الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بنو القطيعة ها هم قطعوا سبلًا
…
فاقتل وصلب كما قد قال قرآن
كسر أنوفًا من الإعجاب قد شمخت
…
كما تكسر أصنام وأوثان
بالقتل والأسر والتشريد عاملهم
…
ما للصنيع مع الفجار ميدان
أعدَّ لهم ملحًا مع طبعةٍ سلفت
…
حتى يكونوا كأن القوم ما كانوا
لا تبق مصاص ثدي منهم أبدًا
…
كي لا تثور من الكبريت نيران
شردّ بهم من بهجرٍ من بواديها
…
فهم أناسٌ لأهل البغي أوثان
لا يسكنون بها ما دمت مالكها
…
فإنما وطن الأشرار نجران
يقول قائلهم فاتتكم رطبٌ
…
فابكوا وقد فاتكم خوخٌ ورمان
فلا يغرك من أبدا بشاشته
…
والقلب بالغش والبغضاء ملآن
مهلًا رويدًا بنوا السوآت فاتئدوا
…
حتى يصبحكم جيشٌ وفرسان
مع الهمام زكي الأصل يقدمهم
…
ليثٌ إذا ما التقى الأبطال غضبان
عبد العزيز الذي سارت فضائله
…
في الأفق غنى بها جمعٌ ووحدان
في فتيةٌ من بني الإِسلام قد عرفوا
…
في الحرب إن خالط الأقران أقران
كم وقعةٍ أوقعوها في عدوهم
…
يكاد من ذكرها ينهد ثهلان
فأصبح الملك للرحمن ثم له
…
والمسلمون له جندٌ وأعوان
الخ. وهي طويلة جميلة حذفنا باقيها خشية الإطالة.
ذكر التعريف بالعجمان
هم من قبائل اليمن من قحطان وينسبون إلى همدان وينتمون إلى مذكر بن أيام بن أصبا بن رافع بن مالك بن جشم بن خيوان بن نوق بن همدان يسكنون في الماضي نجران، ثم ارتحلوا شرقًا وهم قبيلة، ولما أن سكنوا نجدًا ما كان لهم في ذلك الوقت قوة يمتنعون بها، ولما كان في أيام تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود جعلوا ينافقون ويظهرون حلو الكلام فأحسن الإِمام إليهم وأنزلهم بلدة بني خالد وبعد هلاك الإمام تركي عاملهم نجله فيصل بمثل معاملة أبيه لهم فبطروا النعمة،
واستفحل أمرهم فصاروا يقطعون الطرق على السابلة والحجاج، وكان لهم صرامة وحميةً وعصبيةً يندر مثلها في العشائر وفيهم التقلب والغدر، عصوا الدولة العثمانية فتركتهم وشأنهم وكثيرًا ما كان عمالها في الحسا يشاركون رؤسائهم الغنائم ومع ذلك فقد كان الواحد منهم يسلب جندي الدولة فرسه ويدخل بها الحساء لينعلها، وعصوا مبارك بن صباح فحاربهم واسترضاهم وما تمكن لا من قهرهم ولا من ولائهم.
وكان من تمردهم أن نسوا معروف الإِمام تركي، وناصبوا ابنه فيصل بالعداوة، فسيّر إليهم نجله عبد الله فأوقع بهم في ملح، وكاد يفنيهم بعدها بعام في واقعة الطبعة بقرب كاظمة على خليج الكويت، ثم أجلاهم إلى نجران، وبعد ولايته واختلافه مع أخيه سعود ذهب سعود إلى نجران فاجتمعوا عليه وآزروه وجاءوا معه يناصرونه وليثأروا باسمه من عبد الله وقد قدمنا في موضعه وآخر أمرهم ووالوا ابن سعود ثم حالفوا عليه أبناء عمه العرائف، هذا مع أنهم أصغر القبائل عددًا فمقاتلتهم لا تبلغ خمسة آلاف مقاتل، وقد تفوقوا حتى نازعوا بني خالد الإمارة، كما قال الشاعر:
وقد قسموا الإحساء جهلًا بزعمهم
…
لعجمانهم شطر وللخالدي شطر
وكان لهم شدة بأس وعصبيةٌ يفنى بعضهم في سبيل بعض إذا سئل الواحد منهم أتقبل الخير من الله بنفسك يجيب قائلًا: لا أقبل خيرًا لا يكون للعجمان كافة.
ولقد جائهم ابن سعود بالخير العميم فرفضوه مرارًا بل امتشقوا الحسام عليه والتاريخ شاهد عليهم كما في جراب والإحساء، وسنذكر قصة فيما بعد ذلك في قتل ضيدان وما جرى منهم من إلقائهم أنفسهم إلى التهلكة في طلب ثأره.
ولما أن انتهت واقعة جراب عاد ابن سعود إلى القصيم، وعاد ابن رشيد إلى جبل شمّر فأدبَّ كل واحد من الأمير بن بادية الآخر، ووفق كل واحدٍ بمقصوده، ولكن ابن سعود لم يقتنع بما نال من البادية بل ذهب يطلب خصمه الذي قد رحل
برجاله إلى العراق، ثم عاد منه فلما كان ابن سعود بشقراء جاءه رسول من ابن رشيد يطلب الصلح والسلام فجددت المعاهدة السابقة.
ولما أن كان في ذلك اعتدى العجمان على عشائر ابن صباح فنهبوا مواشيهم، فكتب ابن صباح إلى عبد العزيز يشكوهم ويطلب منه تأديب المذنبين ورد المنهوبات، وكان مجيء الرسول إليه في شقراء أيضًا، فأرسل ابن سعود ابن عمه ناصر إلى الشيخ مبارك بكتاب يقول فيه: لست يا مبارك بصديق صدوق قد نالني من العجمان أكثر مما نالك فصبرت وتحملت، ونحن الآن في وقت القيظ ولا نتمكن من شدته أن نسير بجيش إلى ديرة العجمان، والأمر الثاني هو أني في ريب من صلح ابن رشيد فأخشى نكث العهد إذا أنا غادرت نجد ودخلت في حرب العجمان، والأمر الثالث نفقات هذه الحروب وقد تكاثرت علي فضاقت في سبيلها الأسباب، والأمر الرابع يا حضرة الوالد هو أني أخشى أن يلجأ العجمان بعد الحرب إليك فتنقلب علي كما فعلت يوم سعدون والظفير، ومن رأيي في حال العجمان أن تؤجل المسألة إلى فصل الصيف، فكتب مبارك إلى ولده عبد العزيز إن الأمر لا يؤجل ولا بد استرجاع المنهوبات فأجابه عبد العزيز قائلًا:
إن العجمان لا يرجعون ما ينهبون إلا مكرهين بحرب وعنف لأن مباركًا مسلفهم الإساءة، فإذا عزمت على محاربتهم تعطيني عهد الله وميثاقه أن تعينني بالمال والرجال وأن لا تسلك في سياستك معهم مسلكًا غير مسلكي، ولا تستقبلهم إذا لجأوا إليك ولا تتوسط بالصلح بيني وبينهم، ولما أن عاهده مبارك على ذلك بعهد الله وميثاقه مشى عبد العزيز بن عبد الرحمن إلى الحساء بفرقة صغيرة من الحضر والبدو في صيف هذا العام بشدة الحر القائظ، أضف إلى ذلك أنها على أثر واقعة جراب، فعلم العجمان بقدومه فرحلوا اتجاه قطر، فعندها حشد عبد العزيز بن عبد الرحمن جيشًا من أهل الحساء وزحف جنوبًا متقفيًا أثرهم، وقد كان لشدة الحر لا يستطاع المشي نهارًا فكيف بالقتال، ولم يكن لديهم رواحل لضعف الحال فأسروا ماشين حتى وصلوا موضعًا يسمى كنزان، وكان العدو معسكرًا فيه، أولئك العجمان فلا يستهان بشرهم.
ولما أن وصل ابن سعود بجنوده إلى ذلك الموضع كانت النخيل تبدوا في الليل كأبيات من الشعر فشرعوا يطلقون الرصاص عليها ظنًا منهم أنها العجمان، غير أن العجمان أخلدوا ورائها حتى أفرغ أهل الحساء ذخيرتهم على الأشجار، فخرجوا من مكامنهم والتقوا بابن سعود وذويه فهاجموهم من ورائهم، فتلاحم الفريقان واستمروا طيلة ذلك الليل الشديد الظلمة، فاختلط الحابل بالنابل، بل ظل أهل الإحساء يفتك بعضهم ببعض من شدة الظلمة فجرح صاحب الجلالة عبد العزيز، وقتل أخوه سعد بن عبد الرحمن رحمة الله تعالى عليه، وكان عمره حين قتل في السابعة عشرة، فدارت الدوائر على رجال ابن سعود وعادوا منهزمين إلى الحساء، وتقفاهم العجمان حتى نزلوا قرب الهفوف فحاصروها ثلاثة أشهر.
ولما رأى ابن سعود تفاقم الأمر بعث إلى والده ليستنفر أهل نجد، وبعث إلى الشيخ مبارك يستنجده أيضًا، فسارع أهل نجد تحت قيادة أخي الملك محمد بن عبد الرحمن، وقد انضم إليه سعود بن عبد العزيز العرافة وكان قد فرَّ قبل ذلك من الخرج إلى ابن رشيد وحارب معه في واقعة جراب، غير أنه لما رأى هذه المرة ابن عمه الملك عبد العزيز في تلك المحنة أخذته الحمية وعاد إليه تائبًا ومناصرًا وما أحسنها من حالة نسأل الله أن يلم شمل المسلمين ويعطف قلوب بعضهم على بعض، وما فازت أمة إلا بالتعاضد والتناصر والمساعدة كالبنيان يشد بعضه بعضًا، وما حدث الفشل والضعف إلا عن نتيجة التفرق والنزاع والتخاذل.
ولما أن علم العدو الألد ابن رشيد تحفز للوثوب ملقيًا بالعهود والصلح عرض الحائط ونكث العهد يريد احتلال بريدة، فزحف إليها ما دام ابن سعود منشغلًا بورطة العجمان، ولما أن زحف يريد بريدة، لم يعجب الشريف حسينًا عمل ابن رشيد هذه المرة، ذلك بأنه يريد الانضمام إلى الإنكليز، وابن رشيد كان حليف الأتراك فأرسل ابنه عبد الله لمضادة ابن رشيد، ولما علم ابن رشيد بزحف عبد الله بن الحسين ليصده رجع من أثناء الطريق مدحورًا، وعاد عبد الله بن الشريف إلى الحجاز مطمئن البال، ولما لم يأت من قبل مبارك بن صباح مدد بعث إليه ابن سعود ثانيًا يذكره العهد وما بينهما من المساعدة فجاءت منه نجدة صغيرة مجهزة تحت قيادة
ابنه سالم واثنين آخرين من أولاده، وكانت هذه القوة صغيرة لا تتجاوز مائة وخمسين رجلًا من الحضر ومائتين من البدو، ثم إنها قدمت الإحساء وانضموا إلى جيش ابن سعود، ثم إنه امتد حصار العجمان للهفوف ثلاثة أشهر مدة الصيف، والحقيقة أنهم نزلوا أماكن تكثر فيها الثمار وتتفجر الأنهار فلا يستطيع المهاجمون الوصول إليهم، فلما كان في آخر ذي القعدة رحلوا منها فتبعهم عبد العزيز وأمر أخاه محمد وسالم بن صباح وجنودهما أن يبقوا في مراكزهم وزحفوا ليلًا بفرقة من رجاله ومعهم بضعة مدافع، ومشوا على الأقدام لأن أكثر الإبل كانت قد أرسلها إلى نجد لقلة المرعى في الحساء، فأدركوا العجمان في وقت الصباح فنصبوا عليهم المدافع، ثم هموا بالهجوم، ولكن سارع أولئك العربان إلى ركائبهم ففروا عليها هاربين إلى جهة الكويت فلم يتمكن السعوديون من اللحاق بهم لقلة الركائب، ثم إنه عاد عبد العزيز إلى مقره وأمر أخاه وسالمًا حليفه بمطاردة العجمان، فجمع الاثنان رجالهما ومشوا كلهم طائعين متآلفين، ولكنه ما كان إلا قليل حتى تفرقوا، فلما أن أدركوا العجمان ظهرت خيانة آل صباح بأن هجروا حليفهم ابن سعود واتفقوا مع أولئك العشائر العاصية، وكان الباعث لذلك أن سالمًا لما اشتبك بالقتال مع العجمان نصرةً لابن سعود، وظهرت الفرصة للظافر انقلب سالم فجأةً فصالح العجمان وأعلن حمايتهم لكتاب جائه من قبل أبيه مبارك يؤتيه فيه ويقول: أرسلتك مراقبًا لا مقاتلًا.
ولما أن ظهرت تلك الخيانة من ابن صباح أرسل محمد بن عبد الرحمن إلى أخيه الملك يخبره أعمال ابن صباح ويستأذنه بالهجوم على العدوين ابن صباح والعجمان، فأجابه الملك بقوله: لا تفعل، كيف نكون حلفاء في أول النهار وأعداء في آخره، والناس لا يعرفون حقيقة الحال، ثم كتب عبد العزيز إلى الشيخ مبارك يشكو إليه خيانة سالم ويقول: لم أقدم على تأديبه إكرامًا لك، فأجابه الشيخ مبارك في كتاب يقول فيه بأن بينه وبين العجمان صداقة قديمة، وما طلبت منك أن تحاربهم بل أن تسترجع منهوباتي منهم، ما طلبت منك أن تطردهم من ديارهم، فلما قدم كتاب مبارك على الملك عبد العزيز وقرأه جعل يحتدم غيظًا وهتف يردد