الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر البدو والهجر
الهجر هي مساكن البدو التي أمرهم بلزومها الإِمام عبد العزيز بن عبد الرحمن، والداعي لذلك ثلاثة أمور هي: تعليم البدو الدين، ونفعهم بأرض يحرثونها، والاستيلاء عليهم، فباشر ابن سعود تلك المهمة للإصلاح الكبير، وكان يرسل المطاوعة إلى البادية ليعلموا أهلها التوحيد والفرائض وكان يعين بقعة من الأرض فيها ماء لقبيلة أو لفخذ منها فتنتقل إليها وتباشر بناية البيوت فيها ويساعدهم ماليًا في بناء البيوت الجديدة، ولقد كان ذلك صعبًا على البدو إذ من المعلوم أن رزق البدوي أباعره فما زالت عنده لا تزال البادية تستغويه فيروح في ساعات الضمير طالبًا الرزق حلالًا وحرامًا غز وَا أو غيره فلذلك جبر البدو على بيع جمالهم وألزمهم ليعيشوا كالحاضرة.
فيا عجبًا لأمر البدو وحيث لا يستريحون ولا يريحون فما مثلهم إلا كالسراب يلوح للظمآن ولقد قال الله عز وجل فيما نزل: {الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ الله عَلَى رَسُولِهِ} ، فقد كان البدو منذ القدم غزاة عصاة عتاة ولهم غريزة دينية غذتها الخرافات ومطامع تكاد تنحصر بالأقوات ولكنهم في طاعتهم وإخلاصهم وجهادهم وولائهم لا يحتملون فوق طاقتهم يحاربون ويشدون ويخونون ويغدرون وهم وإن غلوا في دينهم فإن ردتهم سريعة، دعاهم مسيلمة فلبوه ثم دعاهم ابن طاهر القرمطي فضاربوا معه كالبنيان المرصوص، ثم تشتتوا بعد كسرة القرامطة ثم بعدها بنوا القباب على القبور وعلقوا الرقاع على الأشجار.
ثم لما قام الشيخ محمَّد بن عبد الوهاب قدس الله روحه جعل يبين لهم أن الدعاء والعبادة لله وحده وجاء يعلمهم التوحيد بمساعدة سيف بن سعود ولكنهم في كل أطوارهم بدو لا يحملون شيئًا في جيوبهم ولا في قلوبهم بل لا جيوب لهم ولا قلوب رفاقك في الطريق اليوم وأعداؤك غدًا وجل مقصودهم هو الطمع، أما
الدين عندهم فكالرداء يلبسونه زمنًا فيغسلونه مرة أو مرتين ثم يلبسونه مقلوبًا ثم ينبذونه وقد تمزق نبذ النواة، كيف نتوضأ ونحن نبغي الماء للشرب، ولم الصوم والسنة كلها رمضان عندهم إلى غير ذلك.
وكذلك كانوا في ولائهم لهذا الأمير وذاك لا يفرقون وربك بين ابن سعود أو ابن رشيد أو ابن صباح بل من رجحت كفة ميزانه فهم معه سيف في يد الأمير يومًا، وخنجر في ظهره غدًا مجاهدون إن كان ثم غنائم يحاربون ما زالوا آمنين ويفرون شاردين عند أول خطر يلوح، لذلك كان ابن سعود يقدمهم في القتال ويدعمهم بالحضر وكان فيهم شجاعة إذا كان لهم ظهر وإلا فإنهم فارون، وقد جاء في أمثال العرب.
"البدوي كالقرلي إن رأى الخير تدلى وإن رأى الشر تعلى" ولكن البدوي وحده يدافع عن نفسه وبعيره حتى الموت وإن كان خصمه قبيلة بأسرها فسبحان من خلقهم والسلام.
وكان عبد العزيز بن عبد الرحمن يقول محدثًا عن البدو الذين اشتهروا بالإخوان يجيئوننا في السلم فنعطيهم كل ما يحتاجون إليه من كسوة ورزق ومال ولكنهم في أيام الحرب لا يطلبون شيئًا منا فيتزر الواحد منهم الخرطوش ويبادر إلى البندق ثم يركب الذلول إلى الحرب ومعه شيء من المال والتمر قائلين القليل عندنا يقوم مقام الكثير عند غيرنا كنا نمشي ثلاثة أيام بدون أكل يأخذ الواحد منا تمرة من حين إلى حين يرطب فيها فمه.
وقد كانت الحاضرة قدمًا وأشد بأسًا من البادية أما الآن فالبادية المتحضرون أهل الهجر هم في القتال أثبت من الحاضرة وأسبقهم إلى الاستشهاد فرأى عبد العزيز أثابه الله أن يجعل لهم هجرًا فيكون وطن البدو البادية وهي مهد الشرك، فالهجرة منها إذن هي الهجرة إلى الله والتوحيد فنقلهم من بيوت الشعر إلى بيوت من لبن وحجر.