الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فأكرم بهم من عصبة الحق إنهم
…
لحفظ نصوص الدين أهل تناصر
إذا ما بدا نص الكتاب وسنةً
…
تنادوا عباد الله هل من مثابر
وعضوا عليها بالنواجذ فاهتدوا
…
وما رغبوا لخرص الخواطر
إلى آخرها وهي عظيمة حسنة، وله قصيدة نونية في تشجيع سليمان بن سحمان في ردوده على أهل الزيغ والنفاق من أبياتها قوله:
فالله يجزيك الذي ترضى به
…
من جنة المأوى مع الرضوان
ويؤيد الإسلام دهرًا طائلًا
…
ببقائك فينا أخا العرفان
وكذا يسرك أن رأيت موسدًا
…
قربًا وقد أدرجت في الأكفان
فلقد أتى والله كل منافقٍ
…
بقوارعٍ زادت على الحسبان
فقعدوا يصدون العباد عن الذي
…
خلقوا له من طاعة الرحمان
وأثنى عليه العلماء وامتدحوه بما كان عليه من الثبات ودافعوا عن عرضه مسبة كل منافق ومعاند، فنسأل الله تعالى أن يرفع درجاته في الآخرة ويسبغ عليه هناك نعمه الباطنة والظاهرة، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
ذكر العداء بين الشريف حسين وابن سعود
وآمال الشريف وما انطوى عليه، نسأل الله العافية، ما زال الخلاف يشتد بين الأشراف وآل سعود حتى تولى الحسين بن علي إمارة مكة، فاستبشر العرب بعهدٍ جديد كما يتبادر من كبراء الحجاز، ولكن الرجل كان يحلم بآماله حتى أنه وقف في وجه جميع الإصلاحات التي كان يريد الأتحاديون القيام بها في الحجاز لأنه رأى من خلالها تقوية نفوذ الأتراك وشلّ يده عن العمل في الحجاز، فعرقل مد سكة حديد بين جدة ومكة، كما عرقل مد طريق مكة والطائف من جهة جبلى كرى، ولو تتبع الحسين خطته الأولى لنجح في أعماله، غير أنه طمح إلى مقاصد كبرى بمحاربة أمراء العرب والاستخفاف بهم وعدم تقديره إياهم التقدير الصحيح، فضاعت عليه الفرصة وتعرقلت أعماله التي طمح إليها ولم يأخذ الأمر بالإناءة والصبر، وكان أول خصم يهمه هو ابن سعود.
هذا مع أن ابن سعود ما زال يتودد إلى الحسين ويرسل إليه رسائل التفخيم والتبجيل، كما كتب إليه في 18 من رمضان سنة 1228 هـ كتابًا قال فيه: حضرة جناب الأجل الأفخم يمين الشيم أمير مكة المكرم سيدنا الشريف حسين باشا ابن السيد علي دام مجده وعلاه أمين، وأطال في تفخيم الحسين، إلى أن قال وأمرك علينا تام على كل حال، ثم قال ذلك والولد برسم الخدمة، ولما ختمه أمضى عن نفسه خادم الدولة المملكة والوطن أمير نجد رئيس عشائرها عبد العزيز السعود، وأهدى مع الكتاب إليه جياد الخيل.
وكتب بعده كتابًا في تاريخ 15 شوال منها إليه أطال فيه بالتمجيد، ووضع نفسه كخادم بين يدي الحسين، ومن ألفاظ الكتاب "وما عرف جنابكم كان لدى ابنكم معلوم خصوصًا ما عرف جنابكم من جهة عتيبة والقصيم، وإنهم يلقون بالأكاذيب التي ليس لها حقيقة ويتظلمون عند حضرتكم، فنحن نقول عما قالوا سبحانك هذا بهتان عظيم، فأما من جهة نظركم علينا وعليهم، فهذا هو شأن مثلكم وهو مقامكم العزيز، ثم أطال إلى أن قال: فالآن ابنكم وخادمكم ومملوك فضلكم ثاني نفسه سامع مطيع لله ثم لحضرتكم، لأن واحدًا من أهل القصيم أو من عتيبة يدعى علي بأدنى شيء من الظلم، فكما تأمرون أفعل امتثالًا لأمر الله ثم لأمركم، وجميع ما زوروه على حضرتكم دواء الكذب المقابلة، فإن كنت المجرم فأنا تحت أمركم كما تأمرون أفعل واصطبر لأدبكم، فإن كانوا هم الكاذبين وتحقق عند جنابكم ذلك فنحن قد دمحنا لهم من الزلات أكثر، وحقنا على جنابكم أن تكونوا على حذر من أقوال الغاشين للإسلام والمسلمين، وأنا والله، وبالله، وتالله إن رضاكم وامتثال خدمتكم عندي أعز من رضا عبد الرحمن وخدمته، ثم أنا معطيكم عهد الله وميثاقه أني ولدك سامع مطيع ما أخلف شوفتك في جميع أمر".
ثم أطال بالتواضع والخضوع للحسين وختم الكتاب، ثم بعث إليه بكتاب في 22 من ربيع الأول من هذه السنة على هذا النمط.
وقد أوردنا ذلك ليعلم النصف مبلغ احترام ابن سعود للحسين، وأنه لم يأل في مسالمته، فما أظنك لو اعترف الحسين لابن سعود وقدر هذه التعطفات قدرها، ولكنه طموح في مقاصده، فكان ينظر إلى ابن سعود نظر ولي الأمر إلى موظفه.
أضف إلى ذلك أن الأتراك لما خافوا من حركة الحسين وانقلابه الذي بادرتهم بوادره، عرضوا على ابن سعود إمارة مكة، فأبى وأصرّ على الرفض لأن قبوله لغرض الأتراك الذي اضطروا إليه سيجعل مركزه حرجًا، فلن يرضى الحسين بذلك، ولما كان في هذه السنة قام الحسين يشمّر الأردان وخرج من الحجاز بجيش من البدو والحضر، وكان ذلك في رجب منها فنزل الكويعية محلة عتيبة وبلادهم، وقد قدمنا أن أخا جلالة الملك سعد بن عبد الرحمن جاء يستنجد عتيبة، فلما أن قرب منها خرج إليه من الكويعية شرذمة من خيالة عتيبة فظنهم جاءوا يلاقونه ويرحبون، ولكنه عندما دنوا منه إذا لم يكن معه غير أربعين رجلًا، فركب وعشرةً منهم الخيل وقفلوا راجعين، وذلك أنه استراب منهم فلحقتهم عتيبة يؤمنونهم قائلين: نحن خدامكم فقوا ولا تخافوا فصدقهم سعد، وما أشار عليه رجاله بالثقة بأولئك وحذره فوقف وأخذه بنو عتيبة وصادوه، ثم بعثوا به أسيرًا إلى الشريف حسين، ولما بلغ عبد العزيز هذا الخبر وكان قد تأهب لمحاربة العرائف بالحريق، فعندها ترك أربعمائة من رجاله بقيادة فهد بن معمر في الخرج وكرَّ راجعًا يستند أهل نجد لينقذ أخاه.
أما الشريف فبعد أن أسر سعدًا رحل من الكويعة شمالًا فنزل الشعراء، ثم زحف من الشعراء شرقًا فنزل على ماء قريبًا من الوشم، ولكنه عندما علم أن ابن سعود قد وصل بجيشه إلى ضرما ما تراجع غربًا فنزل على ماء يدعى عرجا، وأرسل يستنجد ابن رشيد، فكتب وكيل الإمارة زامل ابن سبهان إلى الأمير عبد الله بن جلوي، وكان إذ ذاك أمير القصيم يقول في كتابه أن بيننا وبين الشريف معاهدة تضطرنا إلى مساعدته، هذا وما كأنه كان بينه وبين ابن سعود، بل الصلح الذي بين ابن سعود وابن رشيد ما هو إلا قصاصة من الورق.
لقد كان الشريف ما يقصد الحرب إذ ذاك والمناورات، إنما يريد إزعاج ابن سعود وإكراهه فيما يريد، وقد كتب إليه وهو يفر ويكر من ماء إلى ماء يؤكد ذلك وقال في كتابه إذا هجمت علينا تركنا لك المعسكر والخيام وعدنا بأخيك سعد إلى مكة فيبقى عندنا إلى أن تطلب الصلح، وهذا الصلح شروطه بيد الشريف حسين.
ومن غرائب الاتفاق أن خالد بن لؤي أمير الخرمة كان يومئذٍ الواسطة بين الأثنين، وخالد هذا وأهله وإن كانوا من أشراف الحجاز فهم منذ القدم على ولاء آل سعود وظلوا متمسكين به محافظين عليه.
جاء خالد إلى عبد العزيز بن سعود يعرض عليه شروط الشريف، ولم تكن غير شروط الدولة التذي تطلب أن يعترف بسيادتها ولو إسميًا في نجد أو في القصيم على الأقل وطلبت فوق ذلك أن يدفع ابن سعود شيئًا من المال عربون التبيعة كل سنة تالية أن الأمير مضحك عجيب ابن سعود يستدين من نسيبه ووكليه في البصرة ما يسد به حاجاته ويحيله على الدولة، والدولة تسعى بواسطة الشريف أن تدخل ابن سعود في تبعيتها فتتقاضاه بدل أن تدفع له ما كانت تدفع.
ولما جاء خالد يحمل شروط الصلح، وخالد وإن كان بدويًا فهو على شيء عظيم من الدهاء والذكاء، فلما جاء تكلم مع عبد العزيز بهذا الكلام البديع: اسمع يا عبد العزيز، أنا أعلمك لا غايةً للشريف سيئة، لا والله ولكنه يبغى يبيض وجهه مع الترك، فاكتب له ورقة تنفعه عند الترك ولا تضرك وأنا أتكفل برجوع سعد، وأتكفل أن الشريف لا يتدخل في أمور نجد، هذا إذا كنت لا تتجاوز الحدود، أما إذا هو اعتدى عليك فأنا خالد بن لؤي أعاهدك عهد الله عليك، فأكون معك والله كما كان آبائي مع آبائك وكما كان أجادي مع أجدادك، فقبل عبد العزيز بتوسط خالد وكتب له قصاصة ورق تنفع الشريف عن الترك ولا تضر، كأنها فقد تعهد فيها أن تدفع بلاد نجد للدولة ستة آلاف جنيه مجيدي كل سنة، وما كانت غير قصاصة من ورق كلام الليل يمحوه النهار، وقد جاء في بعض التواريخ أن الواقعة كانت قبل هذه السنة بسنتين، والصحيح ما أثبتناه.