الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (4)
* * *
* قَالَ اللَّهُ عز وجل: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [القصص: 4].
* * *
قَالَ المُفَسِّرُ رحمه الله: [{إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا} تَعَظَّمَ {فِي الْأَرْضِ} أَرْضِ مِصْرَ {وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا} فِرَقًا فِي خِدْمَتِهِ {يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ} هُمْ بَنُو إِسْرَائِيلَ {يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ} المَوْلُودِينَ {وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ} يَسْتَبْقِيهِنَّ أَحْيَاءً لِقَوْلِ بَعْضِ الْكَهَنَة لَهُ: إِنَّ مَوْلُودًا يُولَدُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ يَكُونُ سَبَبَ زَوَالِ مُلْكِكَ {إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} بِالْقَتْلِ وَغَيْره].
{وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ} : قَالَ المُفَسِّرُ رحمه الله: [يَسْتَبْقِيهِنَّ أحياء] لأنَّهُن فِي الْأَصْلِ أحياء، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى إِحْيَاءِ الموتى إِلَّا اللَّهُ.
وجملتا (يُذَبِّحُ) و (يَسْتَحْيِي) حَالٌ مِنْ فَاعِلِ (عَلَا) و (جَعَلَ).
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَةُ الأُولَى: بَيَانُ مَا كَانَ عَلَيْهِ فِرْعَوْنُ مِنَ العُلُوِّ والجبَرُوت، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تعالى:{إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ} .
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ مَنْ عَلَا فِي الْأَرْضِ، وطلب العُلُوَّ عَلَى الْخَلْقِ؛ فهو شبيه بفِرْعَون ووارثُه، وبئس الرَّجُلُ مَنْ كَانَ فِرْعَوْنُ إمامَه.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أنَّ تفريق الأُمة سببٌ لفَشَلِها وذُلِّها، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تعالى:{وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا} ، ومنها نعلم أَنَّ الْحِكْمَةَ الإنجليزية المشهورة (فَرِّقْ تَسُدْ) أصلُها فِرْعَوني؛ لأن فِرْعَون هُوَ أَوَّلُ مَنْ جَعَلَ أَهْلَ الْأَرْضِ شيعًا؛ حَتَّى يَسُودَ عليهم.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ، مَعَ أَنَّهُمْ فِي الْأَصْلِ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ.
فيتفرع عَلَى هَذِهِ الْفَائِدَةِ: أَنَّ مَنْ سَكَنَ أرضًا، وأقام فيها، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِهَا فِي الْأَصْلِ، نُسب إليها، وَصَارَ مِنْ أَهْلِهَا.
الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: بيانُ شِدَّة استضعاف فِرْعَون لِبَنِي إِسْرَائِيلَ؛ حَيْثُ كَانَ {يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ} .
وَقَدْ قِيلَ فِي سَبَبِ فِعْلِهِ هَذَا: إِنَّهُ أُخبر بأنه سيُولَد مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ولا، يَكُونُ هَلَاكُهُ عَلَى يَدِهِ.
وَقِيلَ: لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الطَّرِيقُ لإذلال الأُمَّة؛ لِأَنَّهُ إِذَا ذَهَبَ الرجال، وبقيت النساء صِرن إماءً للمُسْتَعْبِد، وهُنَّ بلا شك مَا عِنْدَهُنَّ قَيِّمٌ عليهن، ولا مُدافِعٌ عنهن.
الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: أَنَّ الْعُلُوَّ فِي الْأَرْضِ، والعُتُوَّ عَلَى الْخَلْقِ، والسَّعْيَ بينهم بالتفريق يُعَدُّ مِنَ الإفساد، وَذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ تعالى:{إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} .
ويتضح مِنَ الآيَةِ أَنَّهُ مَنْ كَانَ عَلَى نقيض ذَلِكَ مِنَ التواضع للحَقِّ والخَلْقِ، جَمَعَ شَمْلَى الأُمة، وقَصَرَ عدوانه عنها، يَكُونُ مِنَ المُصْلِحِينَ، وَكَمَا قِيلَ: وبِضِدِّها تتميز الأَشْياء.
* * *