الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاستيلاء على المواقع التركية صبر إلى أن سلمت جدة ثم طلب من الإنكليز إرسال جنود مصرية فأرسلت له ووصلت مكة فتوالي الضرب من الطرفين، وكان القصر الهاشمي مرمى قذائف الأتراك وقنابلهم، وكان الشريف لشجاعته ثابت الجنان في قصره لا يبالي، وقد أصيبت الكعبة المعظمة ببعض القذائف لوقوعها أمام موقع من المواقع الهاشمية، ثم سقطت آخر المواقع وهي ثكنة أجياد في 9 رمضان صباحًا في الساعة الرابعة، ولما سقطت هجم البدو وبعض من الأهالي على القلعة وقتلوا طبجنها وكل من فيها، وذهبوا إلى محلات الأتراك العمومية والخصوصية فنهبوا ما فيها من أثاث وأموال وغيرها.
أما الطائف فكان فيه الأمير عبد الله بن الحسين مقيمًا قبيل الحركة بأيام فجاءته التعاليم من أبيه أن يخرج ويقيم في جبالها، فخرج قبل الحركة بثلاثة أيام ثم زحف يوم الثورة إلى الطائف بجنود من البدو، ومن حضر لديه من والده من الجنود المصرية التي بعثتها بريطانيا امتثالًا لأمره، فحاصر عبد الله الطائف وضيق عليها.
وبما أن في الطائف عددًا من الجنود التركية والضباط ما ليس بهيّن، فقد امتد الحصار بين أقدام وأحجام حتى نفدت الأرزاق من يد الأتراك بعد دفاع أربعة أشهر من ابتداء الثورة إلى يوم الاثنين الموافق 26 من ذي القعدة، فسلمت ثم أرسلت الجنود التركية مع والي الحجاز غالب باشا إلى جدة فركبوا على ظهر إحدى البواخر لنقلهم إلى معتقلتهم، ولما سلمت تلك المذكورات نزلت بحارة الإنكليز مطمئنة آمنة.
ذكر الحرب في المدينة والسواحل
لما قام الحسين بنهضته في جدة ومكة والطائف تقدم أبناء علي وفيصل لمهاجمة المدينة، فوجدوا فخري باشا قد استعد اللقاء استعدادًا مهما فوقعت بين الطرفين مواقع ارتد فيها جيش الشريف مرات عديدات، حتى أن الجيش التركي في بعض الوقعات طاردهم حتى أوصلهم إلى ينبع النخل، ولولا قنابل مدافع المدرعات الإنكليزية التي كانت راسية في هذا الميناء ومالها من شدة التدمير لقضى على الجيش الهاشمي، ثم إنه امتد الحرب والضرب بين الفريقين ثلاث
سنين، وسبب ذلك أن حامية المدينة بقيادة فخري باشا وما أدراك ما فخري باشا، إنه رجلٌ من رجال تركيا، قائد عظيم لا يستهان بحقه، وقد استطاع بما معه من الحامية أن يصابر جيش الشريف كل هذه الثلاث سنين بدون كلل ولا ملل، مع أن جيش الشريف كان به من الجنود المصرية والمغربية والضباط الإنكليز والفرنسيين وغيرهم عدد غير قليل، وكان مجهزًا بأقصى ما يمكن من مدافع الحصار ومعدات الحرب العتيدة، ومع أن جيش الشريف كان قد قطع سكة الحديد التي مدت منها إلى الشام حتى انقطع ورود الأرزاق والأقوات والسلاح والمدد عن المدينة بتاتًا، فإن فخري باشا حين رأى ذلك وأن الأرزاق قوإنقطع موردها وأيقن بإصرار جيش الحسين بمساعدة الحلفاء على فتح المدينة والاستيلاء عليها مع ما حل بالأتراك في مكة وجدة والطائف، أصرَّ هو كل الإصرار على الدفاع إلى آخر لحظة من حياتهم، وناهيك به من شهم همام غير أنه لا يستطيع أن يسد مجرى السيول في عباءته.
ولما رأى خطر المجاعة المهلكة محدقًا بالمدينة ومن فيها من جيش وأهالي أخذ يخفف وطأة المجاعة بترحيل الأهالي منها، وكان ذلك قبل أن يقطع الخط الحديدي فكان في كل يوم يقل القطار عددًا يذهبون إلى الشام مرةً ومرة يذهبون إلى العراق ومرةً إلى غير ذلك ولم يكن الجيش الهاشمي يتعرض لهم بل كان يترك القطار يذهب حيث يشاء إذا كان به من أهالي الحجاز الراحلين وقد ذهب بعضهم إلى مكة وغيرها من البلاد الحجازية حيث تشتت جميع أهل المدينة أي شتات، وكان هذا لا بد منه فرارًا من المجاعة التي خيمت على المدينة أثر الحصار فإن الأزواد والأقوات كانت قد فرغت من بيوت الأهالي ومن الأسواق وكان يوزع عليهم فخري باشا كل يوم شيئًا قليلًا، وقد مات بعض أهل المدينة جوعًا ولولا ما استعمله فخري من هذا الترحيل لكانت المصيبة أطم وأعظم.
ومع شدة الحصار وتضييقه فإنه ما كان يمنع فخري باشا من تعمير ما كان يخرب من المنازل بضرب قنابل الجيش الهاشمي التي كانت تصب صبًا على
المدينة بعد أن عقدت الهدنة بين الحلفاء بثلاثة أشهر، وبعد حرب دامت ثلاث سنين كتب فيها لفخري باشا صحيفة من الشجاعة والثبات لا تمحى مدى الأيام ولا تنسى إلى آخر الدهر.
أما السواحل الحجازية فقد سلم أغلبها أو كلها على أثر سقوط جدة بعضها سلمًا والبعض الآخر بعد حرب بسيط، ومما هو جدير بالذكر أنه قد اشتركت الطائرات في حرب المدينة وأكثر السواحل وذلك أن تركيا بعثت طائرات قوادها ألمان ونمساويون فقابلهم الشريف بمثلها استمد الحلفاء فأمدوه بطائرات يقودها ضباط إنكليز.
وقد تعدى الألمان والنمساويون والإنكليز حدود الحرم وخالف بذلك قواد الأتراك نصوص الشرع الإِسلامي الذي يحضر على غير المسلم فعله وهو مجاوزة هذه الحدود وكانت تركيا هي السبب في ذلك.
وكانت المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام قبل هذه الحرب العامة خير بلاد الحجاز، وأكثرها عناية والتفاتا من الدولة العثمانية وملوكها وأفرادها فقد وصلت بالشام في سكة الحديد التي تقدم ذكرها، وكان لهذه السكة شأن كبير جدًا في اتساع عمران المدينة المنورة بما سهلت من أسباب الرفاهية وركد العيش لأهلها بما كان يجري معها من الأرزاق والخيرات، حتى كثر المهاجرون إليها فأصبح عدد سكانها كبيرًا جدًا، والذي ساعد على ذلك قابلية المدينة بجوها المعتدل وكثرة مياهها العذبة وغير ذلك مما كان يدعو الأتراك إلى العناية بها، وقد فكروا إذ ذاك في جعل كلية علمية إسلامية بها لشباب الحجاز وغيرهم على أساس فكرة لوحدة إسلامية، ولما أوفدت جمعية الاتحاد لذلك وفدًا لارتياد المكان اللائق لبنائها جاء الوفد ووجد المكان وشرع في العمل وتأسيسها.
ولا ريب أنها لو كانت لانتفع بها الحجاز انتفاعًا عظيمًا، وقد حالت الحرب دون تنفيذ هذه الخطة، فتبين بهذا أن مركز المدينة المادي والأدبي كان يخالف بكثير جدًا مراكز البلاد الحجازية الأخرى بل لم يكن هناك نسبة تقريبًا فتبين بهذا السر في