الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكلمة، وكان لكل دولة أعوان وأنصار، ولأن كانت الدولة السعودية أيدها الله ومدّ في نصرها لها حق التقدم والولاية، فإن بهذه الفترة قد تحزب أحزاب لبيت آل رشيد يوالونهم ويخلصون في محبتهم من الأمراء والعلماء، ولهم أتباع وأصحاب يشدون أزرهم ويكثرون سوادهم، وهنا أيضًا منافقون يظهرون مالا يبطنون، ويتربصون الدوائر، وهنا أيضًا همج اتباع كل ناعق.
ولما أن جاءت استغاثة مبارك بن صباح بعبد العزيز بن عبد الرحمن يستنجده لأمر دهاه وخطبٌ حل به، ذلك لأن الدولة العثمانية قد حرضت على مبارك سعدون باشا رئيس قبائل المنتفق، وتد تفرق عنه أنصاره، أضف إلى ذلك حصر ابن رشيد له في الكويت، فلم يرى عبد العزيز بدا لما ذكر أيادي مبارك لديه وإيوائه لهم عنده في الكويت، فقام فزعًا بجيوش عظيمة وزحف بعشرة آلاف مقاتل لنجدة ابن صباح، فيا عجبًا من تقلب الدهر مبارك بالأمس ينجده بأربعين بعيرًا لفتح الرياض، فأصبح يطلب منه النجدة فأنجده بهذا الجيش العرمرم، وكان قد عزم عبد العزيز على أن يأتي بمن خلفوا في الكويت من أهليهم وأولادهم وذخائرهم إلى الرياض.
ولما أن زحف عبد العزيز بهذا الجيش إلى الكويت رحبت به الكويت وهللت له وأنظم منها إلى جيشه ما كان قد جنده الشيخ مبارك بقيادة ابنه جابر.
ثم خرج القائدان عبد العزيز وجابر غازيين طالبين ابن رشيد فانتهزها أهل النفاق والذين في قلوبهم مرض وبعثوا يخبرون ابن رشيد بخلو بلد الرياض من الجند ويستحثونه في القدوم وأن ينتهز الفرصة على حين غفلة من أهلها قد كان أن يكون ذلك لولا أن وقى الله المسلمين شره وردّه الله بغيظه، لم ينل خيرًا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويًا عزيزًا.
ذكر تقدم ابن رشيد إلى الرياض
لما زحف ابن سعود ورفيقه بذلك الجيش مؤلفًا من قبائل الإحساء كلها من العجمان وآل مرة وبني خالد وبني هاجر والعوازم والمناصير وسبيع والسهول، فتم
عدده أربع عشر ألف، منها أربعة آلاف خيال، توجه هذا الجيش إلى الحفر، غير أنهم أخبروا أن ابن رشيد قد عاد إلى بلاده، وكان هذا الخبر وافاهم في الطريق بين الكويت والحفر، فهجموا على مطير في الصمان فقتلوهم عن بكرة أبيهم وغنموا أموالهم وأرزاقهم كلها.
لكنه مع الأسف لم يعد ابن رشيد إلى بلاده ما هي إلا إشاعات وتعمية للأخبار، بل قد خدعهم وزحف إلى الرياض يريد احتلالها، فوا أسفا إن حلاوة هذا النصر لم تدم على ابن سعود وجابر بن صباح، فقد أتاهم الخبر اليقين، وعندما وصلوا إلى ماء طوال أن ابن رشيد قد خدعهم ومال إلى الرياض، وقد كان مرّ في مسيره بعربان من السهول فضربهم وضمهم إلى جيشه، ثم تقدم مسرعًا يريد أن يفاجيء العاصمة بالهجوم عليها ليلًا، ولما دنى من الرياض وعسكر عند جبل أبي مخروق دون أن يعلم بذلك أحد من أهلها، ثم مشى إليها وأصبح في ظلال نخيلها، عند ذلك شرد رجلٌ من السهول المكرهين ودخل البلد يصيح بالناس قائلًا: العدو بساحتكم ابن رشيد عند السور، فعند ذلك نهض عليه الإمام عبد الرحمن بن فيصل بأهل الرياض وخرجوا للدفاع، فنازلوا خارج السور، فرده الله خائبًا مدحورًا لم ينل طلبه، ثم إنه انتقل بعد ذلك من معسكره في أبي مخروق إلى نخيل يبعد مسافة ساعة عن الرياض، فأقام هناك ثلاثة أيام دون أن يأتي بحركة، وقد أنشأ الشيخ سليمان بن سحمان قصيدة يهنيء بها الإمام المكرم عبد الرحمن بن فيصل بما منَّ الله عليه به من النصر والظفر على هذا العدو في هذه المفاجئة التي حصلت ولم تكن في الحسبان:
لك الحمد اللهم يا واسع المجد
…
والله أولى بالجميل وبالحمد
لك الحمد يا حنان يا واسع العطاء
…
لك الحمد حمدًا ليس يحصى بلا حد
لقد منَّ مولانا علينا بلطفه
…
وإحسانه والله ذو المد والمجد
لقد جاءنا الأعداء على حين غفلةٍ
…
وفي هجعةٍ من أخر الليل بالجرد
على عدة منهم وشدة أهبةٍ
…
وغيظٌ وإيعاد عنيفٌ بما يرد
وما كان منا عالم بمجيئهم
…
إلينا ولكنا على أهبة تجدي
فجاء الطغاة المعتدون بخيلهم
…
وجندهم المخذول يمشي على وخد
إلى أن غشوا كل البلاد وأحدقوا
…
بإرجائها واستنجدوا كل ذي كمد
يريدون أن يسطون في البلد التي
…
أبى الله أن يسطو به غارة الضد
فنبهنا الله اللطيف بفضله
…
ورحمته حتى كانا على وعد
فثرنا كأسآد الشرى نبتغي الوغى
…
إلى السور والأبواب نعدو بلا عد
فلله من جندٍ أسودٍ ضراغم
…
يسومون في الهيجا نفوسًا بلا نقد
مساعير في الهيجاء مداعيس في الوغى
…
ليوث شرًا من طبعها الفتك بالضد
فلما استحس المعتدون بأننا
…
شعرنا بهم هابوا القدوم على الجند
ولو قدموا ألفوا رجالًا أعزةً
…
قد اعتقلوا بالسمهري وبالهند
وبالجميع حول السور دون نفوسهم
…
وأموالهم والمحصنات بما يرد
فولوا على الأعقاب لم يدركوا المنى
…
وصار لهم شأنٌ سوى مرتمى القصد
وهمتهم أخذ الحمير وما عسى
…
يكون لهم فيها من العز والحمد
وساورهم منا أناسٌ أماجد
…
قليلون كالآساد لكن بلا وعد
ومن غير أمر بالخروج إليهم
…
على أهبة تنكي العدو بما يرد
فسددهم ربي وأظفرهم بهم
…
وأجلوهمو منها على كثرة الجند
وفي قلةٍ منا وفي حين غفلةٍ
…
وعن كثرةٍ منهم على أهبة تحدي
فكر على الأعقاب نحو بنوده
…
وثقلته قد آب بالخزي والكمد
وقد قتلت أجناده وإصابةٍ
…
من العقر في الخيل المطهمة الجرد
بما فلّ منه الحد فانثل عرشه
…
وصار إلى إفساد زرع وفي وقد
فأخرج نحو المفسدين إمامنا
…
أناسٌ قليلًا يعتدون على الضد
فوافوهم قبل الغروب فأمطرو
…
عليهم بصوب المارتين التي ترد
فولوا على الأعقاب نحو خيامهم
…
وما أحد يلوي علي أحد يجدي
وقد قتلوا منهم أناسًا وأثروا
…
جراحًا كثيرًا فات عن حصرٍ ذي عد
وقد صح أن القتل من غير مريةٍ
…
ثلاثون نفسًا بل يزيدون في العد
فأصبح مرعوب الفؤاد مرزءا
…
وخالجه رعبٌ فآب علي كمد
وفرّ هزيمًا آخر الليل مجنبًا
…
كسيرًا ذليلًا خائب الظن والقصد
ثم أخذ في مدح الإمام عبد الرحمن بن فيصل وماله من المآثر، وقدم إليه بعض الآراء والنصح إلى أن قال مهنئًا لجلالة الملك عبد العزيز:
فمن مبلغ عبد العزيز وجنده
…
ومن معه أنا علونا على الضد
وما نال إلا الخزي والعار والردى
…
وولى على الأعقاب منكسر الحد
ليهنك يا عبد العزيز به الذي
…
قد اعتز أهل الدين من كل ذي رشد
وأكمد أكبادًا وأوهى ذوي الردى
…
ومن به المولى علينا من المجد
ونصر على الأعداء وهزم جنودهم
…
فما شمّر إلا عن الرشد في بعد
وما شمر إلا عِدَاةُ ذوي الهدى
…
وأنصار أعداء الهدي وذوي الجحد
فسر نحو أعداء الشريعة قاصدًا
…
بهمتك العليا ولا تأل في الجهد
إلى شمّر أعداء دين محمد
…
... ذوي الغدر والمكر المجرد عن رشد
وجر عليهم جحفلًا بعد جحفلٍ
…
وأرهبهمو بالصافنات وبالجرد
فإنك منصورٌ عليهم مؤيد
…
وعندهمو من بأسك الخير المردي
ولما أن أقام بن رشيد في ذلك الموضع ثلاثة أيام بلغه أن عبد العزيز بن عبد الرحمن زاحف إلى القصيم، فطعن مسرعًا لما سمع بذلك وقصد ناحية الوشم عن طريق ضرمة.
وكان الإمام عبد الرحمن بن فيصل قد أرسل سريةً بقيادة مساعد بن سويلم، فاستولت على المحمل والشعيب ثم زحفت إلى شقرا، وكان فيها أمير لابن رشيد اسمه الصويغ، فلما دنا مساعد من البلد، فرّ الصويغ إلى ثرمدا هاربًا، فاستولى مساعد على شقراء برضاء من أهلها، ففي هذه السنة استولى ابن سعود عليها.
ولما أن فتحها مساعد زحف وهجم على ثرمدا، فأدرك الصويغ فيها فقتله وقبض على العنقري أمير ثرمدا، فارسله إلى الرياض.
ولما أن جرى من الأمير مساعد بن سويلم ما ذكر من هذه الشجاعة تعقبه ابن رشيد وهجم عليه في ثرمدا، فأخرجه منها وفرّ إلى شقراء فتحصن بها، ولكن ابن رشيد تقفاه أيضًا وحصره فيها، وكان الإمام عبد الرحمن بن فيصل لما كشف بأهل الرياض عبد العزيز بن رشيد، كتب إلى ابنه عبد العزيز يبشره بذلك فلم يشغر إلا بالبشير من جهة أبيه يخبره بهزيمة ابن رشيد عن الرياض، فاطمأن منه البال واهتم في نقل عائلتهم التي كانت لا تزال في الكويت، فعاد بها إلى نجد.
ولما أن وصل إلى العاصمة الرياض استراح بها يومًا واحدًا وزحف مسارعًا لنصرة الأمير مساعد بن سويلم لما أن علم أن ابن رشيد قد حصره في شقراء، لأن مساعد بن سويلم البطل الشجاع أصبح قد حصره ابن رشيد في شقراء، ولما أن سار صاحب الجلالة عبد العزيز وبلغ حريملا، علم الطاغية ابن رشيد بزحفه، فقفل إلى الغاط وفك الحصار عنها، ولكن عبد العزيز واصل الزحف إلى شقراء فاحتلها.
وكانت سرية ابن رشيد بقيادة حمد بن عسكر أمير المجمعة لا تزال في ثرمدا، فأرسل عليها صاحب الجلالة أميره القائد المحنك عبد الله بن جلوي، فلما جاءهم أعطاهم الأمان، فأبوا إلا القتال، فتقدم إليهم وضربهم ضربةً دحرتهم غير السرية فإنها تحصنت في القصر، فأمر القائد عبد الله بمهاجمتها ليلًا، فكانت النتيجة أن قتل منهم عدد وفرَّ الآخرون، وناهيك بعبد الله بن جلوي صرامةً وشجاعةً وجرأةً، فلما سلمت له ثرمدا رحل الأمير الشمّري عبد العزيز بن متعب بن رشيد من الغاط إلى القصيم، وكان الغاط من بلدان سدير يبعد عن المجمعة مسافة عشرين ميلًا.
ولما رحل ابن رشيد ترك سريتين في سدير، إحداهما في المجمعة والأخرى في الروضة، فأرسل الملك عبد العزيز إليهما سرية بقيادة خاله أحمد السديري، فنازلت السرية السعودية سرية الروضة فكسرتها واستولت على البلد ثم مشت في سدير ظافرة، فاستولت على بقية بلدانه ما عدا المجمعة فإنها حافظت على سيادة ابن رشيد، ودافعت دفاعًا شديدًا، ولكنه قنع ابن سعود بما حاز من النصر، فترك سريتين أخريين واحدة في الروضة والثانية في جلاجل، وأمر السديري في شقراء، ثم عاد إلى الرياض، وكل هذه الملاحم العظيمة في هذه السنة.