الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقول المُفَسِّر رحمه الله: [فَوَضَعَتْهُ فِي تَابُوتٍ] أَخَذَهُ مِنْ آيَةٍ أخرى: {أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ} [طه: 39] وَهَذَا مِنْ إرشاد اللَّهِ تبارك وتعالى له؛ لِأَنَّهُ مَا أَمَرَهَا أَنْ تُلْقِيَه وتُسَلِّم فِي الْبَحْرِ، وإنَّما أَمَرَهَا أَنْ تُلْقِيَه في تابوت؛ ليكون حفظًا له.
والتابوت يَكُونُ مِنَ الْخَشَبِ، والخشبُ عادة يَطْفُو عَلَى المَاءِ، وَلَا يَغْرَقَ، فإذا جُعِل فيه القارُ، فإنه أيضًا يَمْنَعُ مِنْ دُخُولِ الماء إليه؛ لِأنَّهُ رُبَّما إِذَا دَخَلَ الماء إليه، وتسلل فِي الْخَشَبَ، يَثْقُلُ ثم يغُوص.
وَأَمَّا قَوْلُه: [وَأَلْقَتْهُ فِي بَحْرِ النِّيلِ لَيْلًا] ربما يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ: {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا} [القصص: 10]، أنَّها ألقته فِي اللَّيْلِ، ثم جعلت توسوس فيه، وتَهْتَمُّ له، حَتَّى كَانَت لا تُفَكِّر فِي غَيْرِهِ، كَمَا سَيَأْتِي.
ثُمَّ إِنَّهُ مِمَّا يؤيد ذَلِكَ أَنَّ المَرْأَةَ قد خَافَتْ عَلَيْهِ، وإذا خَافَتْ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ مِنَ المستبعد عَادَةً أَنْ تَخْرُجَ به نهارًا، وتُلقيه أمامَ النَّاس، فَلَابُدَّ أَنْ يَكُونَ لَيْلًا، فَيَكُونُ هَذَا الحكْمُ بأنَّهُ (ليلًا) مَأْخُوذًا مِنَ الْآيةِ، وَمِنَ العادة، بِأَنَّ هَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا فِي اللَّيْلِ.
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَةُ الأُولَى: قَوْلُ اللَّهِ تبارك وتعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى} فِيهِ دَليلٌ عَلَى إكرام اللَّهِ سبحانه وتعالى لأُم موسى، وهذا الإكرامُ يُفْهَمُ مِن عِدَّة أوجُه حقيقةً، يُفْهَمُ مِنَ الْوَحْي والإلهام، ومِن تَطْمِينِها فِي قَوْلِهِ:{وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي} ، ومِن بِشارتها بأنه سيُردُّ إليها، ويجعله اللَّهُ مِنَ المُرْسَلِينَ.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: فِيهَا بَيَانُ عناية اللَّهِ تعالى بموسى.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الأنبياءَ كغيرهم مِنَ الْبَشَرِ، يَحْتَاجُونَ إِلَى الغِذاء؛ لقوله {أَنْ أَرْضِعِيهِ} .
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: وجوب الإِرضَاع، إذا جعلنا الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ، لا للإرشاد، ولكن القَواعِد الشرعية تَقْتَضِي وُجُوبَ الإرضاعِ، وإنقاذَ المعصوم.
الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: بيانُ قُوَّةِ إيمان أُمِّ مُوسَى، وَهَذَا مِنْ مَناقبها؛ لأنَّها ألقت بِهِ فِي الْيَمِ، وهو ابنها، وهذا شَيْءٌ لَا يَقَعُ إِلَّا للمؤمن حقًّا.
الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: بيان قُدْرَةِ اللَّهِ عز وجل فِي هَذَا الْوَلَدِ الصغير، الذي أُلْقِيَ فِي الْيَمِّ المُهْلِك، ولا حَافِظَ لَهُ إِلَّا اللَّهُ سبحانه وتعالى، كيف صار في آخِرِ أَمْرِهِ مِنَ الرُّسُلِ.
الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: أَنَّهُ يَنْبَغِي طَمْأَنة المحزونِ ببشارَته بمستقبله؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ: {إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} .
الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ: إثبات الرِّسالَة لموسى عليه السلام؛ لقوله سبحانه وتعالى: {وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} .
* * *