الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر واقعة الجهراء
وذلك لأنه لما جرت تلك الصدمة من الإخوان على الكويتيين لما جاروا عليهم، زحف ابن سعود إلى الأحساء على أثرها ليكون على قرب من تلك المقاطعة، ولما أن بلغه خبر مغزى ضاري ودعيج وتذامر بيت آل رشيد مع آل صباح على عشائر، أرسل إلى فيصل الدويش يأمره بإنجاد أهل قرية، فقام الدويش على حسب تدابير صاحب الجلالة وسار في آخر السنة الماضية، ولكن دعيجًا وضاريًا اختلفا في الطريق على القيادة، فلم يهاجما أحدًا بل عادا إلى الجهراء، فتعقبهما الدويش ونزل الصبيحية، فعلم سالم بن صباح بذلك وسارع بنفسه إلى الجهراء بخمسمائة مقاتل من أهل الكويت، فزحف الدويش من الصبيحية بإخوانه وكان عددهم أربعة آلاف مقاتل فيهم خسمائة خيال وكانت هذه الحملة لا بأس بها في القوة.
أما سالم بن صباح فبلغ جيشه نحو ثلاثة آلاف مقاتل ووزع هذه القوات كلها من الرجال والخيالة في حصون الجهراء وبساتينها، فعند ذلك جاء الإخوان من الجنوب الشرقي فأشرفوا على الجهراء، وكان ذلك في 26 محرم، أشرفوا من رأس منحدر لا صخرة فيه ولا شجرة، وجاءوا على عادتهم في الصباح كالسيل المنهمر إلى البساتين تحت وابل من الرصاص، فكانت بنادق المدافعين المتحصنين تحصدهم بالعشرات والمئات وهم يتقدمون مستبسلين مستشهدين، فكانت ملحمة كبرى وموتًا أحمر على جيوش ابن صباح.
ولما رأوا الأقدام والجراءة فرَّ من نجا منهم، ودخل الإخوان الجهراء واستولوا عليها وعلى حصونها، أولئك الإخوان الذين فضلهم لا ينكر وبسالتهم لا تزال على المدى تذكر، يشهد لهم التاريخ بالمقامات الدينية والمجاهدات الإسلامية، فكان الواحد منهم يلقي نفسه بجحيم الوغى ولا يحجم، ويخوض بحار الموت ولا يهاب اللقاء والموت، فتقهقر الأمير سالم بقوة جيشه إلى قصر هناك خارج البلد شرقًا منها فتعقبه الدويش وحاصره فيه يومين كانا شبه هدنة للمفاوضات.
وكان الإخوان في جهادهم إذ ذاك ليس لهم قصد سوى أن يدين الناس وينقادوا للإسلام، وتكون كلمة الله هي العليا على حسب اجتهادهم، وما ترشدهم إليه أفهامهم، فخدعهم سالم لما قالوا له كن معنا ومنا، كن موحدًا ونظف بيتك من الشرك والمنكرات، فلك ما لنا وعليك ما علينا، فراغ روغان الثعلب وأجاب الدويش وإخوانه بقوله: وهل يرفض مثل هذه النعمة إلا الأحمق، إني والله منكم خيال التوحيد أخو من أطاع الله، ولكن في بيتي ما يقتضي رجوعي إليه قبل أن أجيئكم، انتظروني في الصبيحية، فصدقه الدويش وقفل راجعًا إلى الصبيحية بعد أن قتل من رجاله خمسمائة.
ولكن بالنسبة إلى أن تدين الكويت ويدين صاحبها ليس الخمسمائة الذين بهم من رجاله بشيء، وبذلك تعلم حسن نية الأخوان وسلامة قلوبهم.
أما أهل الكويت فقتل منه ثلاثمائة مقاتل، ولما أن وصل سالم بن صباح إلى الكويت طلب من الإنكليز أن يحموا بلاده وإلا فإنه سيقبل شروط الإخوان، وبدأت المفاوضات البرقية بين الكويت وأبي شهر، ثم بين حكومة الهند ولندن، واستمرت ثلاثة أيام بينما كان الدويش وإخوانه ينتظرون توبة سالم وأصحابه، فجزع خلالها الدويش وهو ينتظر سالمًا في الصبيحية يقدم إليه بطاعة أهل الكويت وإسلامهم، فأرسل وفدًا من قبله إلى الأخ سالم فتمارض ولم يقابله، ثم جاء الجواب من الحكومة البريطانية ومع ثلاثة مراكب حربية، فرست في مياه الكويت وشرعت في الليل تطلق الأسهم النارية تهويلًا وترويعًا، فلما كان من الغد وصلت طائرتان من العراق فشفي سالم بن صباح من مرضه إذ ذاك وقابل وفد أخيه الدويش في مجلس رسمي حضره الوكيل البريطاني الماجرمور الذي هم بمخاطبة الإخوان، فسمع جوابًا أقنعه في الحال، وكان كلامه في مخاطبته لوفد الدويش أن قال:
الشيخ سالم صديق لدولة بريطانيا البهية وأنتم جئتم تحاربونه بدون أمر من ابن سعود، فقال رئيس الوفد: ما جئنا إلا بأمره، وهو أيضًا صديقكم، تالله أن هذا الجواب لمن الأجوبة المسكنة، فسكت الوكيل، وأرسل كتابًا إلى الدويش وفيه أن
حكومة بريطانيا العظمى باسطة على الكويت حمايتها وأن من يحاولون الهجوم عليها يعرضون أنفسهم لضرب الطائرات والمراكب الحربية.
من فيصل بن سلطان الدويش، إلى سالم الصباح سلمنا الله وإياه من الكذب والبهتان وأجار المسلمين يوم الفزع الأكبر من الخزي والخزلان: أما بعد فمن يوم جاءنا ابن سلمان يقول إنك عاهدته على الإسلام والمتابعة لا مجرد الدعوى والانتساب كففنا عن قصرك بعدما خرب، وأمرنا برد جيش ابن سعود على أمل أن ندرك منك المقصود، فلما علمنا أنك خدعتنا آمنا بالله وتوكلنا عليه، يروى عن عمر أنه قال:(من خدعنا بالله انخدعنا له) فنحن بيض وجوهنا، نرجو الله أن يهديك أو يسلطنا عليك إيها نعبد وإيه نستعين.
تالله إنها لحالة عجيبة من الدويش وإخوان في اتحداعهم لذلك الماكر، ولكن لا عجب منهم، وقد قال الشيخ حمد بن مزيد قصيدة في هذا الموضوع ذكر فيها ما من الله به من الفتح وهزيمة صاحب الكويت وخذلانه سالم بن صباح ومن معه من الأوباش المعتدين على يدي الأمير فيصل الدويش ومن معه من إخوانه المهاجرين حين سيرهم لحربهم الإمام عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل حفظه الله وأيده، وكانت تلك منقبةً عليا لفيصل الدويش لو دام عليها وعلى جهاده وطلبه الحق، ولكنه صارم عراه الانثلام، وقد أطال ابن مزيد بمديحه والثناء عليه بالشجاعة والشهامة، ثم إنه بعد تلك الواقعة قام أحمد الجابر ابن أخي سالم و (كاسب بن خزعل) أمير المحمرة يفاوضان ابن سعود بالصلح، وتوفى الأمير سالم بعدها ببضعة أشهر وكانت وفاته في 17 جمادى الثانية 1339 هـ، ثم تولى إمارة الكويت بعده أحمد الجابر وتحسنت العلاقات بينه وبين ابن سعود فكان في غنى عن وفد يصالحه مع ابن سعود لكمال سياسته.
وفيها في 18 من رجب وفاة الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف رحمه الله وعفا عنه وبوأه في الجنة منزلًا ومقيلًا، وهذه ترجمته:
هو الإمام العالم العلامة الحبر السميدع، علم الأعلام وهادي الآنام، البحر