الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولما أن أراد الشريف الحسين من الأمة الحجازية أن تبايعه فكر في أي لقب يلقب نفسه به، أملكًا على العرب، أم ملكًا على الحجاز، أم خليفة للمسلمين، فقرر وأيد على ملك العرب فأوعز إلى مندوبه بمصر إذ ذاك "محمَّد شريف الفاروقي" أن يجسّ نبض الحلفاء في الاعتراف له بملك العرب، فأخبره مندوبه باقتناعهم عن الموافقة بهذا اللقب الذي يشمل بظاهره جميع العرب في عدن، واليمن وتونس والجزائر ونجد والعراق وفارس ومصر، وخلافه من بلاد العرب وخشي الحلفاء من الاعتراف بملكيته على جميع مستعمراتهم العربية، وأن يكون متابعة للحسين هذا من جهة.
ومن جهة أخرى فنهضته لم تسر جميع المسلمين ولا العرب، فاعتراف الحلفاء له بذلك يغضب المسلمين وربما يقع ما يقع ولكنهم اعترفوا للحسين بملك الحجاز فقط واستقلاله ليس إلا.
ولما لم توافق الحلفاء على طلبه بقي يلقب نفسه به في كتبه ومجالسه وتلقبه جريدة القبلة وأنجاله والأشراف حتى غضب لذلك سلطان نجد.
ذكر توتر العلاقات بين ابن سعود وبين الشريف
ولما حصل التتويج والمبايعة للحسين هللت جريدة القبلة، وازدهت بتلقيب الشريف حسين صاحب الجلالة العظمى ملك العرب، ولما هللت الجريدة بهذا اللقب ستبشر به غلاة القومية، وزعماء النهضة ولسان حالهم يقول هو ذا الزعيم الأكبر هو ذا المنقذ الأعظم ولكنه ما كاد ينتشر هذا اللقب حتى جاءت الأنباء من الأحلاف أنها اعترفت بالحسين ملكًا على الحجاز فقط، والمانع من ذلك ما تقدم، وأيضًا فإن صاحب الجلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل غضب لذلك لأنه يدخل تحت هذا اللقب فخابر الحكومة الإنكليزية بصفتها حليفة الاثنين بان تمنع الحسين عن قصده وإلا أدى ذلك إلى مالًا خير في عقباه ففعلًا خابرت الحسين ومنعته عن تسمية نفسه بذلك "أعني أمير المؤمنين وملك العرب" فبدأت فكرته تهبط وأخذ عن هذا اللقب.
ولما أن جاءت في هذه السنة هدايا الشريف لابن سعود كالتي قبلها بلغت هذه المرة قريبًا من خمسة عشر ألف جنيه استراب لذلك ابن سعود وعقد مجلسًا عاليًا دعى إليه حضرة والده الإِمام عبد الرحمن ورئيس قضاة نجد الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف وغيرهما من الأكابر والرؤساء وأطلعهم على الأمر، وقال إذا كان القصد من إرسال هذا الذهب المساعدة في الحرب فالقصد محقق لأني أمرت أهل نجد خصوصًا أهل القصيم وعتيبة وحرب بمساعدة الشريف، وأمرتهم بأن لا يتعدي أحد منهم على من أراد أن ينضم إلى جيش الحجاز، فتكلم الإِمام عبد الرحمن قائلًا: لو كان الشريف يبغي المساعدة فقط لكتب إلينا بذلك ولست أرى في قصده غير الخوف من أن نغتنم فرصة قيامه على الترك فنحمل عليه فأراد في إرسال الذهب تسكينًا، وقد كان الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف من هذا الرأي فقال: عبد العزيز يمكن ذلك، وإنني سأكتب إليه فأتحقق الأمر فإذا كان يريد المساعدة وهو صادق في عمله وقوله ساعدناه بأكثر مما تقدم، وإذا كان له قصد آخر انتبهنا إليه، يا حضرة والدي إننا وإياك في هذه الحروب وثمرتها لنا ولك فقد مشت عرباننا وعشائرنا عملًا بأوامرنا إلى مساعدتكم ولكني أبغي أكثر من ذلك، وإني مستعد أن أرسل إليك أحد أخواتي أو أولادي ليحارب مع أولادكم، وفي ذلك الفوز الأكبر إن شاء الله، قد يكون حدث بيننا وبينكم سوء تفاهم في الماضي فلا بد إذن من التفاهم والتأمينات وذلك بأن تحدد الحدود بيننا وبينكم فتزول الشكوك وتتضاعف من أهل نجد المساعدات.
فلما أن وصل هذا الكتاب إلى صاحب الجلالة قام يذيع في جريدة القبلة وفي الديوان الهاشمي فسمع صوته في نجد، وكان من جوابه قال: إنك سكران يا ابن سعود أو مجنون، أفلا تعلم لأي أمر قمنا وأي غرض نبغي، فكتب عبد العزيز إلى الوكيل البريطاني في البصرة يطلب الاجتماع به في العاجل، فاجتمعا في العقير وبعد أن أطلع السر برسي كوكس على كتاب الحسين قال له الوكيل: لا تكترث به نحن ضامنون استقلالك ونتعهد بأن لا يتعدى عليك الشريف أو غيره، وأنت تعلم أن
آية حركة على الشريف اليوم هي علينا ومساعدة لأعدائنا وأعدائك، وقد ألح ابن سعود عليه في هذا الاجتماع أن يعطيه جوابًا قاطعًا لأن لا يكون بينه وبين الشريف محاربةً، فوعده بأمرين:
أولهما: أن لا يتدخل الشريف في شؤون نجد.
الثاني: أن لا يتكلم باسم العرب.
تعهد السر برسي كوكس لابن سعود بذلك، ثم إنه دعى عبد العزيز لزيارة البصرة فلبى عبد العزيز الدعوة وعرج في طريقه على الكويت ليعزي آل صباح بوفاة كبيرهم الشيخ مبارك، ثم إنه جاء وفود الإنكليز والعرب وذلك لأن الشريف لما رفعته الإنكليز إلى هذه الغاية وأمدته بالأسلحة والذخائر والأموال وقلدوه الخلافة سولت نفسه أن العرب كالخاتم بيده، وأن وعود بريطانيا له كانت لا يغيرها شيء، لم يحط علمًا بأنها جعلته لها يدًا تضرب به أعدائها، فإذا حصلت على أمرها أتت علي بن يانه من أسه فسقط عليه، لهذه الرفعة التي حصلت له، كان لا يرى ابن سعود ولا يعده إلا أنه أمير يجب أن يخضع للجلالة الهاشمية، وإذا تحدث عنه قال إنه أمير من الدرجة الخامسة لما يجده لأهل نجد من الكره الموروث، فبسبب ذلك ثارت كوامن الساكنات، وقام لا يريد مفاوضة بين الإنكليز وبين ابن سعود، على أن الإنكليز أهمهم أمران، حربي وسياسي، أما السياسي: ففي الحجاز، وأما الحربي ففي العراق، فجاءت الوفود البريطانية وقدم المستر ستورس ورفيقه المستر هوغرث إلى جدة ليسافرا من قبل المعتمد البريطاني في القاهرة إلى الرياض عن طريق الحجاز فلم يأذن الشريف وادعى بعدم الأمن، وحقيقته أنه يخشى أن ترجح كفة النفوذ في الرياض، بل كان يخشى أن يكون اتفاق الإنكليز وابن سعود مضرًا بمصالحه أو مجحفًا باتفاقه معهم فلا يرضى لهذا بأي اتفاق يكون بينهم وبين أمير من أمراء العرب إلا بواسطته قائلًا: اتركوا لي ابن سعود فأنا أعالجه لخيركم وخير العرب.
وقد كان ابن سعود محافظًا على عهوده مع بريطانيا العظمى، غير أنه يخشى أن يكون بينها وبين خصمه اتفاق سري ملحق للمعاهدة يضربه ومصالحه، ولا
يستغرب هذا كما قدمنا، فهل يصلح رسل التوفيق ما أفسده عاقدوا المعاهدات.
فلما أغلق باب الطريق إلى ابن سعود مع الحجاز في وجه وقد القاهرة جاء الوفد الآخر من الطريق الثاني إلى الرياض.
وفيها أمر فخري باشا بوضع أساس النصب التذكاري، وكان موضعه بالمناخة جنوبي السبيل، تذكارًا لتولية الدولة العثمانية للشريف علي حيدر على إمارة مكة، وبينما كان العمال يحفرون لوضع الأساس هناك إذا انفتحت لهم هوة كشفت عن بيوت سقوفها تحت طبقة هذه الأرض، فنزلوا إليها ووجدوا فيها ثيابًا معلقة على حبال ومع بلاها، فإنها كانت محتفظه بهندامها متماسكة بحكم الرطوبة وعدم خلل الهواء للغرف الموجودة بها، ولكن بمجرد لمس العمال أيًا منها تناثرت كما تناثر الرماد وتساقطت تساقط الأجساد المحنطة إذا مستها يد، فدمروا البيوت وأشادوا عليه ابن اية التذكار، وقد دمرت هي أيضًا في عهد الحكومة الهاشمية، وقد جرى مثل هذه القصة منذ سنتين وكثيرًا ما يوجد أسفل المدينة مدينة مدفونة إذا نقبت الأرض فيوجد آثار الأديار وأعمال الأولين.
وفيها عظم الإقبال والجد والاجتهاد في طلب العلم والدراسة والنشاط بين يدي الشيخ الفاضل عمر بن محمَّد بن سليم وآل الشيخ، واتسع نطاق العلم ونظمت القصائد في فوائد العلم وفضله وآدابه وأسبابه وموانعه، وكثرت المجاوبات عليها والمراسلات بينهم وذلك يدل على هممهم العالية ومطالبهم السامية، ويعد ذلك الوقت في القصيم عصر النهضة والتقدم والتعليم، وأولع الطلاب بدراسة القرآن وحفظه والبحث في مسائل العلم، وسهروا ليالي الشتاء، وضربت أباط الإبل إلى الرياض وبريدة وغيرها للأخذ عن الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف، وعن الشيخ عمر بن محمَّد بن سليم، وكان من الطلاب من يسافر راجلًا إذا لم يجد مركوبًا.
وفيها وفاة راشد بن سليمان أبو رقيبة من أهالي بريدة في القصيم وهذه ترجمته: