الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولقد شبع هذا الولد من كلائة أبيه، وبما أنه يحب مجاملته فقد أجاب بعض طلبه وسار إلى جهة الكويت، فنزل الصبيحة على مسافة يوم من العاصمة، فكتب إليه ثانيةً يلح عليه بالقدوم إليه فأجابه عبد العزيز بقوله إني الآن لقريب من الكويت فليتقدموا لي.
وبينما هو في الصبيحة كتب إليه الوكيل السياسي لبريطانيا العظمى في الكويت يستأذن بالمقابلة فضرب له موعدًا في ملح واجتمع به هناك، جاء الوكيل في السيارة وجاء سائقها بكتاب من مبارك يقول لكن صلبًا معه يا ولدي - يعني الوكيل - فلا تكمنه من شيء ولا تعطه الجواب الشافي، فلم يرَ عبد العزيز بأسًا في مجاملة مبارك في هذه المرة لأنه لم يكن قد قرر خطته السياسية اتجاه الترك والإنكليز، فقال للوكيل لا يمكن أن نقرر شيئًا اليوم، ولكن والدي مباركًا ينوب عني، فعاد الوكيل غضبًا إلى الكويت وركب ابن سعود ضاحكًا وعاد إلى معسكره في الصبيحة.
ثم جاء بعد ذلك بقليل السيد طالب وافدًا إلى ابن سعود ووصل مع ذلك رسولٌ من مبارك يحمل كتابًا من الوالد مبارك الحانق الحاقد اللائم الشاتم، وقد كان ناقمًا على الوفد لأنه لم ينتخب لرئاسته، وكان في هذا الكتاب التحذير لعبد العزيز من هؤلاء الكذابين المكارين الخداعين، كن صلبًا عليهم يا ولدي ولا تمكنهم من شيء، ولا تصدق ما يقولون أنهم كذابون خداعون، وكان جبير بن مبارك يومئذٍ عند ابن سعود فأطلعه على كتاب أبيه قائلًا له: تراه يحذرني من الإنكليز ويحذرني من الأتراك، وهل في إمكاني أن أحارب الجهتين؟ فأجابه جابر قائلًا له: انظر إلى ما فيه مصلحتك واترك الناس.
ذكر عقد المعاهدة بين ابن سعود وتركيا سنة 1322 ه
ـ
عقدت جلسة المؤتمر الأولى وجابر بن مبارك ورجاله حاضرون، فألقى عبد العزيز ابن سعود كلمة زعزعت المؤتمر وسربها الحاضرون، فقال إذا كنتم تبغون مصالحتي فدونكم والدي مبارك بن صباح فهو الواسطة بين وبينكم، ولست قابلًا
بغير ذلك، وهذه الجلسة وقت الصباح، فلما كان في الليلة الآتية بعد العشاء الآخرة حصلت أيضًا جلسة أخرى خصوصية، وكان ما بين الجلستين فترة كافية لتوبيخ رئيس الوفد وهو طالب النقيب.
ولم يحضر هذه الجلسة سوى رجال الوفد فأطلعهم عبد العزيز قبل افتتاح المفاوضة على كتاب مبارك، فكانت ضحكة طالما أضحكتهم، ثم باشر والمفاوضات الولائية، فطلب الوفد أن يكون للدولة معتمدون في القطيف وفي الحساء، غير أن ابن سعود أبى ذلك وطلب أن تكون العلاقات ولائية فقط وأن تساعده الدولة لقاء هذا الولاء بالأسلحة والذخيرة والمال، وبعد التي والتيا قبل الوفد بذلك وقرروا أن يصل هذا الاتفاق سرًا إلى أن يقره الباب العالي.
ثم عاد رجال الوفد إلى الكويت فأحسن مبارك استقبالهم وسألهم عما جرى فأخبروه بما فاقه ابن سعود في الجلسة الأولى، فقال مبارك: نصحتكم فما انتصحتم، قلت لكم أن الرجل سفيه عيار ولا يملك قيادة أحد غيري، وفي هاتين الكلمتين بشاعة وانتقاص، لأن السفيه الجاهل والعيار من لا يزجره نفسه عن ركوب هواه.
ثم بعد يومين صنع عبد الوهاب آل قرطاس مأدبة في البصرة للوفد حضرها الوالي شفيق كمالي باشا، والأمير خزعل، والأمير مبارك، فصار الحديث في الوفد وابن سعود، فتكلم مبارك يخاطب الوالي: ألم أقل لكم أنكم لا تفلحون إلا إذا انتدبتموني أنا للتوسط بينكم وبين ابن سعود، وما طلبت ذلك منكم والله إلا لأمرين:
أولًا: لكي أقوم بخدمة للحكومة العثمانية.
ثانيًا: لكي أستر على ابن سعود لأن السفيه لا يعقل ما يقول.
فأجاب الوالي قائلًا: رأيك هو الصواب ولكن الأمر قد انفرط ما تقول أنت يا طالب، فأجابه طالب: أقول ما قاله الشيخ مبارك: فلو كان حضرته معنا لما فشلنا.
فلما كان بعد أسبوع جاء من الباب العالي إلى والي البصرة برقيه فيها