الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوالي في الحميدية بجانب الحرم الشريف، وقد بنتها الدولة العثمانية مقرًا لمن تبعثه من الولاة.
أما عمل الشريف فإنه يكاد ينحصر في شؤون البدو وما إليهم، ولكنه بحسب قوة الشريف يتدخل في الأمور النظامية أو بعضها خصوصًا إذا كان الوالي من قبل الدولة ضعيفًا فترى الشريف يتدخل بما ليس من وظيفته، وهذا على حسب الأشراف، ولقد نشأ من تغالب هاتين السلطتين متاعب كثيرة للدولة والأهالي وضاع بسببه أموال كثيرة وحقوق ليست بقليلة، فإنه لا يمكن أن تصلح بلد فيها سلطتان تسير كل واحدة إلى جهة وتحاول كل منهما التغلب على الأخرى، ولكل واحدة منهما من القوة ما يغريها ويحملها على المشاكسة، وإذا كان الأمر كذلك فهل يخفى أن الحسين لما فطر عليه من النصرة العربية يكون أشد الأمراء الأشراف مشاكسةً ومعاكسةً للوالي التركي، فالله المستعان.
ذكر ابن سعود ودخول بريدة في ولايته للمرة الثانية
ففي هذه السنة عاد صاحب الجلالة عبد العزيز بن عبد الرحمن بعد ما تمت المعاهدة بينه وبين سعود بن حمود بن رشيد إلى البكيرية، فعسكر فيها وسار بنفسه إلى عنيزة يريد استرجاع بريدة وما قطع اليأس منها، وجعل يستطلع الأخبار، فأخبر أن أهل بريدة مستعدون الاستعداد التام هذه المرة وكانوا صادقين وعازمين على الهجوم، ذلك لأنهم قد ملوا إمارة آل أبي الخيل وانتقدوا فعلهم، فبادر عبد العزيز إلى حصانه وعدا به عائدًا إلى البكيرية، فقطع مسافة خمس ساعات في ساعتين ونصف وأمر عند وصوله بالزحف السريع إلى بريدة، فزحف الجيش في ذلك النهار إلى أن وصل حوالي بريدة عند غروب الشمس فنزل موضعًا على مسافة أربعين دقيقة شمالًا عنها، وأين الرجال؟ أين المستعدون للحرب؟ الحق يقال أن السيادة كل السيادة فيها لمحمد بن عبد الله أبي الخيل.
فقام أعضاء أهل بريدة ورؤسائهم وهم الذين بيدهم الضبط والربط يرأسهم
محمد بن عبد الرحمن بن شريدة وعبد الكريم بن ناصر آل جربوع وآل مبارك وآل رشودي فبعثوا إليه في موضعه ذلك الذي يعرف بالحسيانة رجلًا على خفية يدعى بعبد الكريم بن عبيد الملقب "قني" تصغير قنو، وكان هذا الرجل عارفًا بالأمور وذا تجربة، أضف إلى ذلك أنه من أهل القافة، وبعثوا معه بكتاب فيه المعاهدة على السمع والطاعة والنصرة وضربوا له موعدًا وهو الباب الشمالي لسور البلد مما يليه، على أنه إذا قدم بعد صلاة العشاء الآخرة يجد البلد مفتوحًا، ولما أن أراد الخروج رسول القوم وأجري عليه التفتيش من رجال أبي الخيل لأنهم لا يذرون داخلًا ولا خارجًا إلا أجري عليه ذلك، كان قد احتاط للمسألة وجعل الكتاب بين أطباق نعله وخرز عليه، وأقبل يحمل على عضده حزمة من البرسيم، فكلمه الغبي يقوله: ألق الحزمة وأخرج ما في جيبك، فلما لم يقعوا على شيء تركوه وشأنه، ولما قرب من ساحة ابن سعود ضحك منه وتكلم قائلًا: أبشير أم نذير.
ولما دعى بالسكين ليشق النعل ويخرج الكتاب كثر ضحك ابن سعود منه، وبعدما قرأ الكتاب لم يكلفهم غير فتح الباب.
ثم إنه جمع رجاله ليلة الدخول الموافقة 20 من ربيع الآخر، فتكلم قائلًا: أين الرجال الطيبون؟ فسكت القوم لا يعلمون قصده فأعادهم يقول: أين الذين يستحيون؟ أين أهل الأنفة والشمية؟ فقام عشرة، فأعاد مقالته فتقدم الجيش كله، فأمر سريتين بالتقدم إلى البلد إذا ما فتح الباب، فيسيرون إلى البيوت التي كانت قريبًا من القصر الذي فيه أبو الخيل فيحتلونها.
وحينما دخل الناس في صلاة العشاء الآخرة إذا برجال البلد يتقدمون لفتح الباب على رأسهم الشهم محمد بن عبد الرحمن بن شريدة، فكلم البواب بقوله: أفتح الباب لننظر في مدينتنا، ولما أصرَّ على عناد قبض عليه وأخذ المفتاح منه ففتحوا، ودخلت السريتان وقدرها ثلاثمائة، فاحتلت البيوت ووقف صاحب الجلالة بالباب، ثم أرسل فرقة عددها خمسمائة مقاتل لتحتل أبراج السور القريبة منه.