الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر ما جرى من العرائف والهزازنة
قد تقدم أن أولاد سعود بن فيصل كانوا مقيمين على شق العصا كما فعلوا مع عمهم عبد الله، وكان الخلاف قد بقي في أولادهم الذين كانوا أسرى عند ابن رشيد، ولما خلصهم عبد العزيز وحقن دمائهم كرامةً للرحم أن تقطع، وكذلك عفا عنهم فذهبوا إلى الكويت ثم رجعوا منه، ومن الإحساء كما قدمنا ونزلوا في الخرج يريدون الاستيلاء عليه، ولكنه قام عليهم القائد فهد بن معمر ومن معه وصدوهم بل طردوهم، فرحلوا إلى المقر الذي اتقدت فيه قصة آل هزان إلى جهة الحوطة والحريق.
أما الهزازنة الذين كانوا أسرى في الرياض فإنهم بعد ما أطلقهم عبد العزيز ومن عليهم بالرجوع إلى بلادهم إكرامًا لأمير قطر قاسم بن ثاني الذي توجه لهم، فحالما وصل العرائف إلى الحريق بعد طردهم من الخرج، رحب بهم الهزازة وتعاهدوا وإياهم فكانوا يدًا واحدة، وقد انضم إليهم ناس أيضًا في الحوطة فمشوا معهم إلى الحريق، ثم هجموا على القصر هناك، وكان في القصر إذ ذاك سريةٌ لابن سعود فحاصروها سبعة أيام واستولوا على القصر.
فلما خلص ابن سعود أخاه سعد من الأسر وصالح الشريف، عاد من القصيم قاصدًا ناحية الحريق الذي قد استولى عليه العرائف والهزازنة تلك الأيام بالغشم، وانضم معهم جمع كبير من البادية.
إن الحريق بلدة كائنة في وادي بين جبلين وليس لها غير طريق واحد، فأسرى فيه عبد العزيز ليدخل البلدة ليلًا على حين غرة، ولكنه عند وصوله إلى قصر كان قريبًا منها نزل هناك وأمر جيشه الذي لم يكن يومئذٍ غير ألف ومائتين من الحضر أن يعسكروا ويستعدوا لحصار طويل، ولكن خيالة العدو في جولة من الجولات اصطدمت بفصيلة من خيالته فكانت الشرارة التي أضرمت نار الحرب، فهجم حضر عبد العزيز بن عبد الرحمن هجمة واحدة على الحريق ولم
يقفوا حتى استولوا عليها وعلى بلدة أخرى اسمها مفيجر، فشرد العرائف ولم يقفوا من شدتهم على الخيل حتى وصلوا إلى أهل الحوطة فالتجأوا إليهم فردوهم خائبين، فرحلوا إذ ذاك إلى الأفلاج.
وكان في السيح هناك أخوهم فيصل، وفي ليلي أحمد السديري من قبل ابن سعود، وليلي هي قاعدة الأفلاج، والسيح كانت بلدة من بلداتها فيها مياه جارية، فاحترب فيصل والأمير السديري قليلًا قبل وصول العرائف.
أما عبد العزيز فبعد انتصاره في الحريق زحف جنوبًا فنزل نعام وهي قرية في الطريق، وأراد الجيش أن يهجم على الحوطة فيكتسحها فأبى ذلك، لا أسعى في خراب بلدين من بلادي في يوم واحد سأقدم لأهل الحوطة الصلح وأعطيهم الأمان لعل الله أن يهديهم سواء السبيل، فعند ذلك ظفر أهل الحوطة بالأمان، شكرًا لعالمهم ورؤسائهم الذين خرجوا إلى ابن سعود، وقد عقدوا المحارم في رقابهم، ولكن أهل الحوطة يقول فيهم بعض المؤرخين أنهم برابرة قتلة لا يضعون على الرقاب ولا يفهمون في العقاب غير السيف، ومع ذلك فقد صفح عبد العزيز مشترطًا أن يدخل بجيشه البلد، فدخل ظافرًا، ثم زحف إلى الأفلاج، وبينما هو على ماء في الطريق جاءه رسول من أميره السديري يقول: إنه حين وصول العرائف إلى السيح علم أهل البلدة بما جرى في الحريق ففروا هاربين وقد تركوا فيها أمتعتهم وأموالهم فغنمها السديري عند احتلاله تلك الناحية، ولكن سعود بن عبد الله أحد العرائف وعبد العزيز الهزاني الذي فرَّ هاربًا بعد فتنة الهزازنة الأولى ومعهم ثلاثون رجلًا هجموا على السيح بعد أن هجرها أهلها دون أن يعلموا بما جرى في الحريق فقبض السديري عليهم وألقاهم في السجن.
فلما بلغ الخبر صاحب الجلالة عبد العزيز أطلق سراح سعود بن عبد الله وخيّره في أمرين: البقاء عنده أو الإلتحاق بإخوانه، فاختار البقاء، وهذا سعود العرافة الموجود الآن في الرياض فاستراح من الشقاق لما له من الحظ الكبير، ورحل بقية العرائف شاردين إلى مكة ولاذوا بالشريف وواحد منهم فرَّ إلى الإحساء ليستنهض البادية هناك.
وأما الهزازنة فإن عبد العزيز بن عبد الرحمن عفا عن راشد الذي تقدم ذكره، وما زال مشمولًا بحلم عبد العزيز أولًا وأخيرًا، ثم قتل بقية المأسورين وانتقم منهم جزاءًا وفاقًا.
فيا عجبًا من لئيم لا يفيد فيه الإحسان ولم يقم فيه مروءة إنسانية وشيمة عربية تأبى له أن يتصف بالغدر، إن في ذلك لعبرةً لمن يخشى، إن ابن سعود والحق يقال، قد قاسى أهوال الشدائد، وذلك لكثرة التقلب من الأعداء، فهذا ابن رشيد يعاهد ويغدر ويماطل ويخاتل، ولا قدر لعهدٍ عنده ولا كافل، وهؤلاء العرائف، والهزازنة قد ذهبوا يغدرون ويستنهضوا القبائل، وحسين الشريف يسعى في الشرور والغوائل وقد نصب له الأشراك والحبائل.
والدولة العثمانية جادة بواسطة نفوذها في الإحساء بإلقاء العداوة بين العرب، ولا تزال مصرة على أن نجدًا ولاية تركية خاضعة لها بالطلب.
ومع هذا فإن صقر الجزيرة ثابت الجأش لا تزعزعه الحوادث ولا يتأثر لهذه الكوارث، وما أحسن ما قيل:
يخلق الله للحروب رجالًا
…
لا يهابون كثرة الأخطار
وقديمًا قيل إياك والسآمة في طلب الأمور فتقذفك الرجال خلف أعقابها وقد أصبح الرؤساء يومًا أحلافًا، ويومًا أعداءً، بعضهم على بعض وتفتقت الأرض بالشر، واتسع الخرق على الراقع، وأصبح أهل الجزيرة في قلق شديد.
ثم إنه سار عبد العزيز من الأفلاج ومرَّ بقبائل من الدواسر عاصين فأدبهم، فلما بلغ الرياض استراح بها بضعة أيام، سار لمطلوبه وهو الحسا، فضرب العاصين من العجمان وأدبهم تأديبًا بليغًا، ولما كان في جهة الحساء جائته الاستغاثة من مبارك بن صباح وقد أرسل وفدًا هذه المرة من بلاد الكويت بكتابه إلى ولده عبد العزيز وأرسل ذلولين، يقول في كتابه: إني مرسلٌ إليك ذلولي وقد كنت أركبها إلى الغزو وأنا الآن عاجز عن الركوب والمغازي، أنا والدك يا عبد العزيز والذلولان اللذان شهدا الغزوات والمعارك العديدة هما لك يا ولدي وهم يطلبان منك أن
تأخذ بثأر والدك من ابن السعدون، فأجاب عبد العزيز أن مشاكله كثيرة، عشائره متقلبة فيخشى الخيانات بعد أن اجتمع له الأمر في بلاده، وهو يضطر والحالة هذه أن يستخدم كل ما لديه من قوة في معالجة مشاكله الداخلية، ومنها في تلك الحالة مسألة تركي بن سعود العرافة الذي انحدر إلى الحساء من الخرج يستنهض العجمان كما تقدم قريبًا، وقد انضم إليه آل سفران فأخذ منهم.
ولكن مباركًا أبى أن يعذر ابن سعود، ودام على الاستغاثة والتأوه، وكتب إليه مرة ثانية فقال في كتابه إلى ابن سعود: يا ولدي أنا أصيح وأناديك وأنت يا ولدي تصم أذنيك، أبمثل ذلك يعامل الوالد، أتهجرني يوم شدتي فيساعد هجرك العدو علي، اسمعني أصيح وأناديك لتفزع لوالدك وبلدك، ففزع عبد العزيز وسمع له افستفز عشائره ملبيًا ندائه، وزحف تلك المرة بجيش مؤلف من ألف وخمسمائة من الحضر وخمسة آلاف من البدو، يصحبه اثنان من أبناء الصباح وهما سليمان الحمود وعلي بن خليفة، ثم سار ينتقم لوالده من ابن سعدون وابن سويد، وأعلم ابن صباح بمسيره وأنه سينزل الحفر، ولكن العدو أثناء ذلك انقسم قسمين فاحترب أهل الظفير وأهل المنتفق بعد أن كانوا متحالفين.
وسبب ذلك العداوة التي كانت كامنة في نفوسهم، فلما علم الشيخ مبارك بما صدر بين عدويه وأن حمود بن سويط كان أميل إليه، كتب إليه يخبره أن ابن سعود زاحف إليه وحذره منه.
ثم توجه ابن سعود إلى ناحية الزبير فورد كابده ووجد هناك أغنامًا كثيرة لابن سعدون فغنمها كلها، واستمر سائرًا إلى صفوان فلاقاه في الطريق رسولٌ من والي البصرة ومعه وفد من أهل الزبير، فأكرموه وقدموا له الهدايا الثمينة من الحكومة ومن الأهالي، وكانوا خائفين لما جاءوا مستعطفين، فأمر ابن سعود جيوشه بأن لا يعتدوا على أحد ولا يؤذوا أحدًا في أطراف الزبير والبصرة.
ثم جاءه بصفوان رسولٌ من قبل الأمير مبارك بن صباح، وهذا الرسول هو عبد العزيز بن حسن، جاءه بمهمة جديدة، وهي أنه طلب أن يهجم على عدد من
الرعاة للغنم يومًا كانوا من رعاياه ويومًا من رعايا العراق، أريد يا عبد العزيز أن تأخذهم وخيولهم وسلاحهم، فعلم عبد العزيز بالأمر وهو أنه يريد بذلك أن يحرك عليه حكومة العراق إذا فعل ذلك فلم ينجح طلبه، وقفل راجعًا من صفوان إلى الكويت فرفض قومه أن يرجعوا معه وقالوا: لا ندخلها إلا محاربين، فأبى عليهم ومشوا طائعين يحفون به حتى وصلوا الجهراء فنزلوا فيها، وقد جاء مبارك ليسلم على ولده، فاعتذر عما بدا منه، وقبل عبد العزيز العذر دون معاتبة.
ولما فرغ من أعمال مبارك وخدعه ومكره سار يقصد الحساء، وكان قد كثر فيها وفي جوارها الأشقياء، فبلغه وهو في السير أن العجمان العاصين هجموا على عرب من عربان فيصل الدويش وأخذوا عددًا كبيرًا من الإبل لرجل اسمه ذو النون كان في ضيافة ابن سعود وهو من الموصل، فسارع عبد العزيز إلى مقاتلة المعتدين، ثم جاء خبر أنهم على ماء قريب منه، فجد في طلبهم فأدركهم وأخذهم جميعًا، ثم لا علم أنهم غير المذنبين وأن هؤلاء أبرياء أعاد عليهم كل ما أخذه منهم وخلى سبيلهم.
أما المذنبون ورئيسهم تركي العرافة فكانوا قد التجأوا إلى حكومة الترك في الحساء وأخبروا الترك أن ذا النون من رعاياهم في الموصل، فأرسلت الحكومة تحتج على ابن سعود وتحذره أن يتعرض لقبيلة العجمان، فأجاب أن في تأديبهم خير للناس وللحكومة، ومع ذلك فإنه لم يستحب أن يغضب الترك في الحساء فتركهم وشأنهم.
أما الشريف حسين فإنه لا يزال جادًا في تحريض القبائل على ابن سعود وكان قد جهز جيشًا لنصرة راشد الهزاني الذي كان قد لجأ العرائف إليه فيما تقدم وسيره إلى الحريق، وأمدَّ العرائف أيضًا في محاربة نسيبهم حاكم نجد، ولما أن أرسل عبد العزيز رسولًا إلى الشريف وهو صالح العذل ومعه هدية من الخيل بكتاب تقدم ذكر تاريخه 22 ربيع الأول، واطال فيه بتمجيد الحسين، وقال في آخره: إننا نستغرب منكم هذا العمل وبيننا وبينكم معاهدة.
وكان جيش ابن سعود قد أغار على فخذ من عتيبة المتشيعة للعرائف، فغضب لذلك الشريف ورد صالح العذل خائبًا ورد فوق ذلك الهدية فخرج العرائف على