المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الاستيلاء على القطيف سنة 1331 ه - تذكرة أولي النهى والعرفان بأيام الله الواحد الديان وذكر حوادث الزمان - جـ ٢

[إبراهيم بن عبيد آل عبد المحسن]

فهرس الكتاب

- ‌ثم دخلت سنة 1320 ه

- ‌ذكر رجوع الإمام عبد الرحمن بن فيصل إلى الرياض بعد إقامته في الكويت

- ‌ثم دخلت سنة 1321 ه

- ‌ذكر تقدم ابن رشيد إلى الرياض

- ‌ذكر الاستيلاء على القصيم

- ‌ذكر ذهاب ابن رشيد إلى الدولة العثمانية يجرّها على المسلمين سنة 1321 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1322 ه

- ‌ذكر واقعة البكيرية والشنانة وما جرى فيهما من الخطب الفادح

- ‌ذكر واقعة الشنانة وما جرى من ابن رشيد

- ‌ذكر واقعة وادي الرمة سنة 1322 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1323 ه

- ‌ذكر ذبحة الحواشيش وما جرى من قساوة ابن رشيد

- ‌ الشيخ محمد بن عبد الله بن سليم

- ‌ذكر قضائه وسعة علمه وحلمه وكيفيته وصفته

- ‌ذكر كراماته ومكاشفاته وماله من خوارق العادات

- ‌ذكر تلامذته والآخذين عنه

- ‌ذكر ما جرى عليه من الأمور وثقته بالله العزيز الغفور

- ‌ذكر أولاد الشيخ رحمه الله

- ‌ذكر الحركة والتقلبات في القصيم

- ‌ذكر أمر صالح الحسن بن مهنا

- ‌ثم دخلت سنة 1324 ه

- ‌ذكر قتل عبد العزيز بن متعب سنة 1324 ه

- ‌ذكر إمارة متعب بن عبد العزيز بن رشيد وما جرى من الحوادث

- ‌ذكر قتل صالح الحسن بعد إجلائه

- ‌ذكر المفاوضات بين ابن سعود وبين مندوب الدولة

- ‌ذكر رحيل الأتراك عن القصيم سنة 1324 ه

- ‌ذكر إمارة أبي الخيل في بريدة

- ‌ثم دخلت سنة 1325 ه

- ‌ذكر واقعة الطرفية الصغرى

- ‌ذكر واقعة السباخ

- ‌ذكر قتل سلطان بن حمود بن رشيد أمير حائل

- ‌ثم دخلت سنة 1326 ه

- ‌ذكر إمارة الحسين بن علي الشريف

- ‌تعريب الفرمان الذي صدر لحسين بن علي أمير مكة المكرمة

- ‌ذكر استقبال الحسين بن علي لما قدم الحجاز

- ‌ذكر ابن سعود ودخول بريدة في ولايته للمرة الثانية

- ‌ذكر ما جرى من الحوادث

- ‌ذكر قتل داعية الضلال عبد الله بن عمرو آل رشيد

- ‌ثم دخلت سنة 1327 ه

- ‌ذكر إمارة بريدة وقضائها

- ‌ثم دخلت سنة 1328 ه

- ‌ذكر الانقلاب في الدولة العثمانية

- ‌ذكر إمارة سعود بن عبد العزيز بن متعب

- ‌ثم دخلت سنة 1329 ه

- ‌ذكر حرب إيطاليا للدولة العثمانية

- ‌ذكر وفاة الشيخ إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ

- ‌أخبار زاهد

- ‌ذكر نهاية أمر الشيخ إبراهيم بن جاسر

- ‌ثم دخلت سنة 1330 ه

- ‌ذكر مطلب الوحدة العربية

- ‌ذكر العداء بين الشريف حسين وابن سعود

- ‌ذكر ما جرى من العرائف والهزازنة

- ‌ثم دخلت سنة 1331 ه

- ‌ذكر فتح الإحساء سنة 1331 ه

- ‌الاستيلاء على القطيف سنة 1331 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1332 ه

- ‌ذكر عقد المعاهدة بين ابن سعود وتركيا سنة 1322 ه

- ‌ذكر هادمة العهود ومفرقة الوفود وهي الحرب العظمى سنة 1332 هـ الموافق لسنة 1914 م

- ‌ألمانيا تعلن الحرب على روسيا وفرنسا

- ‌زحف ألمانيا على البلجيك

- ‌قتال روسيا في الجبهة الشرقية

- ‌بلغاريا تعلن الحرب على صربيا

- ‌ذكر الطراد أمدن وما جرى منه وعليه

- ‌ثم دخلت سنة 1333 ه

- ‌ذكر مساعي بريطانيا العظمى وقيامها ضد تركيا

- ‌مفاوضة الفريقين للشريف

- ‌ذكر النهضة العربية واتفاق الشريف مع الإنكليز

- ‌ذكر وقعة جراب سنة 1333 ه

- ‌ذكر التعريف بالعجمان

- ‌ثم دخلت سنة 1334 ه

- ‌وهذه ترجمته:

- ‌ مبارك بن صباح آل صباح

- ‌ذكر اتفاق ابن سعود مع الإنكليز وعقده معهم

- ‌معاهدة العقير سنة 1334 ه

- ‌ذكر الخلافة وعقد الحسين مع بريطانيا

- ‌ذكر إعلان الثورة

- ‌ذكر الحرب في المدينة والسواحل

- ‌ذكر الحرب في دمشق

- ‌ثم دخلت سنة 1335 ه

- ‌ذكر توتر العلاقات بين ابن سعود وبين الشريف

- ‌ثم دخلت سنة 1336 ه

- ‌ذكر اتفاق فلبي مع ابن سعود

- ‌ذكر سكون العرب العظمى

- ‌ذكر البدو والهجر

- ‌أسماء الهجر

- ‌ثم دخلت سنة 1337 ه

- ‌ذكر واقعة تربة

- ‌ذكر الهول في وقعة تربة

- ‌وهذه صفة المعركة بتربة رسمًا

- ‌ذكر صدقه في معاملته لربه وثقته به

- ‌ذكر ما جرى على تركيا من الهوان

- ‌ثم دخلت سنة 1338 ه

- ‌ذكر سوء التفاهم بين صاحب الجلالة عبد العزيز بن سعود وبين سالم بن صباح

- ‌ثم دخلت سنة 1339 ه

- ‌ذكر أنجال الشريف وإمارتهم

- ‌عبد الله بن الحسين

- ‌فيصل بن الحسين

- ‌زيد بن الحسين

- ‌ذكر واقعة الجهراء

- ‌ذكر جوده وكرمه

- ‌ذكر تدريسه وسعة علمه

- ‌ذكر شجاعته ونباهته وصفته ومقاماته في الإسلام

- ‌ذكر ثناء العلماء عليه وميل الناس إليه

- ‌إمارة عبد الله بن متعب بن رشيد وقتال أهل حائل بساحة دارهم

- ‌ذكر إمارة محمد بن طلال

الفصل: ‌الاستيلاء على القطيف سنة 1331 ه

في حصونهم قابعين، وقد كان لهم أربعة حصون في الهفوف وخارجها اثنان في الكوت، وكوت الإحساء هو حصنها المنيع وما أحاط به من البيوت، وقد بناه الأتراك في استيلائهم عليها سنة 1040 هـ بعد انقراض دولة الأجود العقيلي منها، وحصن إلى الجنوب وآخر إلى الشمال، فعندما أبلج الفجر شرعوا يطلقون البنادق والمدافع من تلك الحصون على البلاد فكانت طلقات طائشة فلم نصب أحدًا بل أنصحت عن الذعر والرعب الذي أخذ منهم كل مأخذ.

فلما كان عند الظهر جاء جندي من جنود ابن سعود باسير من الترك وهو ضابط طاعن في السنن فأرسله عبد العزيز رسولا إلى المتصرف وإلى قائد الحامية وقال له: قل لهم يسلمون إذا كانوا يبغون العافية ونحن نؤمنهم ونرحلهم إلى بلادهم، أما إذا أبوا فليستعدوا لقتال سنهاجمهم في مراكزهم ساعة هاجمنا البلد البارحة، فقبل المتصرف والقائد الأمان ثم سلمت الحامية التي كان عددها ألف وخمسمائة جندي، فأذن جلالة الملك لهم بالنزول ولا ننزع عنهم سلاحهم قائلًا لا ننزع من الجند العثماني سلاحه، أما المدافع والذخائر فظلت مكانها في الحصون، ثم جهزهم بالركائب ورحلهم وعائلاتهم وأمتعتهم، فساروا إلى العقير وليس معهم من يخفرهم ويؤمن طريقهم غير رجل واحد من رجال ابن سعود وهو أحمد بن ثنيان رسوله سابقًا إلى جمال باشا، وعندما وصلوا إلى العقير جهزهم أحمد بسفن تقلهم إلى البحرين.

‌الاستيلاء على القطيف سنة 1331 ه

ـ

لما استولى ابن سعود على الإحساء أرسل سرية إلى القطيف بقيادة عبد الرحمن بن سويلم فلما أن وصل إلى تلك الناحية بادر أهلها إلى التسليم ولم يكن للترك في القطيف غير شرذمة من الجنود ففروا في السفن هاربين.

أما عساكر المتصرف الذي رحلوا من الحساء فعندما وصلوا إلى البحرين بالسفن بعد إكرام ابن سعود لهم وتعظيمهم ومنحهم الزاد والأثاث وبعث من يحرسهم تشاوروا وتراجعوا ووجدوا من يزين لهم الرجوع وإعادة الكرة بأن

ص: 152

يرجعوا إلى العقير ويسترجعوا القصر هناك، وقد ظفر فريق منهم بمركب لآل بسام كان يحمل تمرًا فركبوا فيه وعادوا إلى العقير وهجموا ليلًا على القصر فردتهم الحامية خائبين، ثم هجموا على مركزين آخرين كان في أحدهما ثلاثون رجلًا فهزمهم الأتراك واحتلوا مراكزهم.

فلما بلغ الخبر عبد العزيز وهو في الهفوف ثار مسارعًا إلى العقير فوصلها في الساعة الثانية ليلًا، وكان قد سيّر كوكبةً من الخيل فوجدت عند وصولها أن السرية التي كانت في القصر قد هجمت على الترك في المركز الذي احتلوه فهزمتهم السرية وأسرت منهم ثلاثين فعند ذلك خلي عبد العزيز سبيلهم وأركبهم البحر وصرفهم لأنه غير مكترث لهم، ثم كتب إلى الشيخ عيسى آل خليفة أمير البحرين وإلى الوكيل السياسي لبريطانيا العظمى يحتج على ما بدا منهم، فقال في كتابه:(أيليق بكم تحريض العدو علينا ونحن أصدقاؤكم، فإذا كنتم لا تتلافون مثل هذه الأعمال وتمنعونها فالتبعة فيما قد يعقبها هي عليكم).

فجاءه الجواب من دون بطئ، وفيه أن العساكر ركبوا السفن من البحرين قاصدين البصرة وقد رجعوا إلى العقير دون علم من الحكومة أو الوكلاء، أما الحقيقة فهي أن آل خليفة والوكيل الإنكليزي خشوا أن يتقدم ابن سعود إلى داخل الخليج في فتوحاته، فأقدموا على عمل كان التسرع فيه أظهر من العداء.

ولما تولى جلالة الملك عبد العزيز على الإحساء كان أهلها وقد سئموا من حكم الأتراك لعدم الأمن وكثرة الاضطراب الذي آل بهم أن ظل الرجل لا ينام على فراشه إلا وهو متوسد بندقيته المحشوة اتقاء من الطوارئ.

ثم توجه عبد العزيز إلى القطيف ينظم شؤونه، فأمر فيه عبد الرحمن بن سويلم وهو الذي اختاره لصحبة سامي وجنوده المتقدمين وجعل على الإحساء أميرًا فيها عبد الله بن جلوي أمير بريدة، وهذان الرجلان من كبار رجاله للبسلاء، فصارا في تلك الناحيتين وأصبحت تلك الجهات آمنة مطمئنة تحت رعاية صاحب الجلالة عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل وفي ظل الله ثم ظله، وكانت مدة ملك الأتراك

ص: 153

للإحساء والقطيف وأطرافهما المرة الأخيرة أربعًا وأربعين سنة، لأن ولايتهم عليها كانت 1288 هـ.

وقد قال الشيخ سليمان بن سحمان قصيدة في ذلك تهنئةً للإمام عبد العزيز بن عبد الرحمن لما فتح الله على يديه الإحساء والقطيف:

بهجرٍ أضاء الفجر واستعلن الرشد

وناء على آطامها الطالع السعد

وقد كان أهلوها بأسوء حالةٍ

وقد فتحت للكفر أعينه الرمد

وكانت قضاة السوء تصرخ جهرةً

بتمجيد عباد القبور وهم ضد

وتمجيد ضباط لهم وعساكر

فبعًا لهم بعدًا وسحقًا لمن ودوا

وقد صارحونا بالعداوة والأذى

فهم للهدى ضد وللأشقياء جند

وقد أظهر الأرفاض فيها شعارهم

ومدوا يدًا نحو العلى وبها امتد

وفيها الخنا والخمر والزمر ظاهرٌ

وما ليس محصورًا وليس له عد

وقد كان فيها للضلالة والردى

مقرٌ وفيها للهوى صادحٌ يشدو

وقد كان فيها للملاهي ملاعبٌ

وحاد على أعقاب أربابها يحدو

وأحكام أهل الكفر تجري بسوحها

وقانونهم يعلو بها ظاهرًا يبدو

فناءٌ بها يعد السعود فأسفرت

بآل سعود هجر وافتخرت نجد

وأقلع عن هجر دياجير ما سجى

من الكفر والأرفاض حل بها النكد

وأصبح من فيها محبٌ وناصحٌ

ينادي ألا أهلًا بكم أيها الجند

فقد طالما كنا بأيدي عداتنا

أذلاء والأعداء يسمو لهم جد

وهم قد أخافونا بها وتغلبوا

يسوموننا خسفًا ويعلوا بها الضد

فقوضَّ عنا الغي والبغي والأسى

وأهل الردى والفحش فاستعلن الرشد

وزال قتام الكفر عنا وأشرقت

شموس الهدى والحق في الخلق ممتد

وأضحت بهجرٍ شرعة الحق تجتلي

وقانون أهل الكفر حل به النكد

وقد أشرقت فيها شموسٌ ذوي الهدى

وحالت بحمد الله أحوالها الكمد

فيا من بها من عصبة الدين والهدى

ليهنكم الإقبال والعز والمجد

ص: 154

فشكرًا بني الإِسلام قد رجعت لكم

بناكرةٌ من بعد أن يئس اللد

وقد ظن قومٌ أنها دولةٌ مضت

وليس لما قد فات عودٌ ولا رد

فقد عاد ما قد فات غضًا كما بدا

فلله مولانا على ذلك الحمد

وذلك من فضل الإله ومده

فمن جوده الحسنى ومن فضله المد

وقد كان ما أجراه فضلًا ونعمة

ولله من قبل الأمور ومن بعد

بمهد هزبر المعي مهذبٌ

يقول أسودًا في الحروب بها جرد

وغيضٌ على أعداء دين محمَّد

وأحزابهم ممن عن الدين قد ندوا

أتاهم بها إذ غاب نجم مشعشع

وقائده الإقبال والعز والسعد

لسبعٍ من الساعات في غسق الدجا

وقد هجع الأحراس والترك والجند

فما راعهم إلا وآساد جنده

قد اقتحموا فيها وما مسهم نكد

وصاحوا بها من كل قطرٍ وجانبٍ

شعارهم التهليل والذكر والحمد

وقد ملكوا أبوابها وبروجها

ومن كل نهجٍ نحو أعدائها تعد

يقودهموا ليثٌ همامٌ سميدعٌ

أبي وفيٌّ فاتك إن عثى الضد

يخوض عباب الموت والموت ناقعٌ

إذا اشتعرت نارٌ لها في الوغى وقد

ويركب قوله الخطب والخطب معضلٌ

وقد هابه الأبطال رعبًا وبد ندوا

هو الملك السامي إلى منتهى العلى

وقد أمه في نيلها الطالع السعد

إمام الهدى عبد العزيز الذي به

تضعضعت الأملاك واستعلن الرشد

لقد فاق أبناء الزمان وفاقهم

بعفوٍ وإقدامٍ وساعده الجد

فيا أيها الغادي على ظهر جلعدٍ

عرندسةٍ ما مسها دهرها جهد

تجوب فيافي البيد وخدا ومسئدا

وما نقبت أخفاقها عندما تخد

تحمل هداك الله مني تحيةً

هدية مشتاقٍ أمضى به الوجد

وأورى به من لاعج الشوق جذوةً

ولكنه قد عاقه النأي والبعد

وخامره من نشاءة البشر نشوةٌ

وفي قلبه سكر من البشر ممتد

إلى الملك الشهم الهمام أخي الندى

مذيق العدى كأس الردى عندما يعد

ص: 155

ومن أصله الجد الموئل والعلى

ومن جوده الجدوى لمن مسه الجهد

فأبلغه تسليمًا كأن أريحه

شذى المسك لما ضاع نشره الند

ونادى بأعلى الصوت عند لقائه

بمجلسه الأسنى الذي حفه السعد

ليهنك يا شمس البلاد وبدرها

بلوغ المنى لا تسامى بك المجد

ونال بك الإِسلام فخرًا ورفعةً

وعزت بك الإحساء واستعلن الرشد

وذلت بك الأعداء من كل فاجرٍ

وكل كفورٌ دينه الكفر والجحد

ثم أطال الشيخ سليمان بمديح جلالة الملك والثناء عليه وبذل النصيحة له، وقد اقتصرنا منها على بعضها خشية الإطالة.

وقال الشيخ الأديب حسين بن علي بن نفيسة مهنئًا صاحب الجلالة عبد العزيز في هذا الفتح للإحساء والقطيف:

لك الحمد ما هلَّ السحاب المراك

فأنت الذي تؤي وتولى وتكرم

فما أحد إن جدت بالفضل مانع

ولا معطي إلا أنت بالخلق أرحم

لك الشكر لا نحصيه والمجد كله

لك المن والإحسان ما ذاك يكتم

لك الجود يا معبود يا غاية المنى

لك البر يا بر رحيم مسلم

أيا صاحٍ حق الوعد من ربنا لنا

وقد بلغ المأمول من هو أحزم

إمام التقى ليث اللقاء الذي ارتقى

ذرى المجد حتى احتازها وهي سنم

فناد جميع المفئدين بمدحه

وقل جددوا أشعاركم وترنموا

فهاك نسيبي وهو أرجى بضاعةً

ولكنها بالحمد والشكر تعلم

أتعرف إطلالًا بحزوى دوارسًا

تغير منها كلما كنت تعلم

وأضحت من السمار قفرًا بلاقعًا

وأقوت فما ينبيك عنها مكلم

فلم يبقَ إلا موقد النار حوله

رواكد أمثال الحمائم جثم

عهدت بها الحي الجميع فبددت

صروف النوى سكانها فتقسموا

وقفنا نسح الدمع فيها عشيةً

ونسأل عن أضعانهم أين يمموا

ليالي أقتاد الهوى ويقودني

ووصل العذاري بيننا ليس يفصم

ص: 156

وقد ساعدت بالوصل سعدي وأومأت

سليمًا بأطراف البنان تسلم

وخولةٌ خالت بارق الشوق فأرعوت

واسمًا سمت بالود فالود يعلم

دقاق المثاني والخواطر والحشى

تعلقهن القلب فالصب مغرم

حسان الوجوه والثغور لئالي

يعز على لماحهن التوسم

عقائل من أبناء بكر ابن وائل

كرامٌ فما أنسابهن تذمم

فمن لي بتلك الغانيات وما جرى

من الأنس والعيش الذي ليس يسأم

أحب شبيهات المها غير أنني

بذكرك يا بدر الزمان متيم

فبشراك يا عبد العزيز بهذه

هي المنة العظمى عسى لك تسلم

منيحة أقوامٍ كثيرٌ فطمتهم

عليها بكى تركٌ وبدوٌ وأروم

هنيئًا لك الملك الذي قد أتاكه

إله السما والأرض من هو أعلم

بما كان تخفيه الصدور من الأذى

فإن أبرموا أمرًا فربك يبرم

ولا غرو إن ملكتم الخط والحساء

تلائدكم كانت نزائع منكمو

فعادت كما كانت فللشكر جددوا

فأولاكم مولاكم إذ صبرتم

حلفت يمينًا غير ذي مثنوية

وما كنت قبل اليوم بالحنث أتهم

لما مهدت في المهد مثلك حرةً

وما تبع الجيش الخميس العرمرم

بأسطى ولا أمضى على الهول واللقا

وإن نقدوا رأيًا فرأيك أعزم

إذا كان مالا يستطاع دفاعه

وحاولته نقضت ما منه مبرم

إذا هدأت عنك العيون فجأتها

فأرويت زند الحرب والناس نوم

فأنت لعمري فارس الخيل في الوغى

وأنت شهاب الليل والليل مظلم

تجشمت أهوال الظلام على العدى

فطارت طيور العز والسعد عنهم

وأصحابك الفتاك أسد الشرى الذي

لحوض المنايا واردين وحوم

تسورتم الأسوار لله دركم

فيا حبذا من كان منكم وفيكم

فإِما شهيدٌ قد تلقته رحمةً

وإِما سعيدٌ فائزٌ ومغنم

فلا تنسَ أهل الجذع واعرف مقامهم

وأنت بحال الجند أدرى وأعلم

ص: 157

فهذا هو الفتح الذي رفعت به

منازل أقوامٍ وقومٌ تندموا

وهذا هو الفتح الذي فتحت به

بصائر أهل الدين إذ خصمهم عموا

وهذا هو الفتح الذي لم يكن جرى

سلمتم وكوفيتم معًا وغنمتم

قهرتم بغات الترك وسط حصونها

فما سلموا حتى جرى منهم الدم

وهذا هو الفتح الذي عاد مثله

به انخفض الطغيان والحق يبسم

به ذهب القانون والحاكمون به

وولت فعال الشرك والكفر معهم

فأصبح مناج الشريعة واضحًا

وأضحى الخنى والفسق بالحق يحسم

فيا دولة الأتراك لا عاد عزمكم

علينا وفي أوطاننا لا رجعتم

ملكتم فخالفتم طريق نبينا

وللمنكرات والخمور استبحتم

جعلتم شعار المشركين شعاركم

فكنتم إلى الإشراك أسرع منهم

تزودتموا دين النصارى علاوةً

فرجسًا على رجسٍ عظيمٍ حملتم

فبعدًا لكم سحقًا لكم خيبةً لكم

ومن كان يهواكم ويصبو إليكم

فذاك من الركان في وحي ربنا

أَلا إِنه ممن تمس جنهم

فيا أهل هجر هاجروا في دياركم

فهذا هو الحظ الذي لا يقوم

أتاكم بها نجل الكرام نقيةً

حقيقة دين المصطفى فلها ألزموا

صراطٌ سوى عنه لا تتفرقوا

إلى سبل إِن تتبعوها ضللتم

فأمسيتم للكفر فيكم دعائمٌ

وأصبحتموا الإِسلام ثوب عليكم

لكم ما يكن للمسلمين من العطا

وإن عليكم ما يكون عليهم

ولكن بشرط السمع منكم لأمره

وطاعة مأمورٍ يولى عليكم

وداووا جرحات القلوب بتوبةٍ

تجب الذي أسلفتموا واقترفتم

فإن كنتم استجمعتموا يوم زينةٍ

ورقصٌ وتصفيقٌ له قد حضرتم

فحيا لقال الله قال رسوله

وللصلوات بادروا وتقدموا

فقد جائكم من زِيدَ في العلم بسطةً

وفي الجسم مشهورٌ هو أفضل منكم

يحيامي على التوحيد إذ كان دينه

سيتلى عليكم فافهموا وتعلموا

ص: 158

ويثبت في التنزيل ما كان مثبتًا

وبالسنة الغراء يحل ويحرم

هما أثبتا أن المهيمن بائن

من الخلق فوق العرش والله يحكم

بإعزاز أقوامٍ وإذلالٍ ضدهم

فهذاك مسلوبٌ وهذا مقدم

وهذاك محرومٌ من البسط والعطا

وهذاك مكسورٌ وهذا مقوم

يدبر تدبيراته في سمائه

فهذاك مرحومٌ وهذاك ينقم

فلا ملك إلا وهو لله وحده

فإن شاء بنا عزًا وإن شاء يهدم

قضى أن يولي خيرنا وابن خيرنا

عليكم فهذي نعمةٌ قد كسبتم

حفيدٌ فريد العصر هذاك فيصلٌ

عليه سلام الله وقفًا محتم

لقد جد في إظهار دين نبينا

وآوى الذين للحنيفي ينتموا

إِمام التقى والجود أما نهاره

فبذل وأما الليل لله محرم

وهل يزكونَّ الفرع إلا إذا زكت

مغارسه والفضل بالفضل يعلم

هم شرفت أجدادهم وجدودهم

هم عرفوا المعروف والشرع قدموا

ودونك شطرًا قاله خير شاعرٍ

وأحسن فيما قاله المتقدم

حنيفيةً في دينها حنيفيةٌ

فأَحسابهم أعلى وأذكى وأكرم

حييون بذَّالون في الآمن أبحرٌ

وأمواجها بالجود تطمى وتلطم

فصيحون إن قالوا يهابوا إن أضربوا

بأنديتهم تلفي بدورًا وأنجم

شديدون قتالون في الهول جربوا

ليوثً على الأعداء تعدوا فتلحم

إذا لقحت حرٌ عوانُ مضرةٌ

ترى خصمهم حين اللقى يتحطم

فسادوا وقالوا بل وفادوا وفودوا

مغانم في الأقوام تحذى وتقسم

وإن أجحفت بالناس عبر سنينهم

ولا مالٌ إلا عند من كان يحدم

هنالك هم غيث المساكين بالندى

ومطعمهم دأبًا مدى الدهر يطعم

هم الناس ينقاد الورى لأمرهم

وإن ذكروا أهل العلى ذكروا هم

فمن رام خذلانًا لهم أن تنقصًا

فسوف يولي الظهر والجمع يهزم

وبالأئمي في حبهم ومديحهم

تزحزح قصيًا أن قولك مأثم

ص: 159

فليس الجبال الشم مثل حزونها

ولا من يقل جدًا كمن يتهكم

وقد أتينا بغالب القصيدة وحذفنا بعضها خشية الإطالة، ولولا ضيق المجال لأتينا بقصيدةٍ جادت بها قريحة الشاعر محمَّد بن عبد الله بن عثيمين، ولكننا نحيل القارئ على ديوانه.

وفيها ولد الأمير خالد بن عبد العزيز نجل جلالة الملك وكان شقيقًا لمحمدٍ وأخوالهما آل جلوي، وكان ممتازًا برجاحة العقل على غالب أبناء جنسه.

وفيها توفي الشيخ العالم مفتي الوشم في وقته علي بن عيسى رحمة الله عليه، وكانت وفاته في شهر رمضان منها.

رجعنا إلى ذكر فتح الإحساء وما ألانه الله عز وجل لهذا الملك العاهل المقدام من الأمور الصعاب فنقول؛ كان على الحليج إلى الشرق والجنوب من البحر رأس من الأرض محاذ لشاطئ العقير وهو قطر بلاد قاسم بن ثاني شيخ الأمراء يومئذ سنًا وجاهًا؛ وقد حاول قاسم مرارًا أن يخرج الترك من الحسا، فلما فاز ابن سعود ذلك الفوز عري قاسمًا هزة عظيمة حركت سواكنه لأمور شتى منها خوفه على إمارته فقد أصبح الفاتح جاره الأدنى الذي وإن كان صديقًا صادقًا غير أن الملك عقيم؛ فلما أن رأى ابن سعود على أبوابه انقلب بعد أن كان من أكبر المحبين له وغضب غضبة شعواء؛ فكتب إليه كتابًا شديد اللهجة يحذره ويهدده ويلومه على أخذه الإحساء، ولكن الحمام عاجله قبل أن يتلقى الجواب فانتقل إلى رحمة الله تعالى وتوفى في عاشر شعبان من هذه السنة، وهذه ترجمته:

هو الأمير الجليل قاسم بن محمَّد بن ثاني شيخ قطر الورع الزاهد التقي الفصيح البليغ الحنبلي كان جواد مبذالًا عالمًا بالعلوم الدينية والفقهية، ولد رحمه الله سنة 1216 هـ وعاش مائة وخمس عشرة سنة تزوج تسعين إمرأة وبعدد من الجواري، وكثر له النسل الإنساني فكان له من الأولاد والأحفاد وأبناء الأحفاد ذكورًا وإناثًا ما لا يصدق به كثرة، فقد قيل أن الذين يركبون معه إذا ركب ستون فارسًا في موكبه كلهم من صلبه ولم يكن سيدًا في غير عشيرته، فلما تم له خمسون

ص: 160

من العمر جعل يدعو العشائر كلها إلى الاستقلال فلبت دعوته وبعد وقعات عديدة برية وبحرية مع أهل البحرين وكسرات وغلبات حازت قطر استقلالها وكادت تستولي على البحرين، وكذلك أيضًا حارب الترك فكسرهم في عدة وقعات وقتل منهم عددًا كبيرًا ولكنه لم يتمكن من إخراجهم من الحساء.

وكان مولعًا بكثرة النكاح وتجارته باللؤلؤ فكان له خمس وعشرون سفينة للغوص ويجمع المال من هذه التجارة ويبذله في سبيل البر والإحسان.

ومن إحسانه أنه كان ولوعًا في جمع العبيد وعتقهم، قيل أنه أعتق في حياته أكثر من خمسين عبدًا، وأن مماليكه الأحرار أسسوا بلدة في قطر سموها السودان، وعاش رحمه الله قرنًا ويزيد في قطر فكان أميرها وخطيبها وقاضيها ومفتيها والمحسن الأكبر فيها، وقد رثاه لما مات الشعراء وأثنوا عليه، قال الشيخ حسين بن علي بن نفيسة يرثي قاسم بن محمَّد بن ثاني، فقال هذه مرثية في شمس الفضائل ومنتهى الأماني الشيخ قاسم بن محمَّد بن ثاني مؤيد الدين وحتف المعتدين شيخ قطر المتوفى في 10 شهر شعبان سنة 1331 هـ:

لمن طلل أمست به الهوج تنسف

عفى وخلا ممن نحب ونألب

وأحني عليه الحين بعد أنيسه

فناح غراب البين بالبين يهتف

فلم نستبن من آيةٍ غير أورق

عليه مطايا القدر جثم وعكف

كأن لم يكن للخرد البيض مأتما

ولا اختلف فيه ضباءٌ وأخشف

كواعب أتراب يشاكلن بألبها

بدور شهورٍ حين أيامٌ تنصف

ولا سماء ماء الرضاب كأنه

جنى النحل أو إبكار كرم تقطف

ثقيلات إعجازٍ دقيقاتٍ أخصرٌ

ويبسمن عن منضودٍ در يضعف

فروعٌ تحاكي الليل والشمس تحته

فما الليل ممتازٌ ولا الشمس تكسف

فهيهات لا ما فات بالأمس راجعٌ

فقم نبك من بالفضل والبذل يعرف

فآهٍ وآهٍ بعد قاسمٍ ذي الندى

مجيب الندى للصارخ إذ يتلهف

حنانيك من للدين أرسى دعائمًا

لطلابه يقرى ويثرى ويكهف

ص: 161

فيا أيها القمري في الدوح غنني

فهذا أوان النوح إن كنت تسعف

وقائلةٍ ما بال دمعك لم يزل

يسح على خديك دئبًا ويذرف

أرى منك حال الحال عما عهدته

فماذا الشجي ماذا الأسى والتأسف

فقلت لها والقلب مني كأنه

بأشراك صيادٍ به يتصرف

ذريني وما أملت مني صبابةٌ

عداك هزالي والهوى والتترف

لك الويل لا تلحي علي فإنني

رأيت العلي بنيانها يتقصف

دعيني فلا والله ما بعد قاسمٍ

لآمل جدوى أو طريدٍ يخوف

إلى من له تأوى العناة وتجتري

إلى من تسير اليعملات وتوجف

إلى من له أهل المغارم ترتجي

وعان ثوى فيقيده فهو يرسف

فكم أدركوا ما أملوا غير مرةٍ

إذا قصدوه فولوا ثم أتحفوا

تعزي عليه المكرمات لأنه

مدى دهره فيها شجٌ ومكلفٌ

بإحيائها في كل حينٍ وساعةٍ

تراه بها مستغبطًا يتشرف

أبوها أخوها عمها خالها الذي

لها سابق جل الورى مذ تخلفوا

ترعرع فيها ثم كانت طباعه

فما هو عن أسبابها متوقف

فيا قطرًا أظلمت إذ فاتك البهاء

وإذ منك ولَّى مربعٌ ومصيف

لقد زانك الشيخ الذي قد رثت له

وفودٌ وأضيافٌ وسيفٌ ومنسف

هو المصمعل المشعمل بهمةٍ

تكاد إذا استعلت على البدر يكسف

هو البحر لا تطمع به وهو هائجٌ

وفي رهوه إن غصت للدر تصدف

هو الليث في الهيجا بل الليث دونه

وكالغيث إن يزوى من الناس أعجف

فخذ منه ما أملته في يوم أنسه

وإياك واليوم الذي فيه يأنف

قريبٌ إذا سالمته متهللٌ

بعيدٌ إذا حاربته يتخوف

وذي لجبٍ في وسطه الخيل شزب

له الوحش تبرى والطيور ترفرف

إذا نابه أمر أشار فأقبلوا

ألوفٌ لأدني أمره تتألف

إذ أوغلوا في الحرب فهو رئيسهم

وقائدهم بل زائدٌ ومشرف

ص: 162

ويوم إذا حمي الوطيس وأقدت

قدور المنايا بالرجال توثف

تجده أمام القوم يحمي حماتهم

بغضب يمان للجماجم يقطف

لبيبٌ لأهل الخير رحبٌ فناؤه

حبيبٌ لدى زواره يتلطف

تقيٌ نقيٌ طاهر العرض أوحدٌ

زكيٌ سخيٌ بالمساكين يرأف

منيبٌ وآواه خؤف لربه

وبالله أدرى وهو لله أخوف

مآثره كالشمس في رونق الضحى

وإحسانه ما زال ينمو ويقطف

يقات به أهل التقى في ديارهم

وكل غريبٍ قادمٍ يتحنف

من الله يرجو يوم تبلى سرائرٌ

بيومٍ به كل الصحائف تكشف

فهذا هو الصدق الذي قد علمته

وإن غيروه الحاسدون وسوفوا

على رسلكم أهل الثبور والقلى

فكلكم قوال زورٍ ومسرف

إذا لم تنالوا حظه صار حظكم

أباطيلٌ وبهتانٌ ومين تزخرف

فحتى متى لا تتقون إلهكم

وتولوا ذكرًا للجميل وتنصفوا

فيا لهف نفسي بل ويا عظم لوعتي

عسى الله بالآمال والحال يلطف

لقد كان حظي يسبق الناس موفرًا

فمذ بأن نجم الوقت فهو مخلف

فإني لباكيه وإني لصادقٌ

فما القلب مرتاحٌ ولا الدمع ينزف

رضينا بما يرضى الإله لنا به

ولله في تدبيره هو أعرف

فلا عيبَ فيه غير أن كان ماله

على ضعفاء المسلمين يوقَّف

حنانيك لا ننفك نذكر قاسمًا

بحسن التي ما دامت العين تطرف

عليه سلام الله ما ذعذع الهوى

وما دام ضوء الصبح لليلٍ يكشف

وجاد على رمسٍ تضمن جسمه

بصيب عفو ما بقى الدهر ينطف

لإِن زال منه الشخص فالحمد لم يزل

تورثه قرم بصير وينصف

هو الفرع عبد الله من شهدت له

أياديه إذ تهمي الجميل وتزعف

فأنعم به في حفظه أصل دينه

لقد كان حرى للصوب وأضرف

وليس فضول القول تنطق عنده

وأما يقل قولًا فبالحق يقذف

ص: 163

فتىً لا يخاف الموت والحرب لائجٌ

ولكن يخاف أن يقول فيخلف

فأنعم به والليل مرخٍ سدوله

وأنعم به والخيل بالنبع تحذف

لباغي القرى المضطر من نصب السرى

وآخر مكروب به القوم طوف

فلست بمحصٍ فضله إن كتبته

ولو أن نفسًا بالمحابر ينشف

بني قاسم الهدى رثائي إليهم

ومنظوم قولٍ طيب جين يرشف

لأنهم أجواد دهري وإنهم

فرات فلم يظمأ الذي منه يغرف

قديمًا لهم مجدٌ طريفٌ وتالدٌ

لهم يهتدي الطراق والريح زفرف

هم الناس فيهم خصلةً لا لغيرهم

لأضيافهم منهم مغيم وملحف

ولولا قريض الشعر ما كان يعلموا

ينات العلى من أين تؤتى وتعرف

قيود اللهي سبك القوافي فدونكم

من اللؤلؤ المنضود ما هو أشرف

هي القرض أقرضنا وقد بشر الرجاء

بأن قد يرد القرض غضا ويضعف

وأزكى صلاة الله مع سلامٌ على الذي

به أضحت الأصنام تمحى وتنقف

كذا آله والصحب ما لاح كوكبٌ

وما طاف حجاجٌ ولبوا وعرفوا

وقد قيل أن وفاته في شوال من هذه السنة، وقال الشاعر الفصيح المنطق محمَّد بن عبد الله بن عثيمين يرثا الفقيد المترجم لما فجع يفقده لأنه كان أسير فضله والراتع في ظل رفده رحمة الله عليهما:

برغم المعالي فارق الدست (1) صاحبه

وثلت عروش المجد وأنهد جانبه

وأضحت بنو الآمال سهمًا وجوهها

تقلب طرفًا خاشعًا ذل حاجبه

تقول إلى من نطلب العرف بعد ما

على قاسم المعروف بنيت نصائبه

مضى كأقل الأيتام في كل شتوةٍ

وموئل مس ضاقت عليه مذاهبه

أقول لناعيه إلى تجاوبًا

بفيك الثرى لم تدر من أنت ناديه

(1) الدست: المجلس.

ص: 164

نعيت امرأً للبر والدين سعيه

وللجود والمعروف ما هو كاسبه

فيا قاسم المعروف للبأس والندى

وللخصم مشتطًا على من يطالبه

ويا قاسم المعروف للطارق الذي

من الزاد قد أصبحن صفرًا حقائبه

ويا قاسم المعروف للملتجي الذي

تحاماه من عظم الجناية صاحبه

وللمرهق المكروب يفرخ (1) روعه

إذا أسلمته للخطوب أقاربه

وللجحفل الجرار يهدي رعيله

إلى كل جبار أبي يشاغبه

هو المانع الخصم الألد مرامه

وإن رام منه معضلًا فهو سالبه

فقل للجياد المشمعلات لاحها

تجاوز غيطان الفلا وسياسيه

على قاسمٍ فأبكى طويلًا فإنه

فتاك إذا ما استخشن السرج راكبه

إذا ما رمى المرمى البعيد ذر عنه

به ناجيات زاملتها شوازبه

جحافل سهلن الروابي فأصبحت

سباسب مما بعثرتها كتائبه

إذا نشرت أعلامهن تحدبت

بأرجائها صيد الملوك تراقبه

فما مشرق الإله فيه وقعةٌ

ولا مغربٍ إلا أرنت نوادبه

أقول لقلبي حين جدَّبه الأسى

وللجفن لما جرفته سواكبه

تعز بما عزيت غيرك أنه

طويل أسى من أودع اللحد غائبه

هو الدهر يستدعي الفناء بقائه

وتستصغر الخطب العظيم مصائبه

له عشرةً بالمرء لا يستقيلها

إذا ما أنيخت للرحيل ركائبه

أباح حمى كسرى بن ساسان صرفه

فلم تستطع عنه الدفاع مرازبه

وكر على أبناء جفنةَ كرةً

سقاهم بها كأسًا ذعافًا مشاربه

وأعظم من هذا وذاك مصيبةً

قضى النحب فيها المصطفى وأقاربه

هم الأسوة العظمى لمن ذاق غصةً

من الدهر أو من أجرضته نوائبه

(1) يفرخ: يذهب ويزيل.

ص: 165

بني قاسم إن كان أودعتم الثرى

أبا طرزت برد المعالي مناقبه

فخلوا الهوينا واجعلوا الرأي واحدًا

فيخشاكم نائي البلاد وصاقبه

وألقوا مقاليد الأمور لما جد

أخي ثقة قد أحلمته تجاربه

بعيد الذي لا يدرك النبث (1) غوره

أبي على الأعداء محض ضرائبه

أبا حمد لولاك كان مصابه

على الناس ليلًا لا تجلي غياهبه

سقى الله قبرًا ضم أعظم قاسم

من العفو شؤبوب رواه سحائبه

وثن إلهي بالصلاة على الذي

سمت في مقامات الكمال مراتبه

كذا الآل والأصحاب ما ناح طائرٌ

بأفنان ودح تستميل ذوائبه

ورثاه أيضًا شاعرنا المذكور بأخرى تذكر مطلعًا وهي قوله:

ترى من حنيني كان شدو الحمائم

ومن أدمعي كان استقاء الغمائم

فلا غروان انطلقت بالشجو صامتًا

وأبكيت حتى راتعات السوائم

فقد جل هذا الخطب متى تدكدكت

لموقعه شم الجبال المعالم

وحتى هوى بدر الدجنة واكتست

له ظلمة زهر النجوم العوائم

لعمرك ما يوم قصى فيه قاسم

على الناس الأمثل يوم التزاحم

مضى هضبة الدنيا وبدر دجاها

وفارسها المسشهور عند التصادم

ولا نطيل بذكرها فعلى من أحب مراجعتها أن ينظر في ديوان الناظم.

وفي أخر هذه السنة رجع الملك عبد العزيز إلى الرياض وذلك في وقت الخريف وقدم من البصرة عبد اللطيف باشا المنديل منتدبًا من الحكومة العثمانية للتوسط بالصلح بينها وبين فاتح الإحساء، فقبل عبد العزيز التوسط وأجّل النظر في المسألة إلى الربيع.

وكان ابن سعود كبير القلب واسع النظر عظيم الاطلاع، فأخذ يفكر فيما يبيتون له من الكيد وما ينصبون له من الأشراك، لأنه لما انتصر عليهم واستخلص الإحساء من براثنهم وانتزع نفوذهم من تلك الجهد أيقن بأن تركيا سوف لا تسكت عن حربه ولا تدعه وشأنه، لا سيما وقد كان لا يزال لها في الحجاز قوة

(1) النبث: الحفر.

ص: 166