الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم دخلت سنة 1333 ه
ـ
ففيها وصل إلى جدة تجار ألمان أتوا من الصين الألمانية واي هاي واي، متنكرين باسم تجار يابانيين وعبروا مضيق ملقا إلى سواحل الهند فالبحر العربي فباب المندب فجدة ثم أرادوا الذهاب إلى سوريا فشرعت الحكومة تستعد لهم بقوة لتوصلهم وتحافظ عليهم ولكن الشريف على ما يقال حال دون ذلك وتعهد بإصالهم من قبله أناسًا ليكونوا أدلاء ورفقاء لهم ثم أوعز لقومه أن يقتلوهم عن بكرة أبيهم فقتلوهم بعد مغادرتهم لجدة بمراحل.
ذكر مساعي بريطانيا العظمى وقيامها ضد تركيا
فنقول قامت الإنكليز بما لديها من القدرة فاستمالت العرب إليها بالسياسة والأطماع والمكر والخديعة وبذلت الأصفر الرنان لأمراء الأتراك ومنتهم بوعودها فخانت الأمراء والوزراء دولتها ما عدا ابن رشيد فإنه لا يزال على ولاء الأتراك.
ولما انضم العرب إلى الحلفاء وكان في صفها روسيا قامت بريطانيا تستقرض من اليهود والأمريكيين لأن أمريكا كانت إذ ذاك على الحياد، فدفع اليهود قرضًا سمينًا للإنكليز ووعدتها وعدًا عرف بوعد بلفور نتيجته أن يعطي اليهود مقابل ذلك القرض سكنى فلسطين، ولقد أخطأت بريطانيا بهذا الوعد وظلمت العرب مساكنهم، ثم أنها شرعت الإنكليز في مفاوضة الشريف على أن الأتراك يفاوضونه لأنهم في ريب منه.
مفاوضة الفريقين للشريف
بينما كان الملك حسين بن علي الشريف في ظهر يوم من الأيام على المائدة في الطائف عنده ابناه عبد الله، وزيد، دخل الحاجب يقول غريب في الباب يبغي سيدنا وكان هذا الغريب رسولًا خفيًا جاء إلى الحجاز متذرعًا بالحج وهو يحمل إلى الشريف سرًا من مندوب بريطانيا العظمى في مصر "اللورد كتشن" دعوة للانضمام
إلى مصاف الأحلاف فأبى يومئذ الشريف ثم كتب إليه "السير هنري مكماهون" في الموضوع نفسه فتردد وتودد، وكان لا يزال محافظًا على ولائه للعرش العثماني مع أنه لم يحضر إلى المدينة للسلام على أنور وجمال عندما زاراها في هذه السنة، وقد كان نصح للأتراك أن لا يدخلوا في الحرب العظمى ولكنه بعد دخولهم عرض عليهم المساعدة بشروط منها: العفو عن المسجونين السياسيين في سوريا والعراق وإعطاء البلدين نوعًا من الاستقلال أي إنشاء حكم لا مركزي فيهما وعندما رفض الترك طلبه وألحوا عليه رغم ذلك بالتجنيد في الحجاز ذهب إلى قرية خارج مكة يعتزل السياسة إلى حين ثم حدثت الفظائع في سوريا وعلى رأسها شنق أحرار العرب فأثارت غضب الشريف فكتب إلى جمال باشا الذي هو أحد رجال الدولة العثمانية وأحد نقبائها يحتج على أعماله القاسية فأجابه جمال أن يتقي بنفسه بدل أن يدافع عن سواه، ثم كان يفاوض الإنكليز ليتفق معهم ويفاوض أيضًا الأتراك على السوية بل أنه كان يترقب الفرص ليثور على الأتراك ويستقل بالحجاز، ثم أنه أرسل بعض المتطوعين إلى المدينة المنورة وطلب من جمال باشا إرسال المال والسلاح لمساعدة المتطوعين فجاءه من الدولة ستون ألف جنيه، وعلى أثر ذلك أبرق الحسين إلى أنور باشا يقول له إذا كنت حقًا ترغب في إلزامي لجانب الهدوء والسكينة فينبغي الاعتراف باستقلالي في سائر الحجاز من تبوك إلى مكة وجعلي أميرًا وراثيًا فيها كما ينبغي أيضًا العدول عن محاكمة العرب المتهمين وإعلان العفو العام في سوريا والعراق فأرسل أنور باشا هذه البرقية إلى جمال باشا، فكتب جمال للحسين لقد نمى إلى خبر برقيتك إلى أنور باشا فأنت تطلب أن تكون الإمارة وراثية في أسرتك وأن يمنح أشخاص عديدون العفو الشاهاني بعد أن قامت البراهين على خيانتهم للوطن والملة، وليس من المستطاع إجابة هذا الطلب الثاني ولا أدى ذلك إلى ضرر شديد في مسألة لها تعلق وارتباط بالمصلحة العامة فإن الحكومة التي تصفح عن الخونة خليقة بأن يتهمها الجمهور بالضعف بل قد يغري ذلك الصفح كثيرًا من الناس بالخيانة وطعن الدولة والملة طعنة نجلاء فلو عرفت محتويات الوثائق التي ظهرت في المحكمة لرأيت إلى أي حد من الخيانة قد تسفل إليه أولئك المتهمون.
أما فيما يختص بمسألة جعل الإمارة وراثية في أسرتك فإني يخيل لي وأظنك تسامحني في ذلك الرأي لأن الفرصة ليست مناسبة للمطالبة بذلك الطلب فإني في وقت الحرب الذي تتعرض فيه كل قوى الإنسان العقلية والجسمية لأشد العناء والنصب أراك تعترف بأن الإعراب عن مثل تلك الرغبات من شخص يشغل مركز إمام وفي أهم بقعة من بقاع الدولة العثمانية بقعة هي أكثر تعرضًا للأخطار عما عداها لا بد أن يكون له أسوء وقع في نفوس الجمهور والذي اعتقده أنه ما كان ينبغي لك أن تطلب مثل ذلك الطلب حتى لو كان لك الحق في طلبه وذكر أن الهم ينبغي صرفه إلى جهة واحدة وهي إحراز النصر في تلك الحرب وأشار إلى أن دخول الدولة في تلك الحرب لمصلحة العالم الإسلامي.
ثم بعد شهر جاء رد الشريف الحسين على البرقية وفيها:
إن جواب جمال باشا وقع في نفس الشريف أسوء وقع؛ وأرسل إلى الصدر الأعظم جوابًا يقول فيه أنه لا يعرف أي الرجلين يصدق أهذا السياسي الذي يتعامل معه مباشرة ولطالما أظهر له المجاملة والود، أم ذاك الذي استعمل معه ألفاظًا جارحة مهينة فهو يرى نفسه مضطرًا إلى قطع العلاقات مع الحكومة حتى تجاب المطالب التي طلبها من أنور باشا منذ شهرين، وأيضًا أرسل إلى جمال باشا برقية بهذا المعنى، هذا ما دار بين الحسين وتركيا وما حصل بينه وبين جمال باشا الحازم الذكي.
وإليك ما دار بين الشريف وبين بريطانيا العظمى من المفاوضات فنقول:
انتخبت الإنكليز لمفاوضة الشريف وضمه إليها أحد رجالها، وتشير إلى تلويحة هنا قليلة بأن بريطانيا وقفت برجال من قومها مخلصين مهذبين يكدحون لمصالح الدولة ويسهرون لها ويبذلون النفس والنفيس في رضا حكومتهم وإن قضى ذلك بهلاك ذاتهم وما تنهض الأمة إلا برجال قدراء وقواد مثقفين محنكين شذبتهم التجارب وفطروا على نجاح الطلب والتضحية بالنفوس في سبيل الحكومة ولولا