الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مشابهة للمخلوقين إطلاقًا، وَلَا وَجْهُ شبه، أي: مِنَ الصِّفَاتِ الخاصة باللَّه.
فَنَصَّ عَلَى نَفْي المماثَلة، وقال:{وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} [ق: 38]، فَنَصَّ عَلَى نَفْي النَّقْصِ.
وَقَوْلُهُ: {عَمَّا يُشْرِكُونَ} يقول المُفَسِّرُ رحمه الله: [عن إشراكهم]، استفدنا مِنْ تَقْدِيرِ المُفَسِّر رحمه الله أن (مَا) مصدرية، فيكون التنزيهُ عَنْ فِعْلِهِمَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ (ما) اسمًا موصولًا، ويكون العائدُ محذُوفًا، والتقدير: عما يشركونه به، فيكون مُنَزَّهًا عن الشركاء، الَّتِي هِيَ الأصنام.
وقوله: {وَتَعَالَى} مَأْخُوذٌ مِنَ العُلُوِّ، لكنَّها تُفيد معنى التَّنَزُّهِ عَنِ العُلُوِّ، فَيَكُونُ مَعْنَاهُ: ترَفَّع وتنزَّه بعُلوٍّ، فهي أَبْلَغُ مِن قولك: عَلا؛ لأن عَلا تُفيد العُلُوَّ، لَكِنْ قَوْلُهُ:{وَتَعَالَى} يفيد مع العُلُوِّ التَّنَزُّهَ والتحاشيَ عما يشركونه به، أَوْ عَنْ إشراكهم به.
ولما بَيَّنَ اللَّهُ سبحانه وتعالى عموم خَلْقِه، وَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي لَهُ الاختيارُ المطلقُ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ اختيارٌ، فالاختيارُ لَهُ وَحْدَهُ، ذَكَرَ أَنَّهُ عَالِمٌ بِكُلِّ شَيْءٍ.
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَةُ الأُولَى: إثباتُ أَنَّ اللَّهَ وَحْدَهُ هُوَ الَّذِي يَخْلُقُ؛ لقوله: {مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} ؛ لِأَنَّ مَنْ لَا اخْتِيَارَ له طبعًا لا خَلْقَ لَهُ.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ اللَّهَ تعالى قَادِرٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ؛ لِأَنَّ مَنْ {يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} مَعْنَاهُ أَنَّهُ قادِرٌ، فكيف يريد يخلُقُه.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: إثباتُ الإرادة للَّهِ سبحانه وتعالى؛ لقوله: {وَيَخْتَارُ} ، والإرادةُ هُنَا إِنْ نَظَرْنَا إِلَى قَرنها بالخَلق، قلنا: هي الكونية، وإنْ نَظَرْنَا إِلَى لفظها بقَطْع النظر
عن اقترانها بالخَلق، قلنا: إنها شاملة للكونية وللشرعية؛ لِأَنَّهُ سبحانه وتعالى يختار كونًا وشرعًا مَا يَشَاءُ، وَهَذَا أَوْلَى العموم.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا اخْتِيَارَ له، وقد تمسَّك بهذا الجَبْرِيَّة؛ لقوله:{مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} ، فقالوا: هَذِهِ الآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ مَا لَهُ اختيار، وأنه مُجْبرٌ عَلَى فِعْلِهِ.
والجواب عَلَى ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: مَا كَانَ لَهُمُ الخِيَرَةُ المطلَقَة، يعني: الَّتِي تَكُونُ بِدُونِ اللَّه، فاللَّه يختارُ وهُم يختارون، وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا آياتٌ كثيرة، وأحاديثُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ لَهُ إِرَادَةٌ، مِنْهَا قَولهُ تعالى:{مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} [آل عمران: 152]، وقوله:{لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} [التكوير: 28].
فهو سبحانه وتعالى أثبتَ للإنسان مشيئةً، وأثبتَ لَهُ إِرَادَةً، والواقع يَشْهَدُ بِذَلِكَ، والإنسان يُفَرِّقُ بَيْنَ الفعل الاختياري، والفعل غير الاختياري، فالإنسان إِذَا نَزَلَ مِنَ السطح بالدَّرَج فنزولُه اختياري، وَلَكِنْ إِذَا دَفَعَهُ أَحَدٌ مِن أعلى الدَّرَج فتدحرج، فنزولُه غير اختياري.
والنفيُ فِي قَوْلِهِ: {مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} مُسَلَّط هُنَا عَلَى الْخِيَرَةِ المُطْلَقَةِ الَّتِي لَا تُعَارَضُ، هَذِهِ لَيْسَتْ للإنسان، بَلِ الْإِنْسَانُ مُدَبِّر، وَلَهُ إِرَادَةٌ، وَأَمَّا أَنْ يَكُونَ نفيًا لمطلَق الخِيَرة، فَهَذَا لَا يُمْكِنُ؛ لِأَنَّ الآيَاتِ والواقعَ يشهدان بأن للإنسان خِيَرة، والعلماء يقولون فِي كَثِيرٍ مِنَ الكفارات: يُخَيَّرُ بَيْنَ كَذَا وَكَذَا.
الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: انفراد اللَّهِ عز وجل بالإرادة المطلَقة، فلا مُعَقِّبَ لحُكمة، ولا رادَّ لقضائه.
الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: تنزيه اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا لَا يَلِيقُ بِهِ؛ لقوله: {سُبْحَانَ اللَّهِ} .
الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: تَعَاليه وتنزُّهُه عَنْ هَؤُلَاءِ المشركين، سواءٌ قَدَّرْنا (ما) مَصدرَّية، أو قَدَّرْنَاها موصولةً، فهو سبحانه وتعالى مُتعالٍ عَنِ المُشْرِكِينَ: عن أصنامهم، وعن شِركهم.
* * *