الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقد أسرَّ أيضًا لمحمد بن عبد الله آل أبي الخيل عدم الثقة بابن سعود والركون إليه، فأصبح مهيجًا وجرى عليه ما سنذكره فيما بعد.
ولما أن قدم ابن سعود إلى الرياض ما كاد أن يستريح من الأسفار حتى جاءه مخبر يقول أن الأتراك في أطراف القصيم يحاولون استمالة بعض البادية إليهم، وأن الدويش فيصلًا له يد في المسألة، فنهض عبد العزيز بن عبد الرحمن يريد قتال الدويش الذي ظهرت خيانته، فاغار على بعض قبائله وأخذها، ثم عاد إلى بريدة وجهز من فيها من آل سعود الذين قدموا من حائل، فسيرهم إلى الرياض ولم يبق هناك معه فيها غير حاشيته، فاطمأن أهل القصيم وسكن المناوئون، ولكن هنا أمرًا جديدًا أزعج جلالة الملك عبد العزيز، وهو أن ابن رشيد كان يفاوض الأتراك في الشحية ويزين لهم الانسحاب إلى حائل، وكان قصده في هذا أن يأخذ ما كان معهم من عتاد الحرب والذخيرة، كأنه يقول أعطونا سلاحكم إذا كنتم لا تحاربون، وذلك لأن الدولة سخطت خطة القائد صدقي باشا حيث لا حرب ولا صلح ولا مسالمة ولا مفاوضات، فأمرت قائدًا آخر من كبار جيشها وسياستها يدعى سامي باشا الفاروقي الذي كان يومئذٍ بالمدينة، أن يسافر إلى حائل للمفاوضة مع ابن رشيد، فجاء سامي باشا مرغيًا مزبدًا واجتمع بالأمير متعب في سميرا قرية من قرى حائل، فاتفق وإياه على أن يكون القصيم في حوزة الدولة وهذا يعد من تغفيل الأمير متعب كيف يعطي ما لا يملكه.
ذكر المفاوضات بين ابن سعود وبين مندوب الدولة
قد ذكرنا اتفاقه مع ابن رشيد ثم إنه قدم إلى القصيم للمفاوضة مع ابن سعود وقد ظنه كالأول، فلما جاء سامي باشا، عزل صدقي وتولى بنفسه قيادة الجيش في الشحية، ثم أرسل إلى ابن سعود يطلب الاتفاق به، فسار ابن سعود ووافاه في البكيرية، فلما جلسا للمفاوضة أغلظ القول على ابن سعود وجعل يتهدد وما كان لابن سعود أن يصبر على ضيم، فصارت المذاكرة مناكرة، وقام ابن سعود بصرامته
وشجاعته فأصدمت في المجلس الحميتان العربية والتركية، فقال سامي يخاطب ابن سعود مرغيًا مزبدًا: إن أهل القصيم يريدون أن تكون السيادة في بلادهم للدولة، فأجابه ابن سعود الذي ما كان ليراعي جانبًا قائلًا: ليس لأهل القصيم رأي في الأمر فهم من أتباعي، فبادر سامي باشا بقوله: إن التابعية تقتضي الحماية وأنت لا تستطيع أن تحميهم ولا ابن رشيد، فأجابه ابن سعود قائلًا: وهل حمتهم الدولة، ثم تمثل بهذا البيت:
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبةٌ
…
وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم
ومع ذلك فهؤلاء زعماء القصيم في مجلسك أسألهم يجيبوك، فتكلم إذ ذاك أحدهم قائلًا: إن صالح الحسن افترى عليهم وأنه لا يمثلهم بشيء ولا يرضون عن غير ابن سعود بديلًا، فتكلم سامي قائلًا إنكم تجهلون صالحكم وتتوهمون حقوقًا ليس حقوقكم، ما جئنا نسترضيكم ولا نستغويكم، جئنا نعلمكم الإخلاص والطاعة للدولة العلية، ولا معلم اليوم غير السيف، فقال عبد العزيز بن عبد الرحمن: إني آسف على ما بدا منك، بل آسف لأن وكلت الدولة أمورها إلى مثلك، ما كان العرب يا سامي ليطيعوا صاغرين لا ولله ولولا أنك ضيف عندنا لما قمت من مكانك هذا، فقاما من المجلس وافترقا بعد ذلك العنف، ولكن سامي باشا أرسل رسولًا اسمه دياب أبو بكر بعد إذن إلى ابن سعود يقول: يسلم عليك الباشا ويقول أن الدولة تدفع لك عشرين ألف ليرة ومخصصات سنوية إذا كنت تعترف بسيادتها على القصيم.
فلما سمع ابن سعود هذا الكلام غضب وعمد إلى سيفه قائلًا: أتتجاسر يا خبيث أن تحمل إلينا مثل هذه الرسالة، ألم يردعك شمم العرب، ومتى كان ابن سعود يقبل الرشوة فيبيع بلاده ورعيته ممن يريدون استرقاقها، لا أدنس سيفي بدمك يا خبيث، ولكن لا أرد عنك سيفًا بيد سواي، (1) فبادر الرسول إلى ذلوله
(1) لما قال ابن سعود تلك المقالة، وقف إبراهيم بن علي الرشودي وكان من زعماء بريدة، فقال لابن سعود لا تقتله يا طويل العمر فإنه ينجس السلاح، وقد قيل أن الدولة العثمانية حقدت على صاحب تلك المقالة.