المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الآية (28) * * *   * قَالَ اللَّهُ عز وجل: {قَالَ ذَلِكَ - تفسير العثيمين: القصص

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌(الآيات 1 - 3)

- ‌من فوائد الآيات الكريمة:

- ‌الآية (4)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآيتان (5، 6)

- ‌من فوائد الآيتين الكريمتين:

- ‌الآية (7)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (8)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (9)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (10)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (11)

- ‌الآية (12)

- ‌الآية (13)

- ‌الآية (14)

- ‌الآية (15)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (16)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (17)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (18)

- ‌الآية (19)

- ‌الآية (20)

- ‌الآيتان (21، 22)

- ‌الآية (23)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (24)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (25)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (26)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (27)

- ‌الآية (28)

- ‌من فوائد الآيات الكريمة:

- ‌الآية (29)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (30)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (31)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (32)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (33)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (34)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (35)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (36)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (37)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (38)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (39)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (40)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (41)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (42)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (43)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (44)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (45)

- ‌الآية (46)

- ‌الآية (47)

- ‌الآية (48)

- ‌من فوائد الآيتين الكريمتين:

- ‌الآية (49)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (50)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (51)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (52)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (53)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (54)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (55)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (56)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (57)

- ‌الآية (58)

- ‌الآيات (59 - 64)

- ‌من فوائد الآيات الكريمة:

- ‌الآية (65)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (66)

- ‌الآية (67)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (68)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (69)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (70)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآيتان (71، 72)

- ‌من فوائد الآيتين الكريمتين:

- ‌الآية (73)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (74)

- ‌الآية (75)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (76)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (77)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (78)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (79)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (80)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (81)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (82)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (83)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (84)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (85)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (86)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (87)

- ‌الآية (88)

الفصل: ‌ ‌الآية (28) * * *   * قَالَ اللَّهُ عز وجل: {قَالَ ذَلِكَ

‌الآية (28)

* * *

* قَالَ اللَّهُ عز وجل: {قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} [القصص: 28].

* * *

قال المُفَسِّرُ رحمه الله: [{قَالَ} مُوسَى {ذَلِكَ} الَّذِي قُلْتُهُ {بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ} الثَّمَانِ أَوِ الْعَشْرَ، وَ (مَا) زَائِدَةٌ أَيْ رَعِيَّةً {قَضَيْتُ} بِهِ أَيْ فَرَغْتُ مِنْهُ {فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ} بِطَلَبِ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ {وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ} أَنَا وَأَنْتَ {وَكِيلٌ} حَفِيظٌ، أَوْ شَهِيدٌ، فَتَمَّ الْعَقْدُ بِذَلِكَ، وَأَمَرَ شُعَيْبٌ ابْنَتَهُ أَنْ تُعْطِيَ مُوسَى عَصًا يَدْفَعُ بِهَا السِّبَاعَ عَنْ غَنَمِهِ، وَكَانَتْ عِصِيُّ الْأَنْبِيَاءِ عِنْدَهُ، فَوَقَعَ فِي يَدِهَا عَصَا آدَمَ مِنْ آسِ الْجَنَّةِ، فَأَخَذَهَا مُوسَى بِعِلْمِ شُعَيْبٍ].

قوله تعالى: {قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ} أي: قَالَ مُوسَى: ذَلِكَ الَّذِي قلته {بَيْنِي وَبَيْنَكَ} ، وَهَذَا الْكَلَامُ فِي الْحَقِيقَةِ يعني القَبول؛ لِأَنَّ كُلَّ عقد عندنا يَحْتَاجَ إِلَى إِيجَابٍ وقَبُول: إيجابٌ مِن الباذِل، سَوَاءٌ كَانَ بائعًا، أو مُؤَجِّرًا، أو مُزَوِّجًا، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وقَبُول مِن الآخِذ.

الْإِيجَابُ مِن صاحِب مَدْيَنَ لقوله: {أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي} ، وَالْقَبُولُ مِنْ مُوسَى بقوله:{ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ} ، ومعناه: إني موافق وقابِل، وذلك بالرغم مِنْ أَنَّ صاحب مَدْيَنَ قَالَ فِي البداية: {أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى

ص: 115

ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى} وَلَمْ يَقُلْ: أنكحتُك عَلَى أَنْ تَأْجُرَني. مِمَّا يَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ العُقود تنعقد بِمَا دَلَّ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْإِرَادَةَ عَنِ الشَّيْءِ لَيْسَتْ هِيَ الشَّيْء، وَلذَلِكَ لَوْ قَالَ الرَّجُلُ لامرأته: أُرِيدُ أَنْ أُطَلِّقَك، فَلا يَكُونُ طَلَاقًا؛ لِأَنَّ الْإِرَادَةَ غير الفعل، لَكِنْ هَذَا يَدُلُّ عَلَى الْقَوْلِ الراجحِ، الذي نتعرَّض له سَلَفًا فِي ذِكْرِ الفوائد، وَهِيَ أَنَّ الْعُقُودَ تنعقد بِمَا دَلَّ عَلَيْهَا، مَا لَهَا صيغة معيَّنة، حَتَّى إِنَّهُ ربما تنعقد بِالْفِعْلِ كَمَا فِي انعقاد البيع بالمُعاطاة.

يقول المُفَسِّرُ رحمه الله: [{أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ} الثَّمَانِيَ أَوِ الْعَشْرَ، وَ (مَا) زَائِدَةٌ، أَيْ رِعْيَةً].

يقول المُفَسِّرُ رحمه الله: إنَّ (ما) زائدة للتوكيد، وعليه فـ (أَيَّ) مفعولٌ مُقَدَّم بـ {قَضَيْتُ} ، وَلَا تَصِحُّ مِنْ بَابِ الاشتِغَال؛ لأن باب الاشتِغَال لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي العامل ضمير، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَمِيرٌ، فالسابق مفعول، تقول -مثلًا-: زيدٌ أكرمتُه. هَذَا مِن باب الاشتغال؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَمِيرًا، لكن قولك: زيدًا أكرمتُ. بِدُونِ ضمير، هَذَا مِنَ باب المفعول المقدَّم، وَلَيْسَ مِنْ بَابِ الاشتغال، ولذلك هي هنا مَفْعُولٌ بِهِ مقدم؛ لِأَنَّهُ قَالَ:{أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ} ، وَلَمْ يَقُلْ: أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قضيتُه.

وقوله تعالى: {الْأَجَلَيْنِ} يقول المُفَسِّرُ رحمه الله: [أَيْ رِعْيَةً]، ولكن السياق لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَقْدِيرٍ؛ لأنَّه معروف مِن السياق، فمُوسى سيقضي الرَّعْيَ في الأجلين؛ وَلِهَذَا قَالَ المُفَسِّرُ رحمه الله:[أَيْ رِعْيَةً]، لَكِنْ هَذَا سَائِرٌ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ، وَكَثِيرًا مَا يُطْلَقُ الْأَجَلُ عَلَى الْعَمَلِ، فمعنى {أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ}: أي المدتين قَضَيْتها فِي الرَّعي، فالصَّواب: أَنْ يَبْقَى عَلَى ظَاهِرِهِ، فهو قال {أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ} بالرَّعْي، وهو محذوف؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ، أَمَّا أَنْ يُقَدَّر أَنَّ المفعول رَعْي، وَأَنَّ هَذَا عَلَى سَبِيلِ التوسع والمَجاز، ففيه نظر.

ص: 116

وقوله: {أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ} هُمَا عِنْدَنَا الآن ثَمَانِي سِنِينَ، وَهِيَ وَاجِبَةٌ، وعشرٌ، وهي نفلٌ مِنْ مُوسَى، وَلِهَذَا قَالَ:{فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ} .

قوله تعالى: {أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ} أي: قضيتُ به، أو فرغتُ منه، والقضاء بمعنى: الْفَرَاغِ مِنَ الشَّيْءِ، وَمِنْهُ قَولهُ تعالى:{فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [فصلت: 12]، أي: أَتَمَّهُنَّ، وانتهى منهن، وَهَذَا هُوَ مَعْنَاهَا فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ، وَأَمَّا فِي الاصطلاح، فَإِنَّ الْقَضَاءَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ: مَا فُعِلَ بَعْدَ فَوَاتِهِ، ولهذا يقولون: الرَّجُلُ إِذَا صَلَّى الصَّلَاةَ بَعْدَ الْوَقْتِ تُسمى قضاءَ، وَكَذَلِكَ إِذَا فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ مَعَ الْإِمَامِ، أَوْ بَعْضُهَا، فقام يصلي، فهذا يسمى قضاء، ولهذا يقولون: إنه يقرأ فِيهِ سُورَةً مَعَ الْفَاتِحَةِ، ويستفتح، ويتعوَّذ، كأنه الآن قَدْ دَخَلَ فِي الصَلَاةِ.

والصَّواب أَنَّ قَضَى هُنَا بِمَعْنَى الإتمام، أي: انتهى مِنَ الشَّيْءِ، وَفِي مَسْأَلةِ الصلاة يُفسره قول الرَّسُول صلى الله عليه وسلم فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى:"وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا"

(1)

.

قوله تعالى: {فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ} : (لا) نافية، والعُدوان معناه: الظُّلم والاعتداء، يعني: فإذا قضيتُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ؛ فَإِنَّهُ لَا عُدْوَانَ عَلَيَّ بذلك؛ لأنني أتممت العَقْدَ، ومَن أَتمَّ العَقد فَإِنَّهُ لَا اعْتِدَاءَ عَلَيْهِ، وَالْعُدْوَانُ فِي مِثْلِ هَذَا الْعَقْدِ يكون -كَمَا قَالَ المُفَسِّرُ رحمه الله[بِطَلَبِ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ]، وَهَذَا صَحِيحٌ، فقول المستأجِر لموسى: زِدْ. هُوَ مِنْ بَابِ العُدوان.

كذلك {فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ} في إلزامي بِمَا لَا يَسْتَطِيعُهُ العقل، كَمَا لَوْ طَلَبَ مِنْهُ مثلًا أن يرعى الْغَنَمَ لَيْلًا وَنَهَارًا، كَذَلِكَ لَا عُدْوَانَ عليه بمُماطَلَتِه في الأجرة، فإذا

(1)

أخرجه البخاري: كتاب الأذان، باب قول الرجل: فاتتنا الصلاة، رقم (635)، ومسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب إتيان الصلاة بوقار وسكينة، رقم (603).

ص: 117

قضيتُ الأجَل يتم العَقد.

والمهم: أنَّ العُدوان لَا يَخْتَصُّ بطلب الزِّيادة فقط، بل بكُلِّ مَا يُتَصَوَّرُ أنه ينافي مُطْلَقَ العَقد.

يقول المُفَسِّرُ رحمه الله فِي قَوْلِهِ تعالى: [{وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ} أَنَا وَأَنْتَ، {وَكِيلٌ} حَفِيظٌ، أَوْ شَهِيدٌ، فَتَمَّ العَقْدُ بِذَلِكَ].

قوله: {وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ} ، لفظ الجلالَة مبتدأ، و {وَكِيلٌ} خبره، والمراد بالوَكالة هنا الحفظ والشَّهادَة جميعًا، فقول المُفَسِّر رحمه الله:[أَوْ شَهِيدٌ] هَذِهِ للتنويع، وليست للشرط، ولكن الأصح أَنَّهَا عَامَّةٌ؛ لأن وَكالة اللَّهِ سبحانه وتعالى عَلَى الشَّىْءِ معناه الحفظ والشَّهادَة.

وَقَوْلُهُ تعالى: {عَلَى مَا نَقُولُ} تقدَّمت على عاملها، وهو {وَكِيلٌ} ، والتَّقديم يُفيد الحَصر، وَمَعْلُومٌ أَنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وكيل، وَلَيْسَ عَلَى مَا نَقُولُ فقط، ولكنه حَصَر فِي هَذَا؛ لزيادة الاهتمام به، وَإِلَّا فَلَا شَكَّ أَنَّ اللَّهَ وكيلٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، ولكن كَأَنَّهُ يَقُولُ: لَوْ لَمْ يَكُنِ اللَّه شَاهِدًا عَلَى شَيْءٍ لَكان شَاهِدًا عَلَى مَا نَقُولُ مِنَ الْعَقْدِ الَّذِي جَرَى بيننا، وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مُوسَى عليه الصلاة والسلام كان عَارِفًا بِاللَّهِ، وعنده الفِطرة، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ نُبِّئَ؛ لِأَنَّ قَوْلَه:{وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} اعتِرَافٌ مِنْهُ بِاللَّهِ سبحانه وتعالى، وبما لَهُ مِنَ الصفات، لكونه سبحانه وتعالى وكيلًا عَلَى كُلِّ شَيْءٍ.

وظاهر الحالة أَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ شهود عَلَى هَذَا الْعَقْدِ، وَلَكِنْ فِي شَرْعِنَا لَا يُمْكِنُ الِاسْتِغْنَاءُ عَنِ الشهود حين كتابة العُقود، فلا يَكْفِي أَنْ يَكْتُبَ شخص مَا فِي الْعَقْدِ: وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ، أو شهيد، نَعَمْ نَحْنُ نُقِرُّ بِأَنَّ اللَّهَ شاهدٌ ونِعْمَ الشاهدُ، لَكِنَّهُ

ص: 118

لَا يُدلي بشهادته، فليس هناك آيَةٌ تَدُلُّ عَلَى صِدْقِ مَا قِيلَ، أو تكذيبه، فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ -لَا شَكَّ- نِعْمَ الشاهدُ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُ فوق كُلِّ شَيْءٍ، يَقُولُ اللَّهُ تعالى:{قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ} [الأنعام: 19].

ولكننا نقول: أين الآيَةُ مِنَ اللَّهِ سبحانه وتعالى الَّتِي تَشْهَدُ بأنه حصل كَذَا وَكَذَا؟ فنحن -مثلًا- تأتينا بعض الزَّكَوات، ويأتينا فقير يقول: أَنَا وَاللَّهِ لَا أَمْلِكُ شيئًا، واللَّهُ شَاهِدٌ عَلَى ذَلِكَ. وَيَقُولُ لَك: أَمَا تَقبل اللَّه؟ نقول له: نعم، نَقبل قَسَمَك باللَّه، لكن اذكُر آيةً تَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ شاهد بذلك، أما مُجرد كلامِك فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ.

والنَّبيّ عليه الصلاة والسلام يقول: "لَوْ يُعطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى رِجَالٌ دِمَاءَ قَوْمٍ وَأَمْوَالهَمْ، وَلَكِنِ الْبَيِّنَةُ عَلَى المُدَّعِي"

(1)

، فاذكُر -مثلًا- وَحْيًا مِنَ اللَّهِ بِذَلِكَ أَوْ آيَةً فِي كِتَابِهِ تَدُلُّ عَلَى صِدقك، فنحن نَقبل شَهَادَةَ اللَّهِ، وهي فوق كُلِّ شَهَادَةٍ، أَمَّا أَنْ تَقُولَ: إِنَّ هَذَا فِي الذِّمَّةِ، فَهَذَا لَا يُثْبِتُ شيئًا.

قَالَ المُفَسِّرُ رحمه الله: [فَتَمَّ العَقْدُ بِذَلِكَ، وَأَمَرَ شُعَيْبٌ ابْنتَهُ أَنْ تُعْطِيَ مُوسَى عَصًا يَدْفَعُ بِهَا السِّبَاعَ عَنْ غَنَمِهِ، وَكَانَتْ عَصَا الأَنْبِيَاءِ عِنْدَهُ، فَوَقَعَ فِي يَدِهَا عَصَا آدَمَ مِنْ آسِ الجَنَّةِ، فَأَخَذَهُ مُوسَى بِعِلْمِ شُعَيْبٍ].

هَذَا مِنَ الإسرائيليات التي ما تُصدَّق، فلا نَجِدُ فِي الآيَاتِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ أَخَذَ عصًا، أَوْ شَيْئًا، فَقَدْ تَمَّ هَذَا الْعَقْدُ، وَصَارَ يُعْمَلُ له.

(1)

أخرجه الترمذي: كتاب الأحكام، باب ما جاء في أن البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه، رقم (1341).

ص: 119