الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما الإمارة فيها فإن ابن سعود بعدما أفادته التجارب ما كان ليؤمر فيها إلا رجلًا من أهل بيته، فجعل ابن عمه عبد الله بن جلوي أميرًا على بريدة، بل وعلى سائر مقاطعة القصيم وناهيك به عقلًا ورأيًا وشجاعةً وصرامةً، وشتت الله عز وجل آل مهنا.
وفيها وفاة مصطفى كامل. وفيها قتل أمير حائل سعود بن حمود آل رشيد، وكان قتله بمساعي آل سبهان بعدما حكم سنة وشهرين، قتل في الموضع الذي قتل فيه أخاه، وكان قد كثر منه الفتن والاضطرابات ونكث العهد.
ثم تولى الإمارة بعده في حائل آل سبهان، وبعث الأمير بوفد إلى ابن سعود، وقد قتل سعود هذا والأمور مائجة، وإنما تولى آل سبهان الإمارة لسعود بن عبد العزيز بن متعب بن رشيد الذي فر به أخواله عن آل عبيد.
ذكر قتل داعية الضلال عبد الله بن عمرو آل رشيد
وذلك بأن هذا الرجل كان لا يزال والعياذ بالله يسعى في الفتنة وله مؤامرات ضد آل سليم وآل الشيخ محمد بن عبد الوهاب، فشاءت الإرادة الإلهية والقدرة الربانية أن يحمل من بريدة إلى الرياض فقتل هناك.
وكان في بداية أمره عليه آثار الزهد والخمول ثم إنه اتصل بعباد القبور والأوثان وتربص بين أظهرهم، ثم قدم من تلك الأمصار يدخل بدعته وتشكيكه حتى اغتر به من قلَّ دينه وعلمه، فلا حيّاه الله ولا بياه.
وقد ألف العلماء كتبًا في الرد عليه كالشيخ سليمان بن سحمان وسما كتابه "الجيوش الربانية في كشف الشبه العمرية" وشتت الله عز وجل أهل الزيغ والريب بولاية آل سعود.
ثم دخلت سنة 1327 ه
ـ
وتسمى هذه السنة بسنة الجوع وذلك لأن الله تعالى أنزل بالمسلمين مسغبة عظيمة وجوعًا شديدًا، وقد ورد في بعض الآثار أن الله عز وجل إذا أراد الجوع
بأهل الأرض ينادي منادي: "يا أمعاء اتسعي ولا تشبعي" فعند ذلك لا ينفع الإنسان أكله، وهذا شيء مشاهد، فقد نقل لنا أن رجلًا استيقظ في جوف الليل فجعل يتضور من الجوع فأيقظ ابنته إلى جانبه في السطح وشكى إليها ما يجده من الجوع، فإذا بها أشد خمصًا منه فقاما لطبخ الطعام، ولما شرعا فيه أبصرا غالب البيوت قد أوقدت فيها النيران للطبخ وقد أصاب الأمة ما أصابه.
ونقل لي أن رجلًا اشترى إحدى عشرة وزنة من التمر، وخرج بها من البلد لعائلته التي تبعد عن المدينة بمسافة ساعة، فما وصلهم بشيء مما كان معه، ذلك بأنه جعل يمشي ويأكل فلم يبق معه شيء فحدثت بذلك بعض من أثق به مستبعدًا وقوعه، فقال هذا فلان لرجل سماه أنه أكل في ضحى يوم اثنتين وعشرين وزنة تمر.
واشتدت المسغبة حتى جعل الناس يأكلون الأعشاب والعظام والقد والنوى وغير ذلك، ونفدت الأطعمة حتى سقط الناس في الشوارع والأزقة موتى على وجه الأرض، وكان سعر البر يباع صاعان في ريال، وسعر التمر خمس وزنات بريال فليس ذلك عن اشتداد مؤنة، غير أن الإنسان يأكل ولا يشبع فجعل الناس يموجون من الجوع ويتضاغون من حر المساغب.
وكان والدنا السعيد قدس الله روحه إذا خرج صباحًا إلى دكانه عجن الدقيق بالتمر وجعله لقمًا في زنبيل وفرقة على من يمر بهم في طريقه من الساقطين على وجه الأرض.
ونقل لنا عن رجل الخير والفضل محمد بن شريدة رئيس أعضاء أهالي بريدة أنه تصدق بكمية من التمر على فقراء أهالي بريدة إذ ذاك لا يقل ذلك القدر عن ثلاثة آلاف وزنة، ولما علم بذلك أخوه منصور شاركه وشاطره فيه يعني جعل الخارج على نفقتيهما جزاهما الله خيرًا.
وفيها حصلت مفاوضات بين ابن سعود وبيت آل رشيد لكنها لم تسفر عن شيء يذكر لا سلم ولا عن شبه سلم، فاستؤنف القتال بين الفريقين، فخرج
صاحب حائل ونزل الشعبية وأغار على قبيلة من مطير التابعة لابن سعود فقتل رئيسها وأصاب منه مغنمًا، فخرج الإمام عبد العزيز في طلب الخصم على ذلك الماء فلم يجده فأغار على قبائل حرب وشمّر وغنم أموالهم ثم رجع إلى الشعبية فأقام هناك يومًا يخمس الأخماس وقسم الغنائم.
فلما أن علم ابن سبهان بوجود ابن سعود في الشعبية زحف إليه، فعلم ابن سعود بزحفة فمشى حتى وصل وقت غروب الشمس إلى مكان في النفود يدعى الأشعلي، فنزله وشرع يتأهب للحرب، فأخرج البدو من المعسكر وأبعدهم عنه وأخرج الحضر إلى رأس النفود فتحصنوا فيها، فأمست الخيام خالية ثم أمر ألا تعقل الإبل التي غنموها من شمّر وحرب في هذه الوقعة والقصد في هذا لأن الطمع غريزة البدو فإذا سمعت الإبل إطلاق الرصاص فرت لأنها لم تعقل فيتبعها بوادي العدو ليغنموها، فلما انتصف الليل هجم صاحب حائل وما علم بما نصب له من الحبائل فقصد الخيام الخالية وأطلق الرصاص ففرت الإبل وذهبت ذخيرة العدو سدى، فلحقت بادية العدو تلك الإبل التي شردت، وكذلك أيضًا شردت بادية ابن سعود تحت جناح الليل والظلام، فلم يبقَ في الجيشين سوى الحضر.
فأرسل ابن سعود سرية لمناوشة من هجموا على الخيام، ثم بعد المناوشة أمرهم أن ينسحبوا، ففعلت فظن العدو أن ابن سعود معها وقد انهزم وأنى هيهات أنه ورجاله كانوا كامنين في رأس النفود.
فلما كان عند انفجار الصبح يوم 5 ربيع الأول أغار ومن معه على العدو، فكانت واقعة الأشعلي المشهورة، كان فيها النصر المبين لابن سعود، وخسر صاحب حائل عددًا كبيرًا من الرجال والرحال هناك ونكب بضربة تقهقر فيها ومن معه فارين إلى الشعيبية.
ثم عاد ابن سعود بعدها بحاضرته إلى قبة وكانت بواديه قد شردت، ثم إنها حصلت بعد الواقعة هدنة بين الفريقين سببها قلة الأمطار والضيق،