المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر الطراد أمدن وما جرى منه وعليه - تذكرة أولي النهى والعرفان بأيام الله الواحد الديان وذكر حوادث الزمان - جـ ٢

[إبراهيم بن عبيد آل عبد المحسن]

فهرس الكتاب

- ‌ثم دخلت سنة 1320 ه

- ‌ذكر رجوع الإمام عبد الرحمن بن فيصل إلى الرياض بعد إقامته في الكويت

- ‌ثم دخلت سنة 1321 ه

- ‌ذكر تقدم ابن رشيد إلى الرياض

- ‌ذكر الاستيلاء على القصيم

- ‌ذكر ذهاب ابن رشيد إلى الدولة العثمانية يجرّها على المسلمين سنة 1321 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1322 ه

- ‌ذكر واقعة البكيرية والشنانة وما جرى فيهما من الخطب الفادح

- ‌ذكر واقعة الشنانة وما جرى من ابن رشيد

- ‌ذكر واقعة وادي الرمة سنة 1322 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1323 ه

- ‌ذكر ذبحة الحواشيش وما جرى من قساوة ابن رشيد

- ‌ الشيخ محمد بن عبد الله بن سليم

- ‌ذكر قضائه وسعة علمه وحلمه وكيفيته وصفته

- ‌ذكر كراماته ومكاشفاته وماله من خوارق العادات

- ‌ذكر تلامذته والآخذين عنه

- ‌ذكر ما جرى عليه من الأمور وثقته بالله العزيز الغفور

- ‌ذكر أولاد الشيخ رحمه الله

- ‌ذكر الحركة والتقلبات في القصيم

- ‌ذكر أمر صالح الحسن بن مهنا

- ‌ثم دخلت سنة 1324 ه

- ‌ذكر قتل عبد العزيز بن متعب سنة 1324 ه

- ‌ذكر إمارة متعب بن عبد العزيز بن رشيد وما جرى من الحوادث

- ‌ذكر قتل صالح الحسن بعد إجلائه

- ‌ذكر المفاوضات بين ابن سعود وبين مندوب الدولة

- ‌ذكر رحيل الأتراك عن القصيم سنة 1324 ه

- ‌ذكر إمارة أبي الخيل في بريدة

- ‌ثم دخلت سنة 1325 ه

- ‌ذكر واقعة الطرفية الصغرى

- ‌ذكر واقعة السباخ

- ‌ذكر قتل سلطان بن حمود بن رشيد أمير حائل

- ‌ثم دخلت سنة 1326 ه

- ‌ذكر إمارة الحسين بن علي الشريف

- ‌تعريب الفرمان الذي صدر لحسين بن علي أمير مكة المكرمة

- ‌ذكر استقبال الحسين بن علي لما قدم الحجاز

- ‌ذكر ابن سعود ودخول بريدة في ولايته للمرة الثانية

- ‌ذكر ما جرى من الحوادث

- ‌ذكر قتل داعية الضلال عبد الله بن عمرو آل رشيد

- ‌ثم دخلت سنة 1327 ه

- ‌ذكر إمارة بريدة وقضائها

- ‌ثم دخلت سنة 1328 ه

- ‌ذكر الانقلاب في الدولة العثمانية

- ‌ذكر إمارة سعود بن عبد العزيز بن متعب

- ‌ثم دخلت سنة 1329 ه

- ‌ذكر حرب إيطاليا للدولة العثمانية

- ‌ذكر وفاة الشيخ إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ

- ‌أخبار زاهد

- ‌ذكر نهاية أمر الشيخ إبراهيم بن جاسر

- ‌ثم دخلت سنة 1330 ه

- ‌ذكر مطلب الوحدة العربية

- ‌ذكر العداء بين الشريف حسين وابن سعود

- ‌ذكر ما جرى من العرائف والهزازنة

- ‌ثم دخلت سنة 1331 ه

- ‌ذكر فتح الإحساء سنة 1331 ه

- ‌الاستيلاء على القطيف سنة 1331 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1332 ه

- ‌ذكر عقد المعاهدة بين ابن سعود وتركيا سنة 1322 ه

- ‌ذكر هادمة العهود ومفرقة الوفود وهي الحرب العظمى سنة 1332 هـ الموافق لسنة 1914 م

- ‌ألمانيا تعلن الحرب على روسيا وفرنسا

- ‌زحف ألمانيا على البلجيك

- ‌قتال روسيا في الجبهة الشرقية

- ‌بلغاريا تعلن الحرب على صربيا

- ‌ذكر الطراد أمدن وما جرى منه وعليه

- ‌ثم دخلت سنة 1333 ه

- ‌ذكر مساعي بريطانيا العظمى وقيامها ضد تركيا

- ‌مفاوضة الفريقين للشريف

- ‌ذكر النهضة العربية واتفاق الشريف مع الإنكليز

- ‌ذكر وقعة جراب سنة 1333 ه

- ‌ذكر التعريف بالعجمان

- ‌ثم دخلت سنة 1334 ه

- ‌وهذه ترجمته:

- ‌ مبارك بن صباح آل صباح

- ‌ذكر اتفاق ابن سعود مع الإنكليز وعقده معهم

- ‌معاهدة العقير سنة 1334 ه

- ‌ذكر الخلافة وعقد الحسين مع بريطانيا

- ‌ذكر إعلان الثورة

- ‌ذكر الحرب في المدينة والسواحل

- ‌ذكر الحرب في دمشق

- ‌ثم دخلت سنة 1335 ه

- ‌ذكر توتر العلاقات بين ابن سعود وبين الشريف

- ‌ثم دخلت سنة 1336 ه

- ‌ذكر اتفاق فلبي مع ابن سعود

- ‌ذكر سكون العرب العظمى

- ‌ذكر البدو والهجر

- ‌أسماء الهجر

- ‌ثم دخلت سنة 1337 ه

- ‌ذكر واقعة تربة

- ‌ذكر الهول في وقعة تربة

- ‌وهذه صفة المعركة بتربة رسمًا

- ‌ذكر صدقه في معاملته لربه وثقته به

- ‌ذكر ما جرى على تركيا من الهوان

- ‌ثم دخلت سنة 1338 ه

- ‌ذكر سوء التفاهم بين صاحب الجلالة عبد العزيز بن سعود وبين سالم بن صباح

- ‌ثم دخلت سنة 1339 ه

- ‌ذكر أنجال الشريف وإمارتهم

- ‌عبد الله بن الحسين

- ‌فيصل بن الحسين

- ‌زيد بن الحسين

- ‌ذكر واقعة الجهراء

- ‌ذكر جوده وكرمه

- ‌ذكر تدريسه وسعة علمه

- ‌ذكر شجاعته ونباهته وصفته ومقاماته في الإسلام

- ‌ذكر ثناء العلماء عليه وميل الناس إليه

- ‌إمارة عبد الله بن متعب بن رشيد وقتال أهل حائل بساحة دارهم

- ‌ذكر إمارة محمد بن طلال

الفصل: ‌ذكر الطراد أمدن وما جرى منه وعليه

ثم قدم من المدينة وفد عثماني يحمل إلى ابن سعود عشرة آلاف ليرة، وينزلف منه بواسطة صديقه محمود شكر الآلوسي أحد أعضاء الوفد، ثم خرج من الحجاز الأمير عبد الله بن الشريف حسين موافدًا من والده للنظر في المسألة التي كتب عبد العزيز بخصوصها فاجتمع على الحدود بمندوب ابن سعود وافتراق الاثنان كما اجتمعا دون أن يقررا شيئًا.

والحقيقة أن الشريف يتحين الفرص للهجوم على ابن سعود تنفيذًا كما قيل لتلك المعاهدة التي وصفها الأمير خالد بن لؤي في قوله اكتب له ورقة تنفعه عند الترك ولا تضرك.

أما ابن رشيد فقد أجاب بصراحة بقوله: إني رجل من رجال الترك فأحارب إذا حاربت، وأصالح إذا صالحت وكتب مبارك بن صباح يخبر ولده عبد العزيز بأن "اللورد هاردنغ" حاكم الهند قادم إلى البصرة، ومن رأيي يا ولدي أن تقدم أنت إلينا للمفاوضة.

فلما رأى جلالة الملك عبد العزيز هذه الرياح المتحركة والعواصف المكدرة، جعل يعمل بما تقتضيه المصلحة، فرد وفد الآلوسي ردًا حسنًا، وقال لمحمود شكري إنها كما ترى فلا يمكنني مقاومة الإنكليز بعد احتلالهم البصرة، أما طالب النقيب فإنه بعد ذلك الاحتلال يخشى الرجوع إلى بلده، فتوسط ابن سعود من أجله فأذن له الإنكليز، وعاد كما عاد الآلوسي خائب الأمل.

‌ذكر الطراد أمدن وما جرى منه وعليه

كان لألمانيا طراد سمي باسم بلدة تسمى أمدن، وهي ميناء في ألمانيا، وقد فعل هذا الطراد أفعالًا عظيمة بهمة قائده الكابتن "كارل فون مولر في الأقيانوس" الهندي بخليج بنغال وغيره، تشهد له بالمقدرة وتقر له بالشجاعة والإقدام، فقد قهر وأغرق ما بين بواخر تجارية ومدرعات حربية ما ينوف عن ثلاثين، تقدر قيمتها بستمائة وخمسين ألف جنيه، وهكذا كل يوم، ويصيد ويقتل حتى صيد، وكان قد

ص: 176

أتلف من محمول البواخر والمدرعات ما ينوف أيضًا عن ثلاثة ملايين جنيه، وما أوقفه في خليج بنغالة تسعة ملايين جنيه.

وسبب القبض عليه لما صيد في جهة الأقيانوس الهندي اتجاه جزر كوكس كيلنغ، أن في تلك الجزيرة مركز تلغراف لاسلكي، فقصدها أمدن ليخرب ما فيها ويعطلها، فعندما أقبل رآه صاحب اللاسلكي فاستغاث بأقرب مركز للحلفاء.

ثم وصل أمدن الجزيرة وأنزل بعض بحارته وضباطه ورشاشاته ليخربوا ما فيها فبادرت نجدة الحلفاء بإرسالهم لأقرب طراد "يسمى سدني" فما أمهله طراد الحلفاء لأن يقضي غرضه بل وصل الجزيرة سريعًا فعارضه طراد الألمان أمدن فأصيب الطراد أمدن بعد دفاع عظيم وأسر قائده وقتل من بحارته عدد وأسر عدد، أما البحارة الألمانيين الذين نزلوا في الجزيرة فبقوا كامنين حتى ذهب سدني ولم يدر عن وجودهم بها فقاموا وواصلوا السير بلنش من جزائر كوكس كيلنغ إلى سومطرة التابعة لهولندا ومروا بسواحل الهند متنكرين حتى عبروا مضيق باب المندب فالحديدة فالقنفذة ومنها إلى الليث قاصدين جدة فلما قربوا لجدة قام البدو عليهم يرمونهم بالرصاص وذلك بإيعاز من الحسين بن علي ولكن وجود الرشاشات والذخيرة مع الألمان هو الذي منع تغلب البدو عليهم.

ولما سمعت تركيا بالخبر خابرت الشريف الحسين بذلك فأرسل ابنه عبد الله منجدًا لهم فوصل إلى جدة فأقام لهم الشريف الحسين وليمة فخمة إكرامًا لهم، ثم غادروا جدة عن طريق البر مارين بالسواحل حتى وصلوا سوريا وكان ذلك قبل هذه السنة بسنتين، وقد نقل عن قبطان أمدن أنه أسر لخديوي مصر عباس لما قابلهم أن قال أن الشريف حسينًا وابنه عبد الله خونة يجب قطع دابرهما عن الحجاز فإن كانت هذه قد وصلت إلى أذن الشريف فيوشك أن ينتفخ لذلك غيظًا وخنقًا ونذكر قتله لإخوانهم في السنة التي بعدها.

وفي تلك الآونة هبت رياح شديدة على أهل الغوص بين الكويت والبحرين وأصيبت السفن الكائنة بذلك البحر بضربة شديدة، وقد حدثني من

ص: 177

كان في تلك الورطة، قال لما كان في أواخر الخريف نشأت سحابة من الأفق الغربي فلما كانت فوق رؤوسنا وتوسطت السماء صبت أمطارًا غزيرة ممزوجة بالحجارة والبرد وهبت رياح عاصفة وأمسى البحر تلك الليلة يرمي بزبده وتتحرك زوابعه وكانت السفن المجلجلة فيه تبلغ ثمانمائة سفينة فأصيبت كلها بالعطب واصطفقت وتحطمت كلها وكان من هذه السفن ما تبلغ حمولتها من ثمانين راكبًا إلى خمسة عشر راكبًا وكان ذلك في أوائل الشهر وظلمة شديدة في الليل فكان من لا يحسن السباحة حظه الهلاك.

أما الناجون فهم قليل ركبوا ألواحًا وبراميل على ظهر الماء وكان البرق في شدة لمعانه يضيء إلى مسافة بعيدة، قال فما زلنا طول ليلنا ركابًا على تلك الألواح المحطمة والبراميل حتى طلع الفجر فأغاثني الله وصاحبي بسفينة حوالي البحرين فمسكنا بحبالها ونحن في حالة يرثى لها قد تمزقت ثيابنا وأنهكنا الموج والبرد فلما نزلنا في السفينة فزعوا إلينا لأنهم رأونا في حالة مزعجة وخشوا أنا لصوص فلما أخبرناهم بحديثنا وحالتنا رقوا لنا وحملونا معهم إلى البحرين فنزلنا ضيوفًا على ابن خليفة وساعدنا بشيء من النقود ثم سرنا إلى العقير بحرًا ثم سرنا إلى الإحساء عن طريق البر.

وفي هذه السنة سافر سعود بن عبد العزيز الملك الحالي إلى قطر ليسلم سليمان بن محمَّد الذي فر إلى أحمد بن ثاني فأتى به إلى أبيه.

وفيها سافر الشيخ سليمان بن سحمان قدس الله روحه وأسكنه الجنة يريد البحرين، كما أنه سافر أيضًا الأمير خالد بن عبد العزيز بن عبد الرحمن نجل الملك ورفقتهما إلى البحرين، كذلك لمعالجة أعينهم وذلك لأنه قد عمى الشيخ سليمان لنزول الماء في عينيه وتألم لذلك فعرض عليه جلالة الملك أن يسافر للعلاج، فسافر إلى الدكتور المسيحي في البحرين لأجل قدح الميل فيهما، ولما أن قدما البحرين وباشر الدكتور علاجه ذلك الدكتور الذي يدعي المعرفة والبراعة، فقال الشيخ قصيدة في أعماله وخذقه يظنه كذلك:

ص: 178

إلى الله في كشف المهمات نرغب

ونسأله الفضل العظيم ونطلب

فذو العرش أولى بالجميل ولطفه

وآلائه الحسنى بها نتقلب

ليكشف عنا الهم والغم والأسى

فنحن على أوصابها نترقب

من الله إِفراجًا ولطفًا ورحمةً

فلولاه ما كنا عن الإلف نذهب

ولا عن رياض المجد والدين والهدى

إلى بلد فيها من الكفر أضرب

ولكننا نرجوا رضاه وعفوه

وإحسانه والله بالخير أقرب

ولولا رجاء الله جل ثنائه

لما كنت للبحرين في الفلك أركب

وقد صابنا من خوفه وركوبه

غمومٌ وأهمام عضال وأكرب

إلى أن وصلنا دخترًا ذا درايةً

ومعرفةً في الطب والحذق منجب

فقرب أهوالًا لدينًا مخوفةً

وكرخانة من نارها تتلهب

وأشياء لا ندري بها غير أنها

يحار بها العقل السليم ويعجب

فغسل من أجفاننا قبل ضربها

بأدويةً شتى بها يتقلب

فميل سير العين مني بميله

وميلٌ من عثمان من كان يصحب

كمثلي وأرجانا ليالٍ قليلة

لينتظر البرء الذي هو يطلب

وأبصرت من كف الحكيم أناملًا

يحركها من بعد أن كان يضرب

وعثمان بعد الضرب أبصر وجهه

وكفاله يسمو بها ويصوب

وقد جاء هذا بأشياء لم يكن

ليفعلها من كان للقدح ينسب

فشد على العينين منا بخرقةٍ

لتسعة أيام تشد وتعصب

وألزمنا أن لا نزيل عصائبًا

إلى أن يجيء الوقت ذاك المرتب

وما كان هذا فعل من كان قد أتى

إلى أرضنا من حجزه يتطبب

ولا كان هذا من شأنه وصنيعه

ولا كان هذا حاله حين يضرب

فهذا الذي قد كان من بعض شأنه

على إنما نخفيه من ذاك أعجب

وأما الذي كان من شأن خالد

فأمر ورى منه ما كانت النفس تحسب

رأى منه صبرًا في حدوثة سنه

وقد كان منه دائمًا يتعجب

ص: 179

فقص الذي في عينه قد أشانها

وأصلح ما يؤذيه منها ويتعب

وما خاف لما أن رأى منه ما دهى

ولا كان من أهواله ينيب

فقلنا له هذا سلالة ماجدٍ

ونسل ملوكٍ لا تخاف وترهب

غطارفة شوسٍ مساعير في الوغى

مداعيسُ في الهيجا إذا هي تنشب

وقد كان عبد الله في حال ضربه

لأعيننا من خيفةٍ يترقب

فغسل جفن العين منه وشقها

بمقراضه والعين تهمي وتسكب

دمًا بدموع وهو في ذاك كله

له مستكينٌ خاضعٌ يتقلب

وخيَّط ما قد شقه وأصاره

إلى حالةٍ يرضى بها المتطبب

وها نحن في همٍ وغمٍ وكربةٍ

من القدح لليمنى وإنا لنرغب

إلى الله في كشف المهمات كلها

وعاجل ما نرجوا وما نتطلب

فيا من هو العالي على كل خلقه

على العرش ما شيءٌ من الخلق يعزب

ولا ذرةٍ أو حبةٍ في سمائه

وفي أرضه على علمه يتغيب

بأسمائك الحسنى وأوصافك العلى

وألطافك اللاتي بها تتحبب

أنل ملكًا فاق الملوك وسادها

رضاك وبلغه الذي هو يطلب

وذاك هو الشهم الهمام الذي له

تضعضعت الأملاك بل منه ترهب

إمام الهدى عبد العزيز أخو الندى

مذيق العدى كأس الردى حين ينكب

حليف العلى بحر الندى معدن الوفا

إمام به نار الوغى تتلهب

فيصلى العدى منه سعيرًا ويسقهم

كؤوس الردى منها وفيها يكبكب

سعى جهده في برئنا من سقامنا

لدى دخترٍ ذي خبرةٍ يتطبب

فما آل جهدًا في تطلب برئنا

وما كان يرضى ربه ويقرب

فلا زال رضوان الإله يمده

بعزٍ وإسعافٍ به يتقلب

ولا زال في عزٍ أطيدٍ موثل

يلاحظه الإقبال أيَّان يذهب

وأحسن ما يحلو الختام بذكره

صلاةٌ وتسليمٌ بها نتقرب

على السيد المعصوم والآل كلهم

وأصحابه ما لاح في الجو كوكب

ص: 180

وما حن رعدٌ أو تألق بارقٌ

وما أنهل صوبٌ ودقه يتحلب

ثم إنه لما كشف عنها الدكتور العصب كان عليها بياض وحمرة شديدة، ولم يبصر كما أبصر في أول الضرب، فضربها بالميل ثانيًا، فلم يغني ذلك شيئًا، فقال في الموضوع قصيدة أخرى ونحن نأت بها:

أرى كل ما قد قدر الله يكتب

وليس عن المولى مفرٌ ومهربٌ

قضاءٌ من الرحمن جل جلاله

وما قدر الرحمن لا شك أغلب

لعمري لقد أوفى الإمام بكل ما

يؤمله مما يريد ويرغب

سعى جهده في برئنا من عمائنا

وسبب أسبابًا لذاك تقرب

فجازاه مولاه الرضا وأثابه

بأحسن ما يجزي به المتقرب

فيا من سما مجدًا وجودًا وسؤددًا

حنانيك ما سر عليك محجب

سنشرح من أخبارنا بعض ما جرى

سوى ما مضى مما رقمناه يكتب

ولما انقضت تلك الليالي التي لها

يؤمل منه ما أراد ويطلب

ثمان ليالي حل منا عصائبًا

تشد على العينين منا وتعصب

فلم أرى مما كنت أبصرت أولًا

يحركها من كفه ويصوب

وقد صار في عيني غواشٌ وحمرةٌ

وأوساخ ما يطفو عليها ويحجب

من الغم للعين والعصب والأسى

وأمرار ما قد كان يؤذي ويوصب

وأرجأني خمسًا وفي كل ليلةٍ

يحاول أوساخًا تزول وتذهب

بأدويةٍ شتى فما بين باردٍ

وما بين ذا حرٍ بها يتقلب

فلم يغني شيئًا ما يحاول كشفه

ولا كل ما يهوى وما يتطلب

فميلها أخرى وكانت مريضةً

وقد صابني همٌ شديدٌ عصبصب

أدار عليها الميل من بعد ضربها

ثلاثًا يزيد الماء عنها وينضب

وهرةً منها حرة العين بالدواء

وكان شديدًا حره يتلهب

وقد سفحت بالدم من أجلها ضربها

وتهريتها بالميل أيان يضرب

ودامت على عيني الحرارة بالدوى

لعمر إلهي ساعةٌ وهي توصب

ص: 181

وعثمان بعد الحل للعين قد رأى

وأبصر منها ما رأى حين يضرب

سوى أنه قد كان أبصر حمرةً

على عينه تعلو عليها وتحجب

كذلك أوساخٌ عليها كثيرة

وورمٌ يجفن العين يؤذي وينصب

فهرتها بالميل وهو مشربٌ

بذاك الدوى المؤذي لها حين ينكب

وصرنا على ذا الحال كل عيشةً

يجيء إلينا بالقطور ويذهب

دواءٌ لذيذٌ باردٌ لم يكن به

أذًا سوى غم لها حين يعصب

إلى أن مضت من حين أيام ضربها

ثلاثة أسباع تعد وتحسب

فقال لعثمان ستبصر بعد ذا

بيومن ما قد كان في الصحف يكتب

وما أنا فالحال أن شكيتي

وما كان من أمري يرجا ويطلب

على حالها ما تم لي ما أريده

وشكواي لم أبرح بها أتقلب

أبيت بطول الليل من حين ضربها

إلى أن مضت عشرون والعين تعصب

أنام قليلًا ثم أحبس برهةً

وأعراق رأسي من جوى العين تضرب

وقد كنت فيما قبل أرجو سلامةً

وعافيةٌ والله بالخير أقرب

وها أنا في حال الرجاء مترقب

من الله ما أرجو وما أتطلب

ولكنه قد زادني ذاك علةً

وداءً سوى ما كنت أرجوه يذهب

فهذا الذي قد رابني وأمضني

على أنني من فضله أترقب

وأطلب منه العفو مما جنيته

وعافيةً مما يمضي وينصب

وقد عيل مني الصبر من أجل أنني

رأيت مقامي أمره منتصب

فلا زاد إلا بلغةً بتكلف

ولا نوم إلا ريثما أتقلب

ثم إنه لم يجد شفاءً وعزم على الرحيل من البحرين إلى وطنه أنشأ قصيدة حسنة جميلة نالت الإعجاب وذكر فيها أن الدكتور إلا عماءً ولم يفد شيئًا وامتدح صاحب الجلالة عبد العزيز بن عبد الرحمن وأشاد بذكره ونوه في ما له من المقامات السامية وبعث بالسلام في آخر القصيدة على الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف وإخوانه وأنجاله ولولا خشية الإطالة لأتينا بها.

ص: 182

وفيها وفاة الشيخ محمَّد بن إبراهيم بن محمود رحمه الله وعفا عنه، وهو العالم العلامة والبحر الفهامة فقيه نجد على الإطلاق هكذا يطلقونه عليه في زمنه، وكان رجلًا عظيمًا مقدرًا وفقيهًا جليل القدر مقدمًا، وفيه قوة وحسن طوية وقوة إرادة ويعد من خيرة أهل زمانه يعظمه العلماء وتجثوا بين يديه لاستفراغ منطوقه وله باع طويلة في جلب العلوم واستخراج غامضها.

ويتصل نسبه بعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، كانت ولادته سنة 1250 هـ ببلد ضرما ونشأ بين والديه إلى سن التمييز، ثم أنه كان بعد ذلك في حضانة أمه وتعلم القرآن وحفظه وهو ابن تسع سنين ثم أخذ يطلب العلم على الشيخ عبد الله بن نصير وارتحل إلى مدينة الرياض في سنة 1265 هـ فأخذ عن الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ، وأخذ عن ابنه الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن، وأخذ عن ابن عدوان، وأخذ عن ابن عيد، وابن شلوان وغيرهم من العلماء، وما زال يتقدم حتى أطلق عليه فقيه نجد وجد واجتهد ونبغ في العلم فعينه الإِمام فيصل بن تركي قاضيًا في وادي الدواسر فباشره مدة ثلاث سنين، ثم كان قاضيًا في بلد ضرما إلى سنة ثمانين وبعد وفاة الإِمام فيصل عينه الإِمام عبد الله بن فيصل قاضيًا في بلد الرياض وجلس للتدريس بها وانتفع به خلق كثير وجثت العلماء بين يديه على الركب، فمن أخذوا عنه الشيخ عبد اللطيف، وعمر بن اللطيف، وحسين بن حسن، والشيخ عبد الله بن حسن، وحسن بن عبد الله، وحمد بن حسين، وصالح بن عبد العزيز، وعبد الحميد بن الشيخ محمَّد، وعبد العزيز بن عبد الوهاب، وعبد العزيز بن حمد، وعبد العزيز بن عبد الرحمن بن بشر، وعبد الله بن مسلم، وابن دريهم، وعبد الله الحجازي، وعبد العزيز الملهمي، وابنه ناصر، وعبد الله بن فيصل، ومحمد بن عياف، ومحمد بن فيصل، وعبد الله السياري، وأبو عرف، وعبد الله بن عبد العزيز العنقري، وعبد الله بن زاحم، ومحمد بن حمد بن فارس، ومبارك بن باز، وعبد الله بن سعد بن محمود، وعبد الله بن عتيق، وعبد الله بن جريس، وسعد الخرجي، ويعقوب بن محمَّد، وصالح السالم وعبد العزيز المرشدي، وغيرهم من المشايخ بحيث أخذ عنه أربعون قاضيًا.

ص: 183

وكان له مؤلفات منها كتاب الرحيق المسلوف في اختلاف الأدوات والحروف.

ومن محفوظاته كتاب منتقى الأخبار للمجد ابن تيمية وانفرد بعلم الفقه وشارك في غيره كالحديث والنحو والتفسير.

وقد رثاه الأدباء والشعراء فمن ذلك ما رثاه به الشيخ حسين بن علي بن نفيسة وهي هذه:

خيال زارنا وقت الهجود

فحي الطيف من أم الوليد

فأهلًا بالذي قد زارنا سحرًا

وسهلًا بالمريدة للبريد

رعاك الله من خل وفي

فداك الكاشحون مع الحسود

فتاه باللآلئ قد تحلت

فنور الحسن مع نور العقود

دماليج وأقراط وشذر

فمال الغصن بالطلع النضيد

أضاء الليل إذا أرخت لثامًا

فذيا البدر أم ورد الخدود

تحاكي البان لينًا واعتدالًا

وتكسو القد بالفرع المديد

تفوت الغانيات بهى وحسنًا

وترمي الصيب بالطرف الصيود

علينا من لحاظ الجفن سلت

سيوفًا كلها للقوم مود

فكم قد طل منا من قتيل

بسهم الطرف لا سهم الحديد

وفي كل الحروب لنا جلاد

وفي ميدانهم ما من جليد

فدعنا منهم فالهم جمر

ودعنا من وصال أو وعود

لقد حلت خطوب شيبتنا

وشاب لهو لها رأس الوليد

فلو حلت على أركان رضوى

لأضحى الصخر منها كالهييد

زمان الأنس عنا قد تولى

وبدلناه بالهم العميد

غداة أتى إلينا نعي حر

ونحرير غذاء المستفيد

فهل الدمع منا مثل عقد

وهي سلكاه من نحر وجيد

فابكوا شيخكم يا أهل نجد

على الإطلاق ذي الخلق الحميد

أبا محمود ذو فضل وعلم

كفضل القائمين على القعيد

وأما فضله في الفقه فاعلم

كفضل السائدين على العبيد

ص: 184

وفي كل العلوم له اطلاع

فوا قلباه لما قيل أودي

حليم بل عليم ذو تقاء

وذو زهد وخوف للوعيد

ترى الطلاب عاكفة عليه

يميحون السائل كالورود

إذا ما قال قائلهم أفدنا

أجاب بلا فتور أو جمود

برفق ثم إرشاد بعلم

وأن تبحثه يأتي بالمزيد

لتبكيه المحافظ حيث لفت

عن التدريس في الزمن السعيد

كذا الأقلام تبكي حيث جفت

عن التسويد في الورق الجديد

ربوع الشيخ أمست دارسات

وقد كانت تضيق من العديد

قلاها الراتعون بها زمانا

كفقد المستفيد من المفيد

بدور العلم غابت عن أناس

على الدنيا تواصوا بالخلود

وفي تحصيلها كدوا وجدوا

ولم يدروا إذا النقص الشديد

إذا غابت رجال العلم منهم

فباقيهم كأشباه القرود

أرانا موجعين بكل عام

لنا حبر يواري في الصعيد

رزئنا الشيخ إبراهيم قدما

ومفتي الوشم أنعم بالرشيد

فغابت شمسنا المومى إليها

فتم العقد بالنبل الفريدي

ومفتيها إذا أشبكت فروع

ولم يمتاز شوك من نضيد

سيعطيك الجواب بلا توان

عليم بالزكي من النقود

سلام الله ما هبت رياح

على من حل في بطن الصعيد

ورضوانًا وغفرانًا يوالا

وإحسانًا إلى يوم المزيد

على أشياخنا أولاك كنا

بهم نسمو على كل العبيد

فيا مولاي أوردهم جنانًا

مع الأبرار في دار الخلود

ثم أنه امتدح الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف وأثنى على آبائه وأجداده ومراده بالشيح يعني أخاه المتقدم ذكر وفاته، وأما مفتي الوشم فهو الشيخ علي بن عيسى المتقدم ذكر وفاته في السنة التي قبلها فالله المستعان.

ص: 185