الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقولُه: {وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ} أَكَّدَها بـ (إنَّ) واللام، ثُمَّ قَالَ:{مِنَ الْكَاذِبِينَ} ليفتح الباب لكذبه؛ لأَنَّه لَيسَ هَذَا أَوَّل مَن كَذَبَ، فليس بغريب أَنْ يَكذب؛ لأَنَّه قَد سَبَقَه مَن سَبَقَه، فَيَكون هَذَا أَكثَرَ قَبُولا لقوله عندهم، وليُذَكِّرَهم أَنَّ موسَى مِثل غَيره مِنَ الكَاذبينَ، فليس أَوَّل مَن كَذَبَ.
فَائدَة: قَوُله تبارك وتعالى: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} هَذِهِ الدَّعوَى كَذَب فيها فِرْعَونُ؛ لأنَّ موسَى قَالَ لَه: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الإسراء: 102]، لكنه يُمَوِّهُ به عَلَى قَومِه، ولهذا أمر بهذه الفَعْلَة.
وَكَذَلكَ في قَوْلِهِ: {وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ} كذب أَيْضًا في قَوْلِهِ، بَل هُوَ مُتيَقِّن أَنَّ موسَى صادق، ولكنه زاغ وتنكَّر للحق.
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَةُ الأُولَى: أن فِرْعَون قد سيطر على قلوب قومه، ووَجْهُ ذَلكَ أَنَّ مِثلَ هَذَا الكَلَام لَا يُقبَل إلَّا مِن شَخص قد سَلَب عُقولَهم، وإلَّا خرج أيُّ وَاحِد منهم ليقول: أريد أَنْ أُصْبحَ إلها.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: تَمْوِيهُ فِرْعَونَ عَلَى قَومِه، وَأَنَّه مِن أَشَدّ النَّاس مَكرًا وحِيلةً؛ لقوله:{مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} .
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: إثبات عُلُوِّ اللَّه، وناخذه مِن قَولِه:{فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى} ، وَهَذَا دَليل عَلَى أَنَّ موسَى قَالَ لَه: إنَّ اللَّهَ في السَّمَاء.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أن فرعَونَ كَانَ عظيمَ المُلْكِ في مملكته، وَكَانَ لَهُ وزراء يأمرُهم.
الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: إسنَاد الفعل إلَى الآمر به إذَا كَانَ لَهُ سلطَان، لقوله: {فَاجْعَلْ
لِي صَرْحًا}، وَمَعلوم أَنَّ هامان لَم يُبَاشر البناء، بل باشَرَهُ العُمال، ولكنه نسبَ الفعل إلَيه؛ لأنَّه الآمِر به، ففيه إسنَاد الفعل إلَى الآمر به لمَن كَانَت لَهُ سُلطة الأمر.
والفقهاء رحمهم الله اعتبروا هذا، فقالوا: لَو أَمَرَ بالقَتل غيرَ مكلَّف، فَقَتَل، فالقَوَد عَلَى الآمِر؛ لأَنَّه لَو قَالَ رَجُل مَا لشاب لَم يَبلُغ بَعْدُ: اقتُل فلانًا. فذَهَب فقتلَه؛ فَإنَّ الَّذي يُقْتَلُ هو الآمِر؛ لأَنَّه هُوَ السَّبَب، وَالحُكم إلَيهِ.
الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: أنَّ الفَخَّار أَقوَى مِنَ الطّين غير الموقَد عليه، يؤخَذ مِن قوله:{فَأَوْقِدْ لِي يَاهَامَانُ عَلَى الطِّينِ} وَقَد يَكون فِرْعَون أَوَّل مَن اخترع هذا الطين، وَقَد يَكون الأَمر مَعلوما مِن قَبل.
الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: طغيان فِرْعَون، واستِكْباره، حَيث ذَكَرَ الربَّ سبحانه وتعالى بصيغة الإذلال في قَوْلِهِ:{لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى} فنسبه إليه؛ احتقارًا له؛ لأنَّه يحتقر موسى.
الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ: أنَّ فرعَون مِن أَكْذَبِ النَّاس؛ لقوله: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} ، ولقوله:{وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ} .
* * *