الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (48)
* * *
* قَالَ اللَّهُ عز وجل: {فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ} [القصص: 48].
* * *
قال المُفَسِّرُ رحمه الله: [{فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ} مُحَمَّد {مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلَا} هَلَّا {أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى} مِنَ الآيَاتِ، كَالْيَدِ الْبَيْضَاءِ وَالْعَصَا وَغَيْرِهِمَا، أَوِ الْكِتَابُ جُمْلَةً وَاحِدَةً، قَالَ تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ} حَيْثُ {قَالُوا} فِيهِ وَفِي مُحَمَّدٍ "سَاحِرَانِ"، وَفِي قِرَاءَةٍ {سِحْرَانِ} أَي الْقُرْآنُ وَالتَّوْرَاةُ {تَظَاهَرَا} تَعَاوَنَا {وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ} مِنَ النَّبِيِّينَ وَالْكِتَابَيْنِ {كَافِرُونَ}].
قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ} ، والحق -كما ذكرنا- هو الشَّيْء الثابت، وأنّه فيما يُقابِل الأوامِرَ هُو العَدْل، وفيما يُقابِل الأخبارَ هُو الصِّدق، والمرادُ بالحق هنا -كَمَا قَالَ المُفَسِّرُ رحمه الله: محمد صلى الله عليه وسلم، وكأنَّه عَدَلَ به عَن المعنى الظَّاهر مِن أَجْل قوله:{لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى} .
{فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ} هَذَا الحَقّ {مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى} ، فكأنَّ المُفَسِّر رحمه الله عَدَل عن معنى الحق الظاهر إلَى أَنْ تَكون محمد صلى الله عليه وسلم في هَذَا، ولكن الصَّواب أنَّ المرادَ بالحق الوحيُ الذي نَزل على محمد صلى الله عليه وسلم، وَلهَذَا قَالَ:
{فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا} ، والعِنْدِيَّة تقتضي القُربَ، وأن يكون ذَلكَ مِنَ اللَّه، وَهَذَا لَا يُتصور أنه محمد صلى الله عليه وسلم، بَل هُوَ الحَقّ الذي جاء به، كَمَا أَنَّ مِثل هَذِهِ الآيَة {فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا} في جَميع مواضع القُرْآن هي مطَّردة أَنَّ المرَادَ به الوحي الذي نزل عَلَى محَمَّد صلى الله عليه وسلم.
ولهذا يكون قوله: {لَوْلَا أُوتِيَ} أي: محمدٌ الَّذي جَاءَ بهذا الحق، فمعنى الآية هنا ظاهر جدًّا، ولا تَكَلُّفَ فيه.
وقد يحتجُّ علينا مَن يقول: إِنَّ الضَّمير في قَوْلِهِ {لَوْلَا أُوتِيَ} يؤيد أَنَّ المرَادَ بالحق هو محمد.
ولكننا نُجيبه قائلين: لَا حَاجَةَ إلَى ذَلكَ مَا دَامَ أن الحقَّ جاء، والذي جَاءَ به هُوَ محَمَّد، فيكون معلومًا أنَّ قولَه:{لَوْلَا أُوتِيَ} يعني: محمدًا صلى الله عليه وسلم هُوَ الَّذي جَاءَ بالحقّ، وليس محمد هُوَ الحَقَّ، ولهذا ليس (الحَقُّ) مِن أَسمَاء الرَّسُول عليه الصلاة والسلام، فهو صلى الله عليه وسلم صادق فيما جَاءَ به مِنَ النبوة، ولكنَّه جاء بالحق.
قوله تعالى: {قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى} ، الضَّمير في {قَالُوا} يَعود عَلَى قرَيش، و {لَوْلَا} هنا تحريضيَّةٌ، وليست شَرطيَّةً، وهي بمعنى: هلَّا.
وقَولُه تعالى: {أُوتِيَ} أي: أُعطي، {مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى} يعني: مِن الآيات، مِثلَ ما أُعطي موسى مِنَ الآيات.
وهذا الجواب فيه إشكالٌ إذا جعلْنَاه عائدًا إلى قُرَيْشٍ؛ لأن قريشًا -كَمَا هُوَ معلوم- قوم أُمِّيُّون، لَا يَعلَمونَ عن الرُّسُل شيئًا، فكيف يعارضون بقصة موسى؟ وقد أجاب المُفَسِّرون عن ذلك، بأنَّ قريشًا كانت عندَما بُعث الرَّسُول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
تراسل اليهودَ، وتقول: جاءنا رَجُل يقول إنه نبيٌّ، فما علامات الأنبياء عندكم؟ فتخبرهم اليهود بعلامات الأنبياء، ولهذا عارضت قريش النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم بالآيات الَّتي جَاءَت لموسى.
ويحتمل أَنَّ قَولَه: {فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى} عائدٌ إلى اليَهُود؛ لأن الرَّسُول صلى الله عليه وسلم مبعوث إلَيْهِم، ويؤَيد هذا الاحتمالَ قولُه بَعدَ ذَلكَ:{أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ} .
قوله: {قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى} ، قَالَ المُفَسِّرُ رحمه الله: المراد هنَا هُوَ محمد صلى الله عليه وسلم، وَقَد يَكون المرَاد هو القُرْآن، {مَا أُوتِيَ مُوسَى}: أي: أتيَ بوحيٍ مِثل التَّوراة، وغيرها مِنَ الآيَات كالعَصا واليَد.
قوله تبارك وتعالى: {أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ} الضَّمير يَعود عَلَى جنس البَشر، أي: إنَّ آيات موسَى لَم تنفع أيضًا، فقد كفرَ بها مَن كَفر مِن النَّاس، فاقتراحكم أَن تَكونَ آياتُ محمد صلى الله عليه وسلم كآيات موسى ليس ذلك بِمُوجِبٍ للإيمان؛ لأن آياتِ موسى كُفِرَ بها.
قوله تعالى: {قَالُوا سِحْرَانِ} فيها قراءة ثانية، "قَالُوا سَاحِرَانِ"
(1)
، وعلى القِراءَة التي بين أيدينا، فالمراد محمد وموسى، وعلى القِراءَة الثَّانية يَكونُ المُرَاد التَّوراة والقُرْآن.
قوله: {تَظَاهَرَا} أي: تعاوَنَا.
(1)
السبعة في القراءات، لابن مجاهد (ص 495).