الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد يدلُّ تَبَنِّيهَا لموسى عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ عاقرًا لا تلد، وَقَدْ لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ؛ فالمرأةُ قد تتخذ الولد زِيادَةً عَلَى مَا عندها، ولكننا عندما لَا نَجِدَ دَليلًا بَيِّنًا لما نقول: وربما يَكُونُ كَذَا.
قوله تعالى: {وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} ، هَذِهِ جُمْلَةٌ الظَّاهر أَنَّهَا مِن كَلَامِ اللَّهِ، يعني {وَهُمْ} أي: آلُ فِرْعَوْنَ ومنهم المرأة، {لَا يَشْعُرُونَ} بعاقبة أَمْرِ هَذَا الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ شعروا بعاقبة أَمْرِه لمَا قَبِلُوا منها مَشُورَتها، وَلَكِنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى أعمى ذَلِكَ عَنْهُمْ.
بعضهم يقول {وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} آلُ فِرْعَوْنَ لَا يَشْعُرُونَ بما تريده المرأة، وكأنَّ المرأة ألهمها اللَّهُ عز وجل مآلَ هَذَا الرَّجُل، وأمَّا هُم فلا يشعرون، لكن الأقرب أَنَّه مِنْ كلام اللَّهِ سبحانه وتعالى.
ومن الظَّاهِرِ أَنَّ امْرَأَةَ فِرْعَونَ لَمْ تَكُنْ قَدْ أسلمت حينئذ، فَقَدْ كَانَتْ زوجتَه، وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مُطيعة له، وأَنْ تَكُونَ عَلَى دِينِهِ.
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَةُ الأُولَى: بيانُ فَضِيلَة امرأةِ فِرْعَوْنَ مِنْ قَوْلِها: {لَا تَقْتُلُوهُ} ، وَفِيهَا أَيْضًا دَلِيلٌ عَلَى فِرَاسَتِها؛ لأنَّها توقَّعَت أن ينفعهم، ولكن حدث بَعْضُ مَا توقَّعَتْه، فقد نَفَعَها هي فقط، وضَرَّ فِرْعَون.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى مَا قِيلَ: (إنَّ البلاء مُوَكَّلٌ بِالمَنْطِقِ)، والتفاؤل كلام؛ فامرأةُ فِرْعَونَ قالت:{قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَك} ، فتفاءلت بِهِ خَيْرًا، فحصل لَهَا ذَلِكَ، وصار قُرَّةَ عَيْنٍ.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ تُستعمل الأساليب الَّتِي تُحَقِّقُ المقصود؛ لقوله: {قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا} ، فَإِنَّ هَذَا الْقَوْلَ منها، سَوَاءٌ كَانَت تتوقع ذَلِكَ، أَوْ لَا تتوقعه، لَابُدَّ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا فِي مُوَافَقَةِ فِرْعَونَ لمِا بَلَغَهُ.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ فِرْعَونَ هَمَّ بقتل موسى، وذلك يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ امرأة فِرْعَون:{لَا تَقْتُلُوهُ} ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ هَمَّ بِهِ.
الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: قُصور عِلم الْإِنْسَانِ مَهْمَا بَلَغَ فِي عُلُوِّهِ واستِكْباره؛ لقوله: {وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} .
الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: هَذَا الْآيَةُ لَيْسَتْ دَلِيلًا عَلَى جَوَازِ التَّبَنِّي، فقوله تعالى:{أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: نُكرمه ونجعله في بيتنا مِثْلَ الْوَلَدِ، وقوله:{عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا} أي: مِثل الخادم، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ:{نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} معناه: نتبنَّاه.
وَعَلَى هَذَا المَعْنَى، فَلَا دَليلَ عَلَى جَوَازِ التَّبَنِّي، فالتَّبَنِّي كان مَشْرُوعًا حَتَّى فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، في بداية الدعوة، ثُمَّ نُسِخَ وحُرِّم.
* * *