الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (8)
* * *
* قَالَ اللَّهُ عز وجل: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ} [القصص: 8].
* * *
قَالَ المُفَسِّرُ رحمه الله: [{فَالْتَقَطَهُ} بِالتَّابُوتِ صَبِيحَةَ اللَّيْلِ {آلُ} أَعْوَانُ {فِرْعَوْنَ} فَوَضَعُوهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَفُتِحَ، وَأُخْرِجَ مُوسَى مِنْهُ وَهُوَ يَمُصُّ مِنْ إِبْهَامِهِ لَبَنًا {لِيَكُونَ لَهُمْ} فِي عَاقِبَةِ الْأَمْرِ {عَدُوًّا} يَقْتُلُ رِجَالَهُمْ {وَحَزَنًا} يَسْتَعْبِدُ نِسَاءَهُمْ وَفِي قِرَاءَةٍ بِضَمِّ الْحَاءِ، وَسُكُونِ الزَّاي لُغَتَانِ فِي المَصْدَرِ، وَهُوَ هُنَا بِمَعْنَى اسْمِ الْفَاعِلِ مِنْ حَزَّنَهُ كَأَحْزَنَهُ {إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ} وَزِيرَهُ {وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ} مِنَ الْخَطِيئَةِ، أَيْ عَاصِينَ، فَعُوقِبُوا عَلَى يَدَيْهِ].
قوله: {فَالْتَقَطَهُ} ، أي: أخذَ آلُ فِرْعَوْنَ التابوتَ صبيحة الليل، وَلَمْ يَقُلْ (أخذه)؛ لأنَّهُ أَصْبَحَ فِي حُكْمِ اللَّقِيط المنبوذِ، وَأَهْلُ الْعِلْمِ يَقُولُونَ: إِنَّ اللَّقِيطَ هُوَ الطِّفل المنبوذ الذي طُرح، فهو يُسمى لقيطًا، وَلِهَذَا قَالَ:{فَالْتَقَطَهُ} .
وقوله: {آلُ فِرْعَوْنَ} قَالَ المُفَسِّرُ رحمه الله: [آلُهُ أَيْ: أَعْوَانُهُ]، فَيَحْتَمِلُ أَنَّ آلَه أي: قَرَابَته.
عَلَى كُلِّ حَالٍ: المهم أَنَّهُ أَخَذَهُ مَن يَنتسِبُ إِلَى فِرْعَوْنَ، وَهُوَ المَلِكُ.
والالتقاط يَكُونُ بِقَصْدٍ؛ لأن المُلتَقِط الذي يَلْتَقِطُ اللَّقِيط المنبوذ مَثَلًا فِي
الشارع، أَوِ المَسْجِدِ، يريد أَخْذَه، لكن هناك قد يشعر بأنه شيء ظَفَرَ بِهِ، لكن العلماء يقولون: الالتقاط يَكُونُ فِي الطفل المنبوذ. فوَضَعَهُ آلُ فِرْعَوْنَ بَيْنَ يَدَي فِرْعَون، وَكَانُوا لَا يَشْعُرُونَ بالذي فيه، وربما يظنون أَنَّ الَّذِي فِيهِ مَالٌ مِنَ الأموال.
وفُتح التابوتُ، [وَأُخْرِجَ مُوسَى مِنْهُ وَهُوَ يَمُصُّ مِنْ إِبْهَامِهِ لَبَنًا] معناه: يُرضِع نَفْسَهُ مِنْ نَفْسِهِ، وَهَذَا مِمَّا لَا نَعْلَمُهُ، لكن مِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّ التابوتَ فُتِح كالعادة؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ المُغْلَقَ لَا بُدَّ أَنْ يفتحه الْإِنْسَانُ، وَيَنْظُرَ مَا فِيهِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ يَمُصُّ مِن إبهامه لَبَنًا، فَهَذَا مِنَ الْأُمُورِ الإسرائيلية الَّتِي لَا تُصَدَّقُ، ولا تُكَذَّب، إِنْ لَمْ نَقُلْ: إنها كاذبة؛ لِأَنَّ هَذَا بَعِيدٌ مِنَ الْعَادَةِ.
وَقَوْلُهُ: {لِيَكُونَ لَهُمْ} فِي عَاقِبَةِ الأمر، وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ {لِيَكُونَ} يَعُودُ عَلَى مُوسَى، وَالضَّمِيرُ فِي {لَهُمْ} يَعُودُ عَلَى آلِ فِرْعَوْنَ، وَيَدْخُلُ فِي آلِ فِرْعَوْنَ نَفْسِه.
وقولُه {لِيَكُونَ} قَالَ المُفَسِّرُ رحمه الله: [فِي عَاقِبَةِ الأَمْرِ] إِشَارَة إِلَى أَنَّ اللامَ هنا للعَاقِبَةِ، وليست للتَّعلِيل؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ شَعَرُوا بأنه يَكُونُ لهمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا لَقَتَلُوه، ولكن العاقبة أَنَّهُ كَانَ كَذَلِكَ.
وما ذَهَبَ إِلَيْهِ ابْنُ كَثِيرٍ رحمه الله مِنْ أَنَّ اللامَ هنا للتَّعلِيل، باعتبار عِلْمِ اللَّهِ، لَهُ وَجْهٌ، يعني:{فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} فِي عِلْمِ اللَّهِ، وليست تعليلًا للالتقاط، هَذَا لَهُ وَجْهٌ، لكن الأقربُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ المُفَسِّر وَغَيْرُهُ مِنْ أن اللام هنا للعاقِبة، وليست للتَّعلِيل.
واللام الَّتِي تَدْخُلُ عَلَى الْفِعْلِ المضارع تَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ: زائدة، وغير زائدة.
اللَّام الزَّائِدة تكون للتَّعلِيل، وتكون للعاقبة، وتكون لتأكيد النفي، وَهَذَا لَيْسَ
لغير الزَّائِدة، والزَّائِدة هِيَ الَّتِي تَقَعُ فِي الْغَالِبِ بَعْدَ فِعْلِ الإرادة، مِثْلَ قَوْلِهِ تعالى:{يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَّيِنَ لَكُمْ} [النساء: 26]، وقوله:{إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ} [الأحزاب: 33]، فَإِنَّ اللَّامَ هنا زائدة؛ لِأَنَّك لَوْ حذفتَها وقَدَّرْتَ (أَنْ){إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ} إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُذهب، تَمَّ الكلام.
واللام غير الزَّائِدة تكون للتَّعلِيل، مِثل قولك: حَضَرْتُ لأتَعَلَّم، أي: مِنْ أَجْلِ أَنْ أتعلَّم، وتكون لتأكيد النفي، مِثْلَ قَوْلِهِ تعالى:{لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ} [النساء: 137]، ولهذا يُسَمِّيها النحويون لامَ الجُحُود، يعني: النفي، فهي لتأكيد النفي.
والثالثة تكون للعاقبة، مِثْل هَذِهِ الآيةِ {لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} ، وَهِيَ الَّتِي تَكُونُ بَعْدَ (كان) مضارعًا كانت، أَوْ فِعْلًا ماضيًا.
وَقَوْلُهُ: [{لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا} يَقتُل رِجَالهمْ، {وَحَزَنًا} يَسْتَعْبِدُ نِسَاءَهُمْ]، هَذَا فِيهِ نَظَرٌ، بل الظَّاهِرُ أَنَّهُ {عَدُوًّا} ؛ لمِا يَحْصُلُ عَلَى يَدَيْهِ مِنَ الأضرار البالغة لآل فِرْعَون، {وَحَزَنًا} لأنَّهُ سوف يُحزنهم حين يَظْهَرُ لَهُ مِنَ الانتصار العظيم، وأَبْلَغُها حين انتصر يومَ الزينة؛ فإنه انتصر عليهم انتصارًا بالغًا باهرًا، وحصل لهم بِهَذَا مِنَ الحُزن مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ سبحانه وتعالى.
وَلَمْ نَعْلَمْ أَنَّ مُوسَى صلى الله عليه وسلم قَتل رجال آلِ فِرْعَوْنَ، وَلَا أَنَّهُ استعبد نساءهم، وإنَّما المَعْرُوفُ أَنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى أغرقهم بفعله، [وَفِي قِرَاءَةٍ بِضَمِّ الحَاءِ وَسُكُونِ الزَّاي لُغَتَانِ فِي المَصْدَرِ، وَهُوَ هُنَا بِمَعْنَى اسْمِ الْفَاعِلِ مِنْ حَزَنَهُ كَأَحْزَنَهُ]، إِذَا قَالَ المُفَسِّرُ رحمه الله: فيه قراءة. فهو يعني: سَبْعِيَّة، وَإِذَا قَالَ قُرِئَ، فهو يعني قِرَاءَةٌ شَاذَّةٌ.
قال: [بِضَمِّ الحَاءِ وَسُكُونِ الزَّاي]"لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُّوًا وحُزْنًا"، حُزْنًا وحَزنًا
معناهما واحِدٌ، وهما لُغتان في المصدر، يقول: حَزَنَه كأحْزَنهُ. يعني: أن الحَزن الَّذِي لَيْسَ مزيدًا بالهمزة مِثل: أَحْزَنَه المزيد بالهمزة مِنْ حِيْثُ التَّعَدُّد.
وقوله: [بِمَعْنَى اسْمِ الْفَاعِلِ هُنَا] أي: حازِن، أي: مُحزِن، وقد أوَّله المُفَسِّر رحمه الله إِلَى هَذَا؛ لأن الحُزن شُعور بالنَّقْصِ، وموسى صلى الله عليه وسلم مُدْخِل لهذا الشعور -وهو الحُزْنُ- فِي أنفُسِهِمْ، وَعَلَى هَذَا فيكون {وَحَزَنًا} بمعنى: حازنًا.
والمصدر أحيانًا يَأْتِي بِمَعْنَى اسم الفاعل، وأحيانًا بمعنى اسم المفعول، فيقال: فلانٌ عَدْلٌ رِضًى، ويقال أيضًا: فلانٌ ثِقَةٌ. وعَدْلٌ، ورِضًى، وثِقَةٌ مصادرُ بمعنى اسم الفاعل: عادل، وهو اسم فاعل، ومَرْضِيٌّ، وموثوق، وكلاهما اسم مفعول.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ"
(1)
، هذا مصدر بمعنى اسم مَفْعُول.
{فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} ، الْعَدُوُّ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ حَدُّوه بتعريف، هُوَ الحكْمُ في الواقع، فقالوا: إِنَّ الْعَدُوَّ مَنْ سَرَّهُ مَساءة شخصٍ، أو غَمَّه فَرَحُه، فهو عَدُوُّه.
كُلُّ إِنْسَانٍ يَسُرُّه أَنْ تُسَاءَ، ويَحْزُنه أَنْ تُسَرَّ؛ فهو عَدُوٌّ، وَكُلُّ إِنْسَانٍ يَسُرُّه أَنْ تُسَرَّ، ويُحزنه أن تَحْزَن؛ فَهُوَ وَلِيٌّ.
قوله تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ} هَذِهِ الجملة تعليلٌ لقوله: {لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} كَأَنَّهُ قِيلَ: لماذا يكون {لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} ؟ فتبَيَّنَ أَنَّ السَّبَبَ فِي ذَلِكَ هُوَ خَطَأُ هؤُلاءِ.
(1)
أخرجه البخاري: كتاب البيوع، باب إذا اصطلحوا على صلح جور، رقم (2697)، مسلم: كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة، رقم (1718).