المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الآية (57) * * *   * قَالَ اللَّهُ عز وجل: {وَقَالُوا إِنْ - تفسير العثيمين: القصص

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌(الآيات 1 - 3)

- ‌من فوائد الآيات الكريمة:

- ‌الآية (4)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآيتان (5، 6)

- ‌من فوائد الآيتين الكريمتين:

- ‌الآية (7)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (8)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (9)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (10)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (11)

- ‌الآية (12)

- ‌الآية (13)

- ‌الآية (14)

- ‌الآية (15)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (16)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (17)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (18)

- ‌الآية (19)

- ‌الآية (20)

- ‌الآيتان (21، 22)

- ‌الآية (23)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (24)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (25)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (26)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (27)

- ‌الآية (28)

- ‌من فوائد الآيات الكريمة:

- ‌الآية (29)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (30)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (31)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (32)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (33)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (34)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (35)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (36)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (37)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (38)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (39)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (40)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (41)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (42)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (43)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (44)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (45)

- ‌الآية (46)

- ‌الآية (47)

- ‌الآية (48)

- ‌من فوائد الآيتين الكريمتين:

- ‌الآية (49)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (50)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (51)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (52)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (53)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (54)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (55)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (56)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (57)

- ‌الآية (58)

- ‌الآيات (59 - 64)

- ‌من فوائد الآيات الكريمة:

- ‌الآية (65)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (66)

- ‌الآية (67)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (68)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (69)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (70)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآيتان (71، 72)

- ‌من فوائد الآيتين الكريمتين:

- ‌الآية (73)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (74)

- ‌الآية (75)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (76)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (77)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (78)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (79)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (80)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (81)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (82)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (83)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (84)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (85)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (86)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (87)

- ‌الآية (88)

الفصل: ‌ ‌الآية (57) * * *   * قَالَ اللَّهُ عز وجل: {وَقَالُوا إِنْ

‌الآية (57)

* * *

* قَالَ اللَّهُ عز وجل: {وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [القصص: 57].

* * *

قال المُفَسِّرُ رحمه الله: [{وَقَالُوا} قَوْمُهُ {إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا} نُنْتَزَعُ مِنْهَا بِسُرْعَةٍ، قَالَ تبارك وتعالى: {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا} يَأْمَنُونَ فِيهِ مِنَ الْإِغَارَةِ وَالْقَتْلِ الْوَاقِعَيْنِ مِنْ بَعْضِ الْعَرَب عَلَى بَعْضٍ "تُجْبَى" بِالْفَوْقَانِيَّةِ وَالتَّحْتَانِيَّةِ {إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ} مِنْ كُلِّ أَوْبٍ {رِزْقًا} لهمْ {مِنْ لَدُنَّا} عِنْدنَا {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} أَنَّ مَا نَقُوُلُهُ حَقٌّ].

قوله تعالى: {وَقَالُوا} قَالَ المُفَسِّرُ رحمه الله: [قَوْمُهُ] أي: قوم الرَّسول صلى الله عليه وسلم، وَهُم قُرَيش، {إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا} وَهَذَا القَولُ كَذِبٌ منهم، سواء قَالوا ذَلكَ عَن عَقيدَة، أَو عَنِ غَيرِ عَقيدَة.

قوله تعالى: {وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ} المَعِيَّة هنا للمُصاحَبة والتَّبعِيَّة، يعني: إِنْ نَتَّبع الهدى، ونَكُنْ مَعَك فيما تَدعو إِلَيْه.

والمراد بالهُدى مَا جَاءَ به الرَّسول عليه الصلاة والسلام.

وفي قَولِه تعالى: {إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ} إقرارٌ بأَنَّ مَا مع الرَّسول صلى الله عليه وسلم هُدًى،

ص: 283

وهذا غريبٌ منهم أَنْ يَقُولُوا: {إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ} ، فيعترفوا بأنه هُدًى، ثُمَّ بَعدَ ذَلكَ يكفروا.

قوله تعالى: {نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا} قَالَ المُفَسِّرُ رحمه الله: [أَيْ نُنْتَزَعُ مِنْهَا بِسُرْعَةٍ]. والخطفُ: نَزْعُ الشَّيْء بسرعة: أي: يَتَخَطَّفُنا النَّاس، ويكونون علينا؛ لأنَّنا خالفنا مَا كَانوا عَلَيه مِنَ الشِّرك والأوثان، فهُم يَقْضُون علينا بسرعة، وَهَذَا كَقَولِه تعالى:{إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ} [آل عمران: 175].

فالشَّيْطانُ يُخَوِّف المُؤمِنينَ بالكُفَّارِ، يقول: ترى إِنْ آمَنْتُم حَصَل كَذَا وَكَذَا، إِنْ تَمَسَّكْتُم بِدِينِكم حَصَلَ كَذَا وَكَذَا، إِنْ أَلْزَمْتُمُ النَّاسَ باتِّبَاع الإِسْلام؛ ظَاهرًا وَبَاطنًا، ثار النَّاس عَلَيكم، فالنَّاسُ ثَلَاثَةُ أرباعِهم يريدون الفُسوق، وَأَنتُم إذا أَلْزَمْتُمُوهُم بالدِّين، فإنهم يَثُورُون عليكم.

وهَذَا لَا رَيبَ يُلْقِيه الشَّيطَان في قلوب النَّاس، قَالَ تعالى:{إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ} .

ولكن الوَاجب عَلَينَا نَحوَ هَذَا المَقَام أَلَّا نخافَ ما دُمنا نرى أنَّنا نَسِير عَلَى الحَقّ، بل نَعْلَمُ عِلم اليَقِين أنَّنا لو صِرنا عَلَى الحَقّ لَخَافَنَا النَّاسُ، وَلَمْ نَخَفْ منهم، قَالَ سبحانه وتعالى:{الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ} [الأنعام: 82]، الأَمنُ مِنَ الخَوف، لَا مِنَ اللَّهِ، وَلَا مِن غيرِه، يعني: لَا يَخَافونَ عِقاب اللَّه، لأَنَّهم آمَنوا إيمَانًا صريحًا مَا لَهُ سَبَب، وَكَذَلكَ أَيْضًا يُؤَمِّنُهم اللَّهُ ممَّا يخافون، وَهُوَ أَحَدُ التفسيرين في قَوْلِهِ تبارك وتعالى:{الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ} [الحشر: 23]، وَهُوَ أَنَّ المؤمنَ هُوَ الَّذي يُؤَمِّنُ عِبادَه الطائعين له مما يخافون.

لَكن هَذَا يتطلب في الواقع إيمانًا حقيقيًّا؛ فَإذَا وُجِدَ الإِيمَان الحقيقي، ثم نُفِّذَت

ص: 284

الشريعة؛ فأنا ضامِنٌ أَنْ يَحصُلَ الأمنُ التامُّ.

والدَّليلُ قَولُه تعالى: {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ} ، أي: نَجعل لهم مكانًا آمِنًا، وَمثلَ قَولِه تعالى:{إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ} [الحج: 41]، أي: جعلنا لهم مكانًا يتمكنون فيه.

وقوله: {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ} الهَمْزَةُ هُنا معناها التَّقريرُ، أي: قَدْ مَكَنَّا، كَمَا في قَوْلِهِ تعالى:{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح: 1]، أي: قد شرحنا لك.

وقوله: {أَوَلَمْ} لِعُلماء النحو في هَذَا الأسلوب مذهبان:

المذهب الأول: أَنَّ الهَمْزَة داخلة على شيء مُقَدَّر، والواو، أو الفَاءُ حَرْفُ عَطْفٍ عَلَى ذَلكَ المُقَدَّر.

والمذهب الثَّاني: أَنَّ الهَمزة بَعْدَ الواو مَحَلّها، لكن قُدّمت؛ لأنَّها للاستفهام، وأصلها (وَألم).

وقوله: {حَرَمًا} على وزن: بَطَل، فهو صِفَةٌ مُشَبَّهَة، أي: مِن الحُرمة، يعني: مكانًا حَرَمًا ذا حُرمة، ولا رَيْبَ أَنَّ مَكَّةَ المكرمة لها حُرمة عظيمة في نفوس النَّاس، حَتَّى في الجَاهِلية.

وقوله: {آمِنًا} اسمُ فاعل، قَالَ المُفَسِّرُ رحمه الله:[يَأْمَنُونَ فِيهِ مِنَ الإِغَارَةِ وَالقَتْلِ الوَاقِعَيْنِ مِنْ بَعْضِ العَرَبِ عَلَى بَعْضٍ] فَجَعَل معنى {آمِنًا} أي: آمِنًا أهلُه، وفَسَّرَهُ بقوله:[يَأْمَنُونَ]، فَيَكون المَعنَى: آمِنًا أهلُه.

وعندي أَنَّ الوصفَ هنا للحَرَمِ؛ لأن المُفَسِّر رحمه الله يَرَى أَنَّه وصفٌ سَبَبِيٌّ، وَأَنَا أَرَى أنه وصفٌ حقيقي.

ص: 285

والنَّعْتُ قَدْ يَكون نَعْتًا سببيًّا، أو نَعْتًا حقيقيًّا، فالنعتُ الحقيقي هو مَا كَانَ صِفة للمنعوت، والسببيُّ هو مَا كَانَ صِفَةً لغيره مما يتصل به، فإذا قلت: عندي رَجُلٌ صائم. فهذا نعتٌ حقيقي، وإذا قلت: عندي رَجُلٌ صائِمٌ أَبُوه. فهذا النعتُ سببيٌّ؛ لأن الوصف قائم، وهو يَعُود عَلَى مَن له صِلة به.

ولذلك فأنا أرى أَنَّ الحَرَم هو الآمِن، وإذا أَمِنَ المكانُ -بلا رَيْبٍ- فسوف يأمن مَن فيه، فلا يَعْتَدِي أَحَدٌ عليه، حتَّى مَن أرادَهُ بِسُوء أَتْلَفَه اللَّهُ، قَالَ تعالى:{وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج: 25].

فالعربُ أنفسُهم معَ كُفرهم، ومَهْمَا فَعَلَتْ قُريش لَا يُمكن أَنْ يَغْزُوا هَذَا البَيتَ أبدًا.

ثُمَّ إِنَّ أهلَ هَذَا البَيت هُم سادةُ العَرب، حَتَّى في الجَاهليَّة، فكيف يقولون:{نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا} ؟ هذا غَيرُ ممكن؛ لأن الحَرَمَ آمِنٌ، فَهُم آمنون فيه، لا يمكن أَنْ يُتَخَطَّفُوا فيه.

ثم مَعَ ذَلكَ هذا البلدُ مع كونه آمِنًا، هو أَيْضًا عَيْشٌ رَغْدٌ، ما يلحقُ أهلَه ضِيقٌ.

قوله تبارك وتعالى: {يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ} قَالَ المُفَسِّرُ رحمه الله: [بِالْفَوْقَانِيَّةِ وَالتَّحْتَانِيَّةِ]، فتكون {يُجْبَى} ، و"تُجْبَى"

(1)

، وهُما قراءتان سَبْعِيَّتَان، ومعنى {يُجْبَى} أي: يُجمَع، وبمعنى يُؤتَى أيضًا، فالثمرات تُجمَع مِن كل أرض، ويُؤتَى بها إلَى هَذَا البلد، وَهَذَا هُوَ الواقع، قال إبراهيم عليه السلام: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ

(1)

السبعة في القراءات، لابن مجاهد (ص 495).

ص: 286

وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ} [إبراهيم: 37]، فكانت الثمرات تأتي إلَى هَذَا البَلَد في كُلِّ أوانٍ مِن المكان القريب، كالطائف وغيره، ومن المكان البعيد.

قوله تعالى: {رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا} قَالَ المُفَسِّرُ رحمه الله: [رِزْقًا لَهُمْ].

ومعنى الرزق: العَطاء، وهو منصوبٌ لأنَّهُ مفعولٌ مِن أَجْلِه، أو مَصدر، أو مفعولٌ مُطلَق؛ لقوله {يُجْبَى} ، يجبى عطاء.

وقوله: {مِنْ لَدُنَّا} أي: مِن عِنْدِنا، وليس لهم به حَوْلٌ، ولا قُدرة، بل الأمر مِن اللَّه عز وجل، هُوَ الَّذي جَعَل هَذِهِ الثمراتِ تُجبى إليه.

وقوله: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} قَالَ المُفَسِّرُ رحمه الله: [أَنَّ مَا تَقُولُهُ حَقٌّ].

المعلوم هنا محذوف في الآيَة، فَلَمْ يَقُل: لَا يَعلَمونَ كَذَا وَكَذَا، ولكن المُفَسِّر رحمه الله خَصَّه بقوله:[{لَا يَعْلَمُونَ}: أَنَّ مَا تَقُولُهُ حَقٌّ]، وعندي أَنَّ الأمرَ أَعَمُّ وأَشْمَلُ؛ لأن حَذْفَ المفعول يَدُلُّ عَلَى العُموم.

فعليه نقول: لَا يَعلَمونَ أَنَّ مَا تَقُولُه حَقٌّ، ولا يعلَمُون العاقبةَ أيضًا؛ فإن العاقبةَ أنَّه إذَا كَانَ هَذَا الحرَمُ آمِنًا في حَالِ الكُفر، وتجبى إليه الثمرات في حَال الكفر؛ فما بالُك في حَال الإِيمَان، كيف وَقَد قَالَ إبراهيم:{وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [البقرة: 126].

فَإذَا كَانَ أهلُ هَذَا البَلَدِ مؤمنين؛ فإنَّ أَمْنَهُ يكون أَشَدَّ مِن جِهة أَنَّ المكان نَفْسَهُ آمِن، ومن جِهَة أَنَّ المؤمن الذي في هَذَا المكان آمِن أيضًا، فإذا كَانَ هَذَا الأمنُ، مع كون هَؤلَاء مِنَ المشركين؛ فإنهم إذا كانوا مؤمنين يكون أكثرَ، ولهذا لمَّا حَصَل مِن المسلمين مَا حَصلَ مِنِ انْتِهَاكِ هَذَا البَلَدِ العظيم؛ سُلِّطَ عليهم مَنْ سُلِّطَ مِنَ الظَّلَمَة،

ص: 287

مِثل قضيةِ القَرامِطَة، ومِثل ما سيكون في آخِر الزَّمان، حيث يُسَلَّطُ على البيتِ رَجُلٌ مِنَ الحَبَشَة، قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"كَأَنِّي بِهِ أَسْوَدَ أَفْحَجَ، يَقْلَعُهَا حَجَرًا حَجَرًا"

(1)

.

فقوله تعالى: {لَا يَعْلَمُونَ} ليس خاصًّا بأنَّ مَا جَاءَ به هُوَ الحَقُّ، بَل هُوَ عامٌّ حَتَّى في النهاية، وفي الغاية مما لَوْ آمَنوا.

* * *

(1)

أخرجه البخاري: كتاب الحج، باب هدم الكعبة، رقم (1595).

ص: 288