الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لقد خاب أهل الظلم وانثل عرشهم
…
جميعًا وأعداء الشريعة إسحق
وأولاك ربي أنعمًا دام ظلها
…
عليك ولا لقيت ما كان يوبق
فأول رعاياك المساكين رأفةً
…
بشكرك والتمجيد يولوك ما بقوا
وكن شرسًا فظًا غليظًا لمن عتى
…
حليمًا رحيمًا نحو من كان يتقوا
صفوحًا عن الزلات للشرع تابعًا
…
ولا تصغ للنمام إذا يتشدق
ودم سالمًا تولى الجميل وتصطفي
…
كرائم أموال العداء وتمحو
وهاك على قدر الذكاء قصائدًا
…
فكفك بالجدواء للفقر تحلق
وختم نظامي بالصلاة مسلمًا
…
على المصطفى والآل ما ذر مشرق
وأصحابه والسالكين سبيله
…
مدى الدهر والأيام ما أخضر مورق
قد ذكرنا هزيمة سلطان بن رشيد وفراره إلى حائل، وكان قد ترك أخاه فيصلًا عونًا لأمير بريدة ومساعدًا، وأيضًا ليبعده عنه وعن حائل لأنه يود فراقه وإبعاده وما ذاك إلا لما بين آل رشيد من القطيعة للرحم وحب الرئاسة، فلا يسمح أحدهم للآخر بالإمارة، ولا انتهت هزيمة العدو وعاد من سلم من أهالي بريدة فارين إليها فزحف ابن سعود يتبع فلولهم.
ذكر واقعة السباخ
وسببها أن أهالي بريدة لما أسخطوا ابن سعود وقاموا ضده يقاتلون تحت راية ابن رشيد بإضلال أبي الخيل لهم كما هو معلوم انتصر ابن سعود عليهم وعلى الطاغية ابن رشيد الذي ما لعهد ولا ميثاق قيمة عنده أقبل ابن سعود بعد تلك الواقعة المتقدمة مغضبًا وحق له ذلك، فأغارت خيله على بريدة وغنمت المواشي التي خارج السور كلها، ثم إنه عاد ونزل في الزرقاء وكانت خبًا منخفضًا على مسافة ساعة من بريدة شمالًا بغرب، فأباح لعسكره القرى التي ساعدت أهل بريدة مجازاة لهم على نكثهم، فنبهت الجنود قرى بريد كالسباخ ورواق وخضيرا وخب القبر، وظل أهل بريدة فيها عشرين يومًا داخل البلد كأنهم في حصار، فلم يخرجوا لا موالين ولا محاربين، غير أن فريقًا منهم أرسلوا على خفية إلى ابن
سعود معذرين بأن أبا الخيل مستولي على البلد بمن معه من رجال ابن رشيد وأنه إذا انسحب يعنون ابن سعود من جوارها يكون لهم قدرة على أن ينهضوا على أميرهم ومن معه من شمّر، مع العلم بأن آل مهنا فيهم حقد على آل سعود، وقد ملّ أهل بريدة إمارتهم وظلمهم، ولكنهم في وقت الحال لا يستطيعون أن يقاوموا أميرهم ويتخلصوا منه فبهذا لا يعينون عدوه عليه، بل كانوا يومًا معه ويومًا عليه، وإذا كان الأمر كذلك فإنهم ظلوا حينًا يخدعون ابن رشيد إن خافوا منه، ويخدعون أميرهم، كذلك وحينا يخدعون ابن سعود، هذه خطة أهل بريدة في إمارة أبي الخيل، وليس هذا بعذر بل الواجب عليهم إذا ابتلاهم الله بأمراء يخرجون عن طاعة ولي الأمر ويتمردون عليه كما مر في كتابنا وقبله لا يلتفتون إلى معصية أميرهم للوالي بل ينفضون أيديهم منه ويقومون ضده ولا يكونوا مذبذبين، فلوا فعلوا ذلك ولا أقل من أن يكونوا على الحياد مع الأمير لاستفادوا راحة لأنفسهم وأمنا على أموالهم، كيف لا وفيهم إذ ذاك الوقت رجال أكفاء يستطيع واحدهم أن يكون باقعة يوقف كل معتد على حده، ولكن ما الحيلة وهم في طبائعهم وسبحيتهم على عدم الخلاف لمن تآمر عليهم، ومع الأسف لم يكونوا يعرفون الطريقة التي تصلح أمرهم مع الإمام الأعظم غير أنهم استفادوا ما ذكرنا في السنة الآتية وبيضوا وجوههم في معاملة ابن سعود وصلح أمرهم معه حتى حصلوا منه على غاية الثقة والولاء.
رجعنا إلى ما فعل بهم ابن سعود بعصيانهم وعلى نفسها تجني براقش.
فنقول: لما كانوا منه في شبه حصار قام من كان في بريدة من شمّر عائبين على سلطان بن رشيد في انهزامه وطلبوا منه أن يعود إلى بريدة فبادر الأمير سلطان وزحف من حائل حتى دخل بريدة ليلًا وأخذ وأبا الخيل يتبادلان الرأي فيها.
وعندما علم ابن سعود بقدومه مشى إلى عنيزة وتقدم منها حتى كان على قدر مسافة ساعة من بريدة، فالتف إليه عربانه الذي فروا فيما تقدم، وقد كان ابن رشيد في زحفه لمناصرة أهالي بريدة مرَّ في مسيره على رعاة لابن سعود، ففاجأهم خيله، فأخذتهم وغنمهم ابن رشيد.
ولما كان بعد غروب الشمس خرج رجل من بريدة لأن يقطف الرطب من نخل له في السباخ، فحينما صعدها إلى فرعها رأى النيران مشتعلة في العشاش قد أضرمها ابن سعود وجنوده، فأقبل منهزمًا إلى بريدة وأخبر أبا الخيل بذلك، فأمر على أهل البلد أن يسيروا آخر الليل إلى جهة باب البلد الجنوبي، فجعله لهم موعدًا، وبات يدور على الحصون والأبراج التي في سور البلد يحثهم على الثبات، وما زال كذلك من قديم في شدة الاحتفاظ.
ولما أن طلع الفجر خرج الناس على أهبة للقتال، فالتقى الجمعان في موضع يدعى سعة الله، قريب من البلد على قدر عشر دقائق، وحصل قتال شديد وجلاد أكيد، اشتركت فيه البدو، وكان لما هجم البدو احتاط لذلك ابن سعود وجعل الحضر في مؤخرهم ليمنعوهم من الفرار إذا أحسّوا بالهزيمة، أما الحضر فإنهم في الجيوش العربية كالجنود النظامية، وأما البدو فهم بدو وغزوهم وقتالهم ونصرتهم بل وكل أمرهم عجب، فلا إله إلا الله ما أعجب حالة البدو كما في كلام بعضهم يصف البدو أنهم كالقرلى أن رأى خيرًا تدلى أو رأى شر تعلى، وقد كان هذا المثل صادقًا عليهم، ومن عادتهم أن يجيئوا ويرحلوا ويحاربوا ويشردوا كما توحي إليهم طباعهم وترشدهم الحوادث.
فانهزم الإمام عبد العزيز وقتل من رجاله خمسة وأربعون مقاتلًا في مزارع السباخ وبين نخيلها، واستمر عبد العزيز في سيره جنوبًا حتى وصل إلى عنيزة، ثم نقل منها إلى البكيرية، ثم الحرس وجعل هناك يجند الجنود من الحضر، وتراجع أهل بريدة وقوم ابن رشيد وعاد سلطان إلى الجبل وترك أخاه فيصلًا أيضًا في بريدة ردئًا لأبي الخيل.
ولما بقي فيصل بن حمود عند الأمير محمد في بريدة جرى بينهما خلاف، فغضب فيصل وعاد إلى الجبل، ولما أن قدم على أخيه فيها أغضبه وساءه فعله، فبعثه بمهمة إلى الجوف وقصده بذلك إبعاده عنه، ثم إن ابن سعود نقل من الرس إلى جهة عنيية فنزل هناك في جبل يسمى سواج، وجعل يترقب الفرص للهجوم، وبينما هو كذلك علم باختلاف أبي الخيل وفيصل ابن رشيد واختلافه مع أخيه، فسارع إلى جبل شمّر،