الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكثرت المشاغب فلم يستطع أحد الفريقين مواصلة القتال، ولكن ابن سعود خرج من قبه غازيًا بعض عربانه العاصين في أعالي نجد على طريق المدينة، ثم عاد إلى القصيم.
ذكر إمارة بريدة وقضائها
قد ذكرنا: جعل ابن سعود في إمارة بريدة عبد الله بن جلوي.
وأما القاضي فقد بعث ابن سعود إليها قاضيًا وهو الشيخ عبد العزيز بن عبد الرحمن بن بشير، وكان عالمًا لا بأس به، غير أنه لا يعرف الرجال ولا يميز الناس، ومعرفة الناس أمر مهم يجب على القاضي، لأن من لا يعرف الناس يظن كل بيضاء شحمة وكل حمراء لحمة، حتى ذكر الإمام ابن بطة الحنبلي عن الإمام أحمد أنه قال: لا ينبغي للرجل أن ينصب نفسه للفتيا حتى يكون في خمس خصال، فذكر الخامسة معرفة الناس.
وهذا مما يدل على جلالة الإمام أحمد ومحله من العلم فإن معرفة الناس أصلًا عظيم، وإلا كان ما يفسد أكثر مما يصلح، فيتصور له الظالم بصورة المظلوم وعكسه، والمحق بصورة المبطل وعكسه، وراج عليه المكر والخداع والاحتيال وتصور له الزنديق في صورة الصديق، والكاذب في صورة الصادق، وليس كل مبطل ثوب زور تحتها الإثم والكذب والفجور، وهو لجهله بالناس وأحوالهم وعوائدهم وعرفياتهم لا يميز هذا من هذا.
وقد حصل بسبب عدم معرفة الناس شر كبير في قديم الدهر وحديثه.
أما ما كان من إمارة الشهم عبد الله بن جلوي، فأمر فوق ما يتصور وقد استطاع بفضل رأي وتدبير وصرامة وجرأة أن يسكن الأمور ويهدأ الأحوال ويقضي على الفتن.
وكان هو الذي باشر قتل عجلان في فتح الرياض، وأحد النقباء الذي اختارهم صاحب الجلالة لمعونته في فتحه وهو الذي سلمت مدينة عنيزة في فتحها لما جاء من قبل أبن سعود منجدًا، فسلمت في الحال لآل سليم أمراء ابن سعود.
رجعنا إلى غزوات الفاتح فنقول: لما عاد ابن سعود بعد واقعة الأشعلي إلى بريدة وضبط القصيم انحدر إلى الرياض، ولما أن كان قاب قوسين منها التقى برسول من أبيه يقول جنبوا جنبوا الفتنة مشتعلة في الحريق بين الهزازة.
وكان آل هزان هؤلاء من عنيزة وهم أقارب لآل سعود لكنهم بعيدون، وقد جرى في هذه الفتنة قتال هلك فيه بعضهم لأنه قد قتل بعضهم بعضًا، فأرسل الإمام عبد الرحمن بن فيصل سرية قبضت على القتلة الظالمين وسلمتهم إلى إخوان المقتولين فقتلوهم، ولم تخل الفتنة من مأرب سياسي، فعاد الهزازة بعد رجوع السرية يشعلون نار الفتنة، فاعتدوا على آل خثلان فذبحوا منهم شيخين طاعنين في السن ادعوا أنهما اشتركا في قتل أخيهم الكبير محماس، وأثار هذا الادعاء الكاذب، غضب الإمام عبد الرحمن، وحالما أقبل إلى الرياض صقر الجزيرة ومبيد العداء عبد العزيز بن عبد الرحمن، وجاءه رسولٌ من أبيه فرصة يومين ليزور أهله في العاصمة فكان ذلك.
فلما كان اليوم الثالث فزع إلى الحريق ودعا أهل الحريق إلى حكم الشرع، فأبى الهزازة أن ينقادوا للشرع، وحقيقة أمرهم أنهم لا يريدون الخضوع لحكم آل سعود، ثم إنه حصنم وتحصنوا، فحاصرهم عبد العزيز شهرين، وفي أثناء المدة يلح عليهم أن ينقادوا لحكم الشرع وهم متمردون وفي حصنهم ممتنعون، فلما أعذر منهم أراد أن يعمل بهم عملًا تنفر منه الطباع للبشرية ويعد في غير البلاد العربية كبيرًا.
وذنك بأنه أمر رجاله أن يحفروا نفقًا يوصلهم إلى الحصن، فباشروا ذلك، وكان طول النفق عندما تم أربعين باعًا ثم عزم على أن يشعل به البارود فينسف ذلك الحصن نسفًا.
وكان نساء المحصورين وأولادهم ساكنين فوق النفق، فأرسل عبد العزيز ينذرهم ويؤمنهم على حياتهم، ولكنهم أصروا على العصيان واستمروا متمردين، فأرسل إليهم رسولًا يقول: إذا لم تخرجوا نسائكم وأطفالكم فأنتم المسؤلون عن أرواحهم بين يدي الله غدًا، وكانوا في أول الأمر يظنون أن النفق صنعه تهويلًا، فلما تأكد الحقيقة وأنه قد أحاط بهم البلاء سلموا لتسليم عائلتهم.