الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكان قد أرسل ابن سعود أخاه سعدًا وعمره إذ ذاك سبع عشرة سنة إلى عتيبة يستنجد رجالها لهذه الغاية ولكن عتيبة ولت وجهها شطر مكة فانحازت إلى الشريف حسين مضيف بعض العرائف ومكرمهم إكرامًا لابن سعود، قائلًا ليس بيننا وبين ابن سعود أيها النجيب غير ما يوجبه حسن الجوار وهذا لا يخفى على نباهات كمالات نجابتكم.
هذا ولم يكن بين الحسين بن علي وبين ابن سعود عداوة توجب الحرب في هذه الأيام، ولكن الشريف كان مواليًا للاتحاديين ساعيًا في اكتساب ثقتهم طامعًا بالسيادة له ولأنجاله وكانت الحكومة قد فقدت الثقة ببيت آل رشيد بعد أن تعددت فيهم الجرائم العائلية فأدارت بنظرها إلى الحسين وهي ترجو أن يستميل في الأقل ابن سعود إليها، ولا ريب أن الشريف وعدها بأكثر من ذلك.
ذكر حرب إيطاليا للدولة العثمانية
لما تقرر دستور الدولة العثمانية كان نقباؤها طلعت باشا وأنور باشا وجمال باشا فلما عزمت إيطاليا على محاربة الدولة العثمانية في طرابلس الغرب اغتنمت فرصة اشتغال العثمانيين بثورة حوران فأرادت أن تضعف قوة الأتراك وتشغلهم لتقسيم جنود الأتراك إلى أقسام ليتمكن لها التوغل في طرابلس وتحوز النصر والآمال التي كانت تحلم بها، فرأت أن أقرب وأسلس رجل يعتمد عليه هو محمد بن علي بن محمد بن أحمد الإدريسي أمير عسير، فخابرته واتفقت معه، وكان لها من أقارب الإدريسي بمصر رجال يتفاوضون معها وتخابرهم في كل ما يلزم لتنفيذ الخطة الموضوعة وقد تم الاتفاق وظهر الإدريسي للقوم بمظهر الناصح المرشد ينصحهم ويغريهم على الحكومة بقالب مستتر؛ فظهرت المشاغبات وتوالت الشكايات.
فلما جرى بين الدولة العثمانية ودول الفرنج مبادئ الحرب والعداء واتفقت إيطاليا مع الإدريسي كان أول من انضم إلى الحلفاء من أمراء العرب وأول العرب
حمل على الأتراك فأخذ من إيطاليا سلاحًا فاستخدمها نارًا وسياسة، فاضطرت الحكومة العثمانية لأن ترسل قوة إلى عسير فتوجهت النية إلى اختيار قائد ما فعينت سليمان باشا شفيق فتوجه المذكور فوصل إلى عسير بجنوده وسعى لإخماد الثورة بسلم فلم يفلح فطلب ما طلب من جند فأجيب ثم أعيدت ثانية إلى الأستانة بقيت الثورة تتأجج نيرانها، وعقد في أثناء ذلك عدة اجتماعات من طرف الحكومة مع الإدريسي للاتفاق معه وإطفاء نيران الفتنة فلم تفلح وأخيرًا أعلن الإدريسي الحرب على الحكومة وهاجم أبها مركز قائدها وحاصرها؛ فبلغ الحكومة ما آل إليه شأن الإدريسي على أثر التقارير المرفوعة من متصرف عسير، فرأت بعد طلب الحسين بن علي أمير مكة أن يكون هو القائم بإخماد الثورة لما يعرفه من عوائد البادية وأساليب إخضاعها فخابرته بذلك، وقد كان الحسين يرمي من وراء ذلك أن تكون له يد في عسير لتساعده في يومه المعلوم.
فلما كان في يوم الأحد 16 ربيع الثاني سنة 1329 توجه الحسين من مكة قاصدًا عسير ومعه الجيش النظامي التركي وجيش من البدو، فوصل القنفذة ثم حث السير إلى محل يقال له القوز الشاهد، فنشبت هناك معركة دامية كسر الشريف فيها وتشتت جنده حتى أن ابنيه فيصلًا وعبد الله لم يخرجا من المعركة إلا بعد أن أعراهما الثوار وارتدوا راجعين إلى القنفذة فبقوا إلى أن لموا شعثهم وتوجهوا قاصدين أبها، فوصلوها بعد أن وقع في الطريق خمس عشرة معركة؛ وذلك في يوم السبت 19 رجب، ويظهر مما تقدم أن مسألة عسير لم تنته بصورة قطعية، فإن الثوار تحصنوا في الجبال ولم تصلهم يد الحسين وجنده فتقضي عليهم القضاء الأخير، والدليل على ذلك أن الحسين لما أراد الرجوع إلى الحجاز لم يذهب من الطريق الذي أتى منه وهو القنفذة بل رجع من طريق شهر فبيشه إلى الطائف فوصل إلى مكة في 26 شوال من هذه السنة؛ وكان مسيره من أبها في 4 شعبان وما ذاك إلا أن طريقه الأولى مملوءة بالثوار.
ولما استقر في أبها في مسيره ذلك صادف أحد أيام إقامته فيها حفلة المعراج
ويوم الحرية والدستور، فجمع الحسين الجند والأهالي وخطب فيهم خطبةً عظيمة بليغة، ونحن نسوقها لتعلم ما كان عليه الحسين من البلاغة والبراعة التي طمحت به في تلك البحار، قال:
أيها الإخوان اعلموا علم اليقين أنه لولا وجود هذه الدولة العثمانية وشدة اعتناء خلفائها بالأمة الإسلامية خصوصًا مولانا أمير المؤمنين الحالي لاختطفتكم الدول الأجنبية اخطاف الذئب للغنم المنفردة، فإن جميع الدول ساعية من زمن بعيد في اضمحلال الشريعة المحمدية بواسطة هؤلاء المغرورين الذين يخدمونها لأغراضهم الشخصية، إخواني هل يرضيكم أفعال هؤلاء القوم الساعين في تخريب بلادكم باسم الحق، ولا أدري كيف اغتررتم لهؤلاء وأمثالهم وأنتم أولوا العقول الراجحة والنخوة العربية الأصيلة، آبائكم الأولون كانوا عز العرب وعنهم ورثتم الهمم العالية، ألستم أبناء التبايع؟ ألستم الذين قال فيكم جدي رسول الله صلى الله عليه وسلم العلم يماني والحكمة يمانية؟ ألستم أنتم أبناء أسلافكم الكرام الذي اشتهروا بالذكاء الفطري والمجد المؤثل؟ فالله الله يا أبناء الأمة العربية في دينكم لا تضيعوه بل احفظوه واستظلوا بظل الراية العثمانية التي هي شعار الإسلام، ولا تغتروا بأقوال المفسدين الساعين في تنفيذ أغراض المحركين لهم أعداء الدين الإسلامي، وأنتم لطيب عنصركم وعدم معرفتكم بالسياسة الأجنبية تظنون أنهم إنما يخدمون الدين، إنهم والله عن الدين بمعزل لا يخدمون إلا أغراضهم الشخصية مستترين باسم الدين، فأحذركم أن لا تغتروا بمثل هؤلاء الأوغاد المارقين من الدين، بل كونوا مطيعين لأمير المؤمنين ولتعلموا أن من خالفه فقد خالف الله ورسوله ومن خالفهما فقد باء بغضب من الله وخسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين، هذا نص خطبته بحروفها.
ولما عاد الحسين إلى مكة مضى عليه فيها قريب سنة والأحوال مائجة مضطربة في عسير حتى أتت البوارج الحربية الإيطالية إلى سواحل اليمن وأقلقت الأهالي