الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والقطيعة فاستهلت هذه السنة في دعوى العرائف وخروجهم على ابن سعود والجوع الذي استمر في أول هذه السنة فإنه اشتد الجدب والشدائد فخسر ابن سعود مبلغًا جسيمًا من الأموال والإبل والمواشي ولم يكن لديه ما يمكنه من الحرب للعدو وغزوه.
ذكر الانقلاب في الدولة العثمانية
ففيها ثار حزب الاتحاد والترقي بعدما خلع السلطان عبد الحميد بن عبد المجيد وتولى السلطنة فيها السلطان محمد رشاد الخامس مقيدًا بالدستور وأضحت السلطة المطلقة بيد رؤساء من جمعية الاتحاد.
وبسبب هذه التقلبات جعلت الدولة العثمانية تنظر إلى العرب بعين الحقد والغضب وجعلوا يوجهون قواهم ودسائسهم لخضد شوكة كل من يرونه فيه قوة ويخشون أن تلتم عليه الأمة العربية.
وأول من يهمهم أمره وأخصوه بقسم وافر من دسائسهم هو عبد العزيز بن سعود ليقضي الله أمرًا كان مفعولا وكان من الثورات أن جهز سعدون حملة كبيرة ضخمة على مبارك بن صباح وكان بعض الزملاء قد وعدوا مباركًا بالمساعدة الفعلية لكنهم خذلوه فأمسى منفردًا في الورطة، فأرسل يستنجد ذلك الشاب الذي يدعوه يا ولدي ألا وهو عبد العزيز بن عبد الرحمن الذي شب في ظل مبارك غير أنه كان في ورطة أكبر من ورطة مبارك وكان قد اهتم بأمر العرائف، ومع ذلك فقد مشى إلى طلب الشيخ مبارك وقصد الكويت بجيش صغير من العربان وفيهم بعض العجمان.
ولما أن وصلها وافى مبارك بن صباح قد جهز ما لديه من القوة لمحاربة سعدون فأشار عليه عبد العزيز بالتربص وقال ليس بيننا وبين الرجل خلاف حقيقي يوجب الحرب وإني أرى مسالمته أحرى والمسألة خفيفة وأنا أتوسط بينكم وبين السعدون فشق ذلك على مبارك وما سمع لهذه المشورة وإن كانت صادرة من ناصح وعون له في الشدائد.
فقال مخاطبًا لعبد العزيز أنت ولدي وهل يقبل الولد أن يهان أبوه فقال عبد العزيز وقد خجل لا والله ولك مني ما تريد إني ملب الطلب إن شاء الله ولكنني أسأل والدي أن يمهلني لأستنجد أهل نجد فما معي الآن غير مائتين من رجالي أما العشائر فلست براكن إليها في القتال؛ فأجابه مبارك قائلًا إني أجند من الكويت الجنود الكافية ولا أبغى منك غير القيادة، فأجابه عبد العزيز قائلًا إذا أنت باشرت التجنيد فابن سعدون قريب منا وعالم بأخبارنا وأعمالنا أجمعها فهو إذ ذاك يتأهب لنا ولا ريب عندي أن شواوي رعاة المنتفق كلهم سيلتفون حوله، فأمهلني سلمك الله ومن رأيي أن تسير قوة صغيرة مع أحد أنجالك فتبعد عن أطراف الكويت وتتربص للهجوم على ابن سعدون إذا تفرقت عنه عشائره وسننال مرامنا منه بحول الله؛ فلما قال عبد العزيز هذه المقالة لم يوافق عليها مبارك بل أصر على تجنيد الجنود وعلى خروج ابن سعدون معها فوافق عبد العزيز مكرهًا.
فقام مبارك في هذه السنة فألف جيشًا عدده ألفان من الحضر الشبان الناضرة وجوههم النادرة شجاعتهم، وأربعة آلاف من البادية ومائة وخمسون فارسًا أضاف إليه عربان ابن سعود والباقين من رجاله فبلغ عدد الجيش كله نحو سبعة آلاف يقوده جابر بن صباح، فلما زحف هذا الجيش وبعد على مسافة يوم من الكويت جاء رجل من كبار عرب الظفير ليسأل ابن سعود أن يتوسط بينهم وبين ابن صباح وقد أكد له ابن السعدون وعرب الظفير يقبلون بذلك فأشار عبد العزيز بإلزام جابر الصباح بعد ما عرض عليه الأمر، فكان جوابه لعبد العزيز أن قال إني لا أعهدك جبانًا فما هذا منك فغضب عبد العزيز وقال سترون غدًا الجبانة وتعرفون أين هي، فاستمروا ذلك اليوم سائرين وواصلوا السير بالسرى.
وكان سعدون باشا لما علم بزحفهم بادر بعشائره بالسير نحوهم يريد الهجوم وقد كان عدد جيشه نحوًا من جيش مبارك وكل جيشه كان من عشائر المنتفق والظفير والبدور وغيرها وأكثره خيالة؛ فنام عربان سعدون في الطريق لكنهم عندما أحسوا بقرب الكويتيين استيقظوا وهبوا وتراجعوا إلى مقر القيادة كي لا يتصادموا وإياهم ليلًا.
فلما انفجر الصباح تكلم عبد العزيز قائلًا اسمع يا جابر من رأيي أن تأمر البدو بالإغارة على سعدون وجماعتهم فتبعدهم عنا ونشغل العدو.
أني والله في ريب من أمرهم أما إذا سيرناهم أمامنا فنأمن خيانتهم، لم يستحسن جابر هذا الرأي، وأصر على أن يكون الهجوم عامًا، فقال عبد العزيز يخاطب أخاه الأصغر سعدًا إني لا أرى غير الهزيمة لهذا الجيش قف معي وقومنا على حده لنتمكن عند الحاجة من الدفاع عن أنفسنا فإن اليوم يوم دفاع يا سعد لأن هؤلاء الناس لا رأي لهم ولا هم يقبلون النصيحة.
فلما رأى جابر أن ابن سعود وقومه اعتزلوا الجيش، لامهم قائلًا أنتم إخواننا والإخوان في الحرب لا يحجمون فخجل ابن سعود وأمر أخاه بالاشتراك في الهجوم فكانت الفاتحة للخيل فأغارت خيالة ابن صباح وكانت مائة وخمسين على خمسمائة من فرسان السعدون فكر هؤلاء عليهم كرات سريعة شديدة هائلة فانهزموا هزيمة شنيعة وانهزم معهم جابر وجيشه بدون قتال ولم يبق مع ابن سعود إلا عشرة فقط من الخيالة وقد فر بقيتهم مع الفارين، وترك جيش ابن صباح لما انهزم كثيرًا من المال والحلال من الأمتعة والإبل والخيل فكانت هدية من جيش الكويت لجيش السعدون، وسميت هذه الواقعة "هدية" وكان وقوعها في أول جمادى الثانية.
ولما أن هزم الجيش الكويتي بقيادة جابر بن مبارك لحق بهم عبد العزيز فما أدركهم إلا في عصر ذلك النهار والهزيمة كانت في صباحه.
ولما أدركهم جعل يهون عليهم الأمر ويقول هذه عادات الرجال والحرب سجال ونحو ذلك من الكلام الذي يجبر قلوبهم وهم في شدة عظيمة أنستهم كل تسلية، فبينما هم سائرون ضلوا الطريق وأدركهم الجوع مع الهزيمة فجاعوا جوعًا شديدًا وما كان معهم من الزاد ما يسد رمقهم فلطف الله بهم بأن التقوا بأباعر شاردة من حملة ابن سعود عليها أحمال الشعير فأطعموا الخيل أحمالها ونحروها ليطعموا أنفسهم.
فلما كان في اليوم الثاني جاءهم أيضًا اللطف من الله وذلك بأن فيصل