الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأبن سعود، فوافق في هذه السنة قلة أمطار وقحط، فضاق العيش جدًا بسكان الزلفي، ولحق الضيق بالجيش حتى كانوا يأكلون جمار النخيل، فلم يمكن السير إلى بريدة لقلة الزاد والركائب، مع أنه ليس في الطريق بلد يأوون إليه، أضف إلى ذلك أن ابن رشيد له الاستيلاء على القصيم أجمع، فماذا عسى أن يفعل ابن سعود.
ولما أن أصبحت الأمور كما ذكر، كتب عبد العزيز بن عبد الرحمن إلى بعض المواليين له في القصيم يطلب منهم أن يؤلفوا سريات تهجم على بعض البلدان تمهيدًا لدخوله، تفتح له الباب، فلم تتفق المسألة لصعوبة ذلك، فلما تيقن ابن سعود أنه لا يستطيع الهجوم ولا البقاء في الزلفي، اقتضى رأيه الميمون أن يعود إلى الرياض، أما ابن رشيد فإنه رحل من القصيم قاصدًا البطين لعله أن يظفر هناك ببعض عربان ابن سعود، فأقام على ذلك عشرة أيام يفكر في الوسيلة لقطع دابر الخصم، وما أحسن ما قيل في مثل حالته وأشباهها والأمثال تضرب للناس:
فوا أسفًا أن لا حياة لذيذةً
…
ولا عمل يرضى به الله صالحٌ
"بيان" إذا أطلقت السرية فإنها من المائة إلى خمسمائة خيال، والجيش إذا أطلق ما كان أكثر من ذلك، وكذلك إذا أطلق على الأمير الشيخ فإنهم يطلقون ذلك على من كان حاكم في البلد وله السلطة عليها، فكان شيخ الكويت مبارك بن صباح وشيخ قطر قاسم بن ثاني وشيخ المحمرة خزعل بن مرداو وشيخ البحرين عيسى آل خليفة وشيخ نجد عبد العزيز بن عبد الرحمن، ثم إنهم جعلوا يطلقون على عبد العزيز لفظة الشيوخ.
ذكر ذهاب ابن رشيد إلى الدولة العثمانية يجرّها على المسلمين سنة 1321 ه
ـ
لما رأى عبد العزيز بن متعب أمور ابن سعود قد نجحت واستصعب عليه أمره، والتفت عليه عشائر نجد، لم يجد مندوحة عن الألتجاء إلى الدولة العثمانية يستنجدها عليه، فأجمع أمره واستعد لحفظ القصيم، فأرسل أربعمائة
من رجاله بقيادة ماجد بن حمود بن رشيد إلى جهة عنيزة، فارسل ثلاثمائة من رجاله بقيادة حسين بن جراد إلى السر وحفظ بريدة بأميره عبد الرحمن بن ضبعان، وأمر حسين بن جراد أن يثبت بسريته في الوشم.
ولما أن ضبط القصيم حف أمراءه بالأجناد والأرزاق والذخيرة وشجعهم على الثبات حتى يأتيهم بالعساكر العثمانية.
ثم إنه انحدر في 10 ذي الحجة إلى أطراف العراق ليستفز شمرًا ويستنجد الأتراك هناك، ولما وصل إلى ساحة بغداد بث رسله إلى باشاتها، فاستجاشها وأثارها بالبخاشيش، فأمدوه بالأجناد وعزموا على نجدته بعساكره مباشرةً ليس إلا، فعند ذلك انتهز الإمام عبد الرحمن بن فيصل هذه الفرصة وأمر ابنه العظيم عبد العزيز بن عبد الرحمن أن يغير بالجنود الحنيفية والجيوش الإسلامية على حسين بن جراد ومن معه من أولئك الأجناد، ومن اجتمع من حرب وسائر الأمداد، فزحف صاحب الجلالة وواصل السير في السرى، فالتقى بحسين بن جراد في موضع السر يوم 18 ذي الحجة، ففلّ عليه الراية المنصورة، كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما خاض حضين بن المنذر براية رسول الله صلى الله عليه وسلم السوداء التي كان يستصحبها الصحابة في غزواتهم:
لمن رايةً سوداء بخفق ظلها
…
إذا قيل قدمها حضين (1) تقدما
ويقدمها في الموت حتى يزيرها
…
حياض المنايا تقطر الموت والدما
فأخذهم الله عز وجل وقتل منهم مقتلة عظيمة، وقتل حسين بن جراد وأكثر من معه، وغنم عبد العزيز أموالهم وركابهم كلها، وتدعى هذه بوقعة جراد، وكان من نتائجها أنها قسمت قبيلة حرب القيمة بين السر والقصيم، فانحاز منها قسم كثير إلى ابن سعود بعدما كانت كلها تابعة لابن رشيد.
(1) حضين بالضاد المعجمة.
ولما أباد الله خصراهم، قال الشيخ سليمان بن سحمان هذه القصيدة تهنئةً للظافر عبد العزيز بن عبد الرحمن:
معالي الأمور الساميات المعالم
…
لأهل التقى والجود أهل المكارم
وبالحزم للأعداء وبالعزم في الوغى
…
تنال العلى بالمرهفات الصوارم
وكل معالي الخلتين أخذتها
…
ونلت ذراها في الخطوب العظائم
وقد فقت أبناء الملوك جميعهم
…
بجدٍ وإقدام بكل الملاحم
يلاحظك الإسعاد أين تيممت
…
بنودك لا يثنيك لومات لائم
وما قصرت أعداك في الحزم والدها
…
وتقليبهم أفكارهم للمصادم
وقد جمعوا جيشًا لهامًا عرمرما
…
وصالوا به واستنجدوا كل ظالم
ولكن دهاهم من دهائك فتكة
…
بفتيان صدقٍ كالأسود الضراغم
وحسن رجاء الله فيما ترومه
…
بحزمٍ وعزمٍ والوفاء الملازم
وصدقٌ وتدبيرٌ وحسن طويةٍ
…
حللت به فوق السهى والنعائم
ولاحظك الإقبال والعز فاستما
…
لك النصر والإسعاف بين العوالم
وحلّ بهم ما حل بالناس قبلهم
…
قديمًا من الإدبار عند الملاحم
لأمر قضاه الله جل جلاله .... وليس لأمرٍ حمه من مصادم
فسرت إليهم بالجيوش تقودها
…
لنفجأهم في غرةٍ بالضياغم
لعمري لقد كانوا ليوثًا لدى الوغا
…
وليس لهم عند اللقاء من مقاوم
أبدت بها خضراهم فتمزقوا
…
أيادي سبا واستأصلت كل غاشم
وولت على الأعقاب حربٌ وما أرعوت
…
ولكنهم باءوا بشر الهزائم
وحالت على أبناء حائل وقعةٌ
…
أبحت بها خضراهمو بالصوارم
وقد غودروا في فيضة السر جثما
…
طعام سباعٍ والنسور الحوائم
ووالله ما من وقعةٍ قبلها أتت
…
عليهم فقد باءوا بإحدى القواصم
وأخرى ستدهاهم بها وتسومهم
…
وتفجاهم فيها بأسدٍ ضياغم
يسومون في الهبجاء نفوسًا عزيزةً
…
وترخص منهم في حضور المواسم
وتستأصل الأعدا بها وتسومهم
…
بها الخسف والإذلال سوم البهائم