار للمجد ابن تيمية وانفرد بعلم الفقه وشارك في غيره كالحديث والنحو والتفسير.
وقد رثاه الأدباء والشعراء فمن ذلك ما رثاه به الشيخ حسين بن علي بن نفيسة وهي هذه:
خيال زارنا وقت الهجود
…
فحي الطيف من أم الوليد
فأهلًا بالذي قد زارنا سحرًا
…
وسهلًا بالمريدة للبريد
رعاك الله من خل وفي
…
فداك الكاشحون مع الحسود
فتاه باللآلئ قد تحلت
…
فنور الحسن مع نور العقود
دماليج وأقراط وشذر
…
فمال الغصن بالطلع النضيد
أضاء الليل إذا أرخت لثامًا
…
فذيا البدر أم ورد الخدود
تحاكي البان لينًا واعتدالًا
…
وتكسو القد بالفرع المديد
تفوت الغانيات بهى وحسنًا
…
وترمي الصيب بالطرف الصيود
علينا من لحاظ الجفن سلت
…
سيوفًا كلها للقوم مود
فكم قد طل منا من قتيل
…
بسهم الطرف لا سهم الحديد
وفي كل الحروب لنا جلاد
…
وفي ميدانهم ما من جليد
فدعنا منهم فالهم جمر
…
ودعنا من وصال أو وعود
لقد حلت خطوب شيبتنا
…
وشاب لهو لها رأس الوليد
فلو حلت على أركان رضوى
…
لأضحى الصخر منها كالهييد
زمان الأنس عنا قد تولى
…
وبدلناه بالهم العميد
غداة أتى إلينا نعي حر
…
ونحرير غذاء المستفيد
فهل الدمع منا مثل عقد
…
وهي سلكاه من نحر وجيد
فابكوا شيخكم يا أهل نجد
…
على الإطلاق ذي الخلق الحميد
أبا محمود ذو فضل وعلم
…
كفضل القائمين على القعيد
وأما فضله في الفقه فاعلم
…
كفضل السائدين على العبيد
وفي كل العلوم له اطلاع
…
فوا قلباه لما قيل أودي
حليم بل عليم ذو تقاء
…
وذو زهد وخوف للوعيد
ترى الطلاب عاكفة عليه
…
يميحون السائل كالورود
إذا ما قال قائلهم أفدنا
…
أجاب بلا فتور أو جمود
برفق ثم إرشاد بعلم
…
وأن تبحثه يأتي بالمزيد
لتبكيه المحافظ حيث لفت
…
عن التدريس في الزمن السعيد
كذا الأقلام تبكي حيث جفت
…
عن التسويد في الورق الجديد
ربوع الشيخ أمست دارسات
…
وقد كانت تضيق من العديد
قلاها الراتعون بها زمانا
…
كفقد المستفيد من المفيد
بدور العلم غابت عن أناس
…
على الدنيا تواصوا بالخلود
وفي تحصيلها كدوا وجدوا
…
ولم يدروا إذا النقص الشديد
إذا غابت رجال العلم منهم
…
فباقيهم كأشباه القرود
أرانا موجعين بكل عام
…
لنا حبر يواري في الصعيد
رزئنا الشيخ إبراهيم قدما
…
ومفتي الوشم أنعم بالرشيد
فغابت شمسنا المومى إليها
…
فتم العقد بالنبل الفريدي
ومفتيها إذا أشبكت فروع
…
ولم يمتاز شوك من نضيد
سيعطيك الجواب بلا توان
…
عليم بالزكي من النقود
سلام الله ما هبت رياح
…
على من حل في بطن الصعيد
ورضوانًا وغفرانًا يوالا
…
وإحسانًا إلى يوم المزيد
على أشياخنا أولاك كنا
…
بهم نسمو على كل العبيد
فيا مولاي أوردهم جنانًا
…
مع الأبرار في دار الخلود
ثم أنه امتدح الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف وأثنى على آبائه وأجداده ومراده بالشيح يعني أخاه المتقدم ذكر وفاته، وأما مفتي الوشم فهو الشيخ علي بن عيسى المتقدم ذكر وفاته في السنة التي قبلها فالله المستعان.