الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذلك لم تتقدم الشعوب ولم تتسع الممالك، نسأل الله تعالى أن يغيث الحكومات الإسلامية برجال الدين والقدرة والشجاعة والسياسة والنصح، وإني لآسف أن يكون للحكومات الأخرى رجال في هذه الصفة حافظوا على شرفهم وشخصياتهم ومقاماتهم وقانونهم ودستورهم ولا يشاركهم رجال حكوماتنا، فليس دستورهم القرآن وأمتهم العرب الذين تشهد لهم الأمم بالتقدم وشرف الدين وحسن الملبس وهو الصلاح والوفاء إذًا فنقول ندبت بريطانيا لمفاوضة الشريف ذلك الباقعة وهو "السير آرثر هنري مكماهون" الأتبع اللوذعي الساحر بفصاحته الماهرة له هامة عظيمة سبحان من وضعها على ذلك العنق الطويل.
ذكر النهضة العربية واتفاق الشريف مع الإنكليز
كتب الشريف هذه الاتفاقية المشتملة على خمسة بنود وبعث بها مع كتاب إلى مكماهون ليطلع عليها دولته وهذا نصها:
1 -
تتعهد بريطانيا العظمى بتشكيل حكومة عربية مستقلة بكل معاني الاستقلال في داخليتها وخارجيتها وتكون حدودها شرقًا من بحر خليج فارس ومن الغرب بحر القلزم والحدود المصرية والبحر الأبيض وشمالًا حدود ولاية حلب والموصل الشمالية إلى نهر الفرات ومجتمعة مع الدجلة إلى مصبها في بحر فارس ما عدى مستعمرة عدن فإنها خارجة عن هذه الحدود وتتعهد هذه الحكومة برعاية المعاهدات والمقاولات التي أجرتها بريطانيا العظمى مع أي شخص كان من العرب في داخل هذه الحدود بأنها تحل في محلها في رعاية وصيانة تلك الحقوق وتلك الاتفاقيات مع أربابها أميرًا كان أو من الأفراد.
2 -
تتعهد بريطانيا العظمى بالمحافظة على هذه الحكومة وصيانتها من أي مداخلة كانت بأي صورة كانت في داخليتها وسلامة حدودها البرية والبحرية من أي تعد بأي شكل يكون حتى ولو وقع قيام داخلي من دسائس الأعداء أو من حسد بعض الأمراء فيه تساعد الحكومة المذكورة مادة ومعنى على دفع ذلك القيام
لحين اندفاعه وهذه المساعدة في القيامات والثورات الداخلية تكون مدتها محدودة أي لحين يتم للحكومة العربية المذكورة تشكيلاتها المادية.
3 -
تكون البصرة تحت أشغال العظمة البريطانية لحينما يتم للحكومة الجديدة المذكورة تشكيلاتها المادية ويعين من جانب تلك العظمة مبلغ من النقود يراعى فيه حال احتياج الحكومة العربية التي هي حكمها قاصرة في حضن بريطانية وتلك المبالغ تكون في مقابلة ذلك الأشغال.
4 -
تتعهد بريطانية العظمى بالقيام بكل ما تحتاجه ربيبتها الحكومة العربية من الأسلحة ومهماتها والذخائر والنقود مدة الحرب.
5 -
تتعهد بريطانية العظمى بقطع الخط من مرسين أو ما هو مناسب من النقط في تلك المنطقة لتخفيف وطأة الحرب عن البلاد ولعدم استعداها أهـ سنة 1333 هـ فأجابه مكماهون في 19 شوال منها بهذا الجواب:
إلى السيد الحسيب النسيب سلالة الأشراف وتاج الفخار وفرع الشجرة المحمدية والدوحة القرشية الأحمدية صاحب المقام الرفيع والمكانة السامية السيد ابن السيد الشريف ابن الشريف السيد الجليل المبجل ذو الدولة الشريف حسين سيد الجميع أمير مكة المكرمة قبلة العالمين ومحيط رحال المؤمنين الطائعين عمت بركته الناس أجمعين:
ثم شرع في كلام حلو لطيف يسبي عقول الأذكياء وأطال ثم ذكر أن مصالح العرب نفس مصالح الإنكليز والعكس بالعكس وذكر رغبتها في استقلال بلاد العرب وسكانها وأن جلالة ملك بريطانيا العظمى رحب باسترداد الخلافة إلى يد عربي صميم من فروع تلك الدولة النبوية.
ثم قال أما من خصوص مسألة الحدود والتخوم فالمفاوضة فيها تظهر أنها سابقة لأوانها وتصرف الأوقات سدى في مثل هذه التفاصيل في حالة أن الحرب دائرة رحاها ولأن الأتراك لا يزالون محتلين لأغلب تلك الجهات احتلالًا فعليًا وعلى الأخص ما علمناه وهو مما يدهش ويحزن أن فريقًا من العرب القاطنين تلك
الجهات نفسها قد غفل وأهمل هذه الفرصة الثمينة التي ليس أعظم منها وبدل إقدام ذلك الفريق على مساعدتنا نراه قد مد يد المساعدة إلى الألمان والأتراك، نعم مد يد المساعدة لذلك السلاب النهاب وهو الألمان وذلك الظالم العسوف وهو الأتراك ومع ذلك فأنا على كمال الاستعداد لأن نرسل إلى ساحة دولة السيد الجليل ما للبلاد العربية المقدسة والعرب الكرام من الحبوب والصدقات المقررة من البلاد المصرية، وستصل بمجرد إشارة سيادتكم وفي المكان الذي تعينونه، وقد علمنا الترتيبات اللازمة لمساعدة رسولكم في جميع سفراته إلينا، ونحن على الدوام معكم قلبًا وقالبًا ومستنشقين رائحة محبتكم الزكية ومستوثقين بعرى محبتكم الخالصة سائلين الله سبحانه وتعالى دوام حسن العلائق بيننا، وفي الختام أرفع إلى تلك السدة العليا كامل تحياتي وسلامي وفائق احترامي.
المخلص السير آرثر مكماهون
نائب جلالة الملك بمصر
ثم أجابه الحسين الشريف على هذا الكتاب بكتاب مؤرخ في 29 شوال يلح فيه بقبول تلك الحدود المعينة في الاتفاقية، فأجابه في 15 ذي الحجة بكتاب أشد لهجة من الأول وأعذب، وقال بعد الديباجة المفعمة والألفاظ التي بالمسك مضمخة إني قد أسرعت في بلاغ حكومة بريطانيا العظمى مضمون كتابكم وأجابه إلى كل ما طلب سوى تعديلات يسيرة، وتلطف وأطال بالمديح والثناء العجيب، ثم قال بعد ذلك: وفي الختام أرفع إلى دولة الشريف ذي الحسب المنيف والأمير الجليل كامل تحياتي وخالص مودتي، وأعرب عن محبتي له ولجميع أفراد أسرته الكريمة راجيًا من ذي الجلال أن يوفقنا جميعًا لما فيه خير العالم وصالح الشعوب أنه بيده مفاتيح الأمر يحركها كيف يشاء، ونسأله تعالى حسن الختام والسلام.
نائب جلالة الملك السير آرثر مكماهون
فردَّ الحسين على هذا الكتاب بأنه يعترف بأن الولايتين مرسين وأضنة لستا داخليتين في حدود البلاد العربية التي تطلبها، وقبل تأجيل البحث في ولايتي حلب وبيروت إلى ما بعد الحرب.
ولا غرو ولا بدع للشريف بن علي إذا أنتفخ من هذه التعطفات وامتلأت نفسه عجبًا، وكان عظيم الاستبداد بالأمر دون الوالي التركي حتى كان لا يترك واحدًا من الأهالي يتقاضى في قليل أو كثير إلا عنده سواء في ذلك الأحوال الشخصية والحقوق المدنية، وكان مع هذا يوعز إلى أعيان الحجاز الذين استولى على قلوبهم بدهائه، وما كان يظهره لهم من التحبب والعطف والتواضع أن يكتبوا للدولة بالشكايات من الولاة الأتراك، وأن يفتروا عليهم أمورًا لم تكن، ولقد ساعد الحسين على هذه المشاكسة ضعف الكثير من الولاة الأتراك الذين كانت تبعثهم الدولة العثمانية غافلةً عن ضخامة المركز الذي سيشغله وحروجته وشدة حاجته إلى رجل باقعة في السياسة، صلب العود شديد البطش، يستطيع أن يوقف كل معتدٍ عند حده، بل غفلت الدولة عن كل هذا، فكانت تبعث كل عام من الولاة من يمثل ضعف العزيمة والخور، فما يلبث أن تبث الشكايات فيه بالحق والباطل، فيذهب ويجيء غيره، وهكذا إلى أن وقفت الدولة لرجل جمع صفات الولاية ومؤهلاتها من سياسة إلى ذكاء وفطنة إلى حب للخير، وعطف على الناس إلى شجاعة وقوة عزيمة وصرامة، رأي ذلك هو "وهيب باشا" الرجل الذي بيض بالحجاز وجه الدولة، ونال بحق إعجاب عقلاء الحجازيين، ولكنه مع الأسف جاء والخرق كان واسعًا والشريف كان ذا عصبية لا يستهان بها، فأخذ وهيب يعمل بجد وهمة لا يفتر على تحسين مركزه والضرب على يد العابثين، فكانت حرب عنيفة بين الحسين وبينه غبارها مرةً يعلو ومرةً يهبط، ونارها مرةً تصل إلى عنان السماء ومرةً تخبو، حتى كادت تؤدي إلى استعمال السلاح والتقاء الجيوش، ومن كان له أنفةً وشيمةً فلا يرضى لنفسه بالدنايا ولا يدع حقوقه تمتهن، ويسكن غبار تلك المشاغبات سياسة وهيب وحكمته، وما كان وهيب باشا يقرب من الغاية، حتى جاءت الحرب العالمية التي نحن بصددها، فغيرت مجرى الحوادث، ودبرَّ الحسين ما دبره، وذهب وهيب باشا إلى المدينة من متطوعي الحجاز، وأقام بمكة خلفه غالب باشا وانتهى الأمر بنهضه الحسين التي كان يمني العرب والحجاز بأنها ستنيلهم استقلالًا تامًا وتحررهم