المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الآية (32) * * *   * قَالَ اللَّهُ عز وجل: {اسْلُكْ يَدَكَ - تفسير العثيمين: القصص

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌(الآيات 1 - 3)

- ‌من فوائد الآيات الكريمة:

- ‌الآية (4)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآيتان (5، 6)

- ‌من فوائد الآيتين الكريمتين:

- ‌الآية (7)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (8)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (9)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (10)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (11)

- ‌الآية (12)

- ‌الآية (13)

- ‌الآية (14)

- ‌الآية (15)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (16)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (17)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (18)

- ‌الآية (19)

- ‌الآية (20)

- ‌الآيتان (21، 22)

- ‌الآية (23)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (24)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (25)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (26)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (27)

- ‌الآية (28)

- ‌من فوائد الآيات الكريمة:

- ‌الآية (29)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (30)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (31)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (32)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (33)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (34)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (35)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (36)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (37)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (38)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (39)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (40)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (41)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (42)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (43)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (44)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (45)

- ‌الآية (46)

- ‌الآية (47)

- ‌الآية (48)

- ‌من فوائد الآيتين الكريمتين:

- ‌الآية (49)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (50)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (51)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (52)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (53)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (54)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (55)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (56)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (57)

- ‌الآية (58)

- ‌الآيات (59 - 64)

- ‌من فوائد الآيات الكريمة:

- ‌الآية (65)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (66)

- ‌الآية (67)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (68)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (69)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (70)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآيتان (71، 72)

- ‌من فوائد الآيتين الكريمتين:

- ‌الآية (73)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (74)

- ‌الآية (75)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (76)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (77)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (78)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (79)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (80)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (81)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (82)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (83)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (84)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (85)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (86)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (87)

- ‌الآية (88)

الفصل: ‌ ‌الآية (32) * * *   * قَالَ اللَّهُ عز وجل: {اسْلُكْ يَدَكَ

‌الآية (32)

* * *

* قَالَ اللَّهُ عز وجل: {اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} [القصص: 32].

* * *

قَالَ المُفَسِّرُ رحمه الله: [{اسْلُكْ} أَدْخِلْ {يَدَكَ} الْيُمْنَى بِمَعْنَى الْكَفِّ {فِي جَيْبِكَ} هُوَ طَوْقُ الْقَمِيصِ وَأَخْرِجْهَا {تَخْرُجْ} خِلَافَ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنَ الْأُدْمَةِ {بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} أَيْ بَرَصٌ، فَأَدْخَلَهَا وَأَخْرَجَهَا تُضِيءُ كَشُعَاعِ الشَّمْسِ تَغْشَى الْبَصرَ {وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ} بِفَتْحِ الحرْفَيْنِ، وَسُكُونِ الثَّانِي مَعَ فَتْحِ الْأَوَّلِ وَضَمِّهِ، أَيِ الْخَوْفُ الحْاصِلُ مِنْ إضَاءَةِ الْيَدِ بِأَنْ تُدْخِلَهَا فِي جَيْبِكَ فَتَعُودَ إِلَى حَالَتِهَا الْأُولَى، وَعَبَّرَ عَنْهَا بِالْجَنَاحِ لِأَنَّهَا لِلْإِنْسَانِ كَالْجَنَاحِ لِلطَّائِرِ {فَذَانِكَ} بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ، أَيِ الْعَصَا وَالْيَدُ وَهُمَا مُؤَنَّثَانِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ المُشَارَ بِهِ إِلَيْهِمَا المُبْتَدَأُ لِتَذْكِيرِ خَبَرِهِ {بُرْهَانَانِ} مُرْسَلَانِ {مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ}].

قول المُفَسِّر رحمه الله بأنَّ اليَدَ بِمَعْنَى الْكَفِّ، لا داعِيَ له هنا؛ لِأَنَّ المُرَادَ باليَد عِنْدَ الْإِطْلَاقِ الكَفُّ، ولهذا لمَّا قَالَ اللَّهُ تعالى:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38]، فالمراد بالأيدي الأَكُفُّ، أَمَّا إِذَا أُرِيدَ باليَدِ غيرُ الكَفِّ فإنها تُقَيَّد، كَمَا فِي

ص: 153

قَوْلِهِ تعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6]، وَقَالَ تبارك وتعالى:{فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6]، فالمراد مَسْحُ الكَفِّ فقط، وليس اليَدَ كُلَّها.

وقوله: [اليُمْنى] لَا نَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ عَلِمَ ذلك، فالآية لَيْسَ فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى هَذَا، ولهذا فإن الْأَوْلَى أَنْ نجعَلَها مُبْهَمَةً كما أَبْهَمَهَا اللَّهُ سبحانه وتعالى، ولا يَهُمُّنا أَنْ تَكُونَ الْيَدَ الْيُمْنَى، أو اليسرى.

قَالَ المُفَسِّرُ رحمه الله: [{فِي جَيْبِكَ} هُوَ طَوْقُ الْقَمِيصِ وَأَخْرِجْهَا].

قوله: [وَأَخْرِجْهَا] المُفَسِّر رحمه الله قَدَّر طلبًا مناسبًا للجَواب؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مجرد إدخالٍ، بَلْ إِذَا أَخْرَجَها خَرَجَت بيضاء، لكن الحقيقة أَنَّهُ لَا داعيَ إِلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا مَانِعَ أَنْ يَكُونَ {تَخْرُجْ} جوابًا لقوله:{اسْلُكْ} ؛ فَإِنَّك إِذَا قُلْتَ: أَخْرِجْ، لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَخْرَجَها، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الحَذْفِ، وعليه فـ {تَخْرُجْ} هنا مجزومة جوابًا للطلب فِي قَوْلِهِ:{اسْلُكْ} ؛ لِأَنَّ جَوَابَ الطلَبِ إِذَا حُذِفت منه الفاءُ صار مجزومًا، وَإِنْ وَجَدْت مَعَهُ الفاء صار منصوبًا بـ (أَنْ) قَالَ ابْنُ مالك

(1)

:

وَبَعْدَ (فَا) جَوَابُ نَفْيٍ أَوْ طَلَبْ

مَحْضَيْنِ (أَنْ) وَسَتْرُهَا حَتْمٌ نَصَبْ

يعني: مَعْنَاهُ أَنَ (أَنْ) تَنْصِب بَعد (فاء) التي وقعت جوابًا لنَفْيٍ، أَوْ طَلَبٍ مَحْضَيْنِ، وَلَكِنَّهَا إِذَا فَقَدَتِ الفَاء؛ فإنه يُجزم.

وَشَرْطُ جَزْمٍ بَعْدَ نَهْيٍ أَنْ تَضَعْ

(إِنْ) قَبْلَ (لَا) دُونَ تَخَالُفٍ يَقَعْ

(2)

(1)

ألفية ابن مالك (ص 58).

(2)

ألفية ابن مالك (ص 58).

ص: 154

بمعنى: طَلب، طلب أمر.

قَالَ المُفَسِّرُ رحمه الله: [{تَخْرُجْ} خِلَافُ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنَ الأُدْمَةِ] والأُدمة: السُّمْرة، أي اللَّون الَّذِي يَكُونُ بَيْنَ البياض والسواد، يُسَمَّى أُدْمَة، وكان موسى صلى الله عليه وسلم آدَمَ.

قوله تعالى: {بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} أي: مِنْ غَيْرِ عيب؛ لأن العيب يَسُوء المرءَ، وَالْبَيَاضُ الَّذِي يَسُوء المرءَ هو البَرَصُ، وَلِهَذَا قَالَ المُفَسِّرُ رحمه الله:[أَيْ: بَرَص] وقوله: {بَيْضَاءَ} حَالٌ مِنْ فَاعِلِ {تَخْرُجْ} .

{بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} قال: [فَأَدْخَلَهَا وَأَخْرَجَهَا تُضِيءُ كَشُعَاعِ الشَّمْسِ تُغْشِي الْبَصَرَ] وهي مبالَغة، يكفينا أَنْ نَقُولَ مَا قَالَهُ اللَّهُ سبحانه وتعالى:{بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} يعني: ليس بَرَصًا، بل بياضًا، وَأَمَّا أَنْ تَكُونَ تُضيء لكان اللَّهُ يَقُول: تخرج مُضيئة؛ لأن الإضاءة أَبْلَغُ مِنْ مُجَرَّد البياض، كَذَلِكَ أَيْضًا أقوى للآية، وَنَحْنُ نَقُولُ كَمَا قَالَ اللَّهُ:{بَيْضَاءَ} .

قوله تعالى: {وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ} قَالَ المُفَسِّرُ رحمه الله: [بِفَتْحِ الحَرْفَيْنِ، وَسُكُونِ الثَّانِي مَعَ فَتْحِ الأَوَّلِ وَضَمِّهِ، وَسُكُونِ الثَّانِي الَّذِي هُوَ الهَاءُ]. [مَعَ فَتْحِ الاوَّلِ] الَّذِي هُوَ الراء، [وَضَمِّهِ] فتكون القِراءَة بثلاثة:"الرَّهَب"، و"الرَّهْب"، و"الرُّهْب"، "وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهَبِ" هِيَ الْقِرَاءَةُ التي بَدَأَ بِهَا المُفَسِّر رحمه الله، "وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرُّهْبِ" صحيح، "وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهَبِ" أَيْضًا صحيح

(1)

.

(1)

شرح طيبة النشر، لابن الجزري (ص 292).

ص: 155

وَقَوْلُهُ: {جَنَاحَكَ} المراد بالجَناح اليَد؛ لأنَّها للإنسان بمنزلة الجَناح للطائر، وقوله:{مِنَ الرَّهْبِ} : {مِنَ} السَّبَبِيَّة، وهي حَرْفُ جَرٍّ.

قال: [أَيِ: الخَوْف]، هَذَا تَفْسِيرٌ للرَّهْب، فالرَّهْبُ هُوَ الْخَوْفُ، يقول المُفَسِّرُ رحمه الله:[أَي الْخَوْفُ الحَاصِلُ مِنْ إِضَاءَةِ اليَدِ بِأَنْ تُدْخِلَهَا فِي جَيْبِكَ، فتعُودُ إِلَى حَالَتِهَا الأُولَى] يعني: إذا أَدْخَلَهَا فِي جَيْبِه وأخرجَها صارت بيضاء، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُعِيدَها إلى حالتها ضَمَّها إليه فعادت إلى حالها. هذا معنى كلام المُفَسِّر رحمه الله.

وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إِنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ مُنْفَصِلَةٌ عَنِ الأُولى، وَإِنَّ اللَّهَ تعالى أرشدَه إِذَا خَافَ أَنْ يضم يَدَهُ إِلَى صَدْرِهِ؛ حَتَّى يَزُولَ عَنْهُ الْخَوْفُ، وَهَذهِ آيَةٌ خَاصةٌ لموسى فقط، أَنَّهُ إِذَا خَافَ مِنْ شَيْءٍ، فإنه يَضُمُّ يَدَهُ إِلَى نَفْسِهِ، وليست عَامَّةً لِكُلِّ أَحَدٍ، لكن رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ:"لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ يَدْخُلُهُ رُعْبٌ بَعْدَ مُوسَى عليه السلام، ثُمَّ يُدْخِلُ يَدَهُ فَيَضَعُهَا عَلَى صَدْرِهِ إِلَّا ذَهَبَ عَنْهُ الرُّعْبُ"

(1)

.

والآن لدينا قولَانِ لأهل الْعِلْمِ فِي مَسْأَلةِ اليَد:

الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّ هَذِهِ معالجة اليد. وهذا يُضَعِّفه أَنَّ اللَّهَ قَالَ: {وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ} ، وموسى لم يَرْهَبْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ مَا دَامَ قَالَ لَهُ:{بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} ؛ فإنه لن يَرْهَبَ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أنه عندما يحصل لموسى كَمَا فِي الآيَةِ {وَلَّى مُدْبِرًا} خائفًا، فأرشده اللَّهُ أَنَّهُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُزِيلَ الْجَوْفَ مِن شيء؛ فإنه يَضُمُّ يَدَهُ إِلَى نَفْسِهِ، {وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ} ، وعَبَّر عنها بالجناح؛ لأنَّها للإنسان كالجناح للطائر،

(1)

تفسير القرطبي (13/ 284).

ص: 156

وَهَذَا صَحِيحٌ، وهي جناحٌ أَيْضًا، يتضح ذلك في الْإِنْسَانِ عِنْدَ السعي، وَهِيَ -لَا شَكَّ- تُزَيِّنُ الْإِنْسَانَ كَمَا أَنَّ جَناح الطائر يُزَيِّنُه.

قوله تعالى: {فَذَانِكَ} بالتَّشديد والتَّخفيف، أي: العَصا واليَد، وهما مؤنَّثتان، وإنما ذُكِّرَ المشارُ به إلَيْهِما المبتدأ لتذكير خَبَرِه؛ لِأَنَّ الْيَدَ الواحدة جَناح، والأُخْرَى جناح، فإذا أَدْخَلَهَا فِي جيبه انضمت إليه اليدان كما ينضم الجناحان.

وقوله: {فَذَانِكَ} يقول: [بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ]، بالتشديد "فَذَانِّكَ"، وبالتخفيف {فَذَانِكَ} ، والشاهد لهذين الْوَجْهَيْنِ مِنْ كَلَام ابن مالك

(1)

:

وَالنُّونُ مِنْ (ذَيْنِ) وَ (تَيْنِ) شُدِّدَا

أَيْضًا وَتَعْوِيضٌ بِذَاكَ قُصِدَا

مثل النُّونِ مِنَ (اللَّذان) و (اللَّتان).

{فَذَانِكَ} أي: العصا واليد، والعصا مؤنث، قَالَ تعالى:{قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا} [طه: 18]، وَلَمْ يَقُلْ: هو عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهِ، واليد كذلك مؤنثة، قَالَ تعالى:{يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ} وَلَمْ يَقُلْ: يخرج أبيض، وَقَالَ تعالى:{بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: 64]، وَقَالَ سبحانه وتعالى:{وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} [المائدة: 64]، فهما مؤنثتان، واسم الإشارة {فَذَانِكَ} مُذَكَّر، وَلَوْ كَانَ بالتأنيث لقال: فتَانِك برهانان. فلماذا جعله مُذَكَّرًا؟ يقول المُفَسِّرُ رحمه الله: [وَإِنَّمَا ذُكِّرَ المُشَارُ بِهِ إِلَيْهَما المُبْتَدَأُ]؛ لأن (ذَانِ) المبتدأ، والخَبر {بُرْهَانَانِ} ، وهو مُذَكَّر، فرُوعِي الخَبر هنا فذُكِّر المبتدأ.

وقوله: {بُرْهَانَانِ} ، البرهان هُوَ الدَّلِيلُ، وقول المُفَسِّر رحمه الله:[مُرْسَلَانِ مِنْ رَبِّكُ]، كلمة [مُرْسَلانِ] ليست تفسيرًا لـ {بُرْهَانَانِ} ، ولكنَّها بيانٌ لِمُتَعَلَّق قوله:

(1)

شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك (1/ 138).

ص: 157

{مِنْ رَبِّكَ} ؛ لأن كلمة (بُرهان) اسمٌ جامِدٌ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلَّقًا للجَارِّ والمجرور.

والبرهان ليس معناه المُرسَل، البرهان معناه الدَّليل، والدَّلِيل الْوَاضِحُ يُسَمَّى برهانًا، والمتكلمون يقولون: إِنَّ البُرهان هُوَ الدَّلِيلُ الْقَاطِعُ، لكن المُفَسِّر رحمه الله أدخل (مُرْسَلَانِ) لِيُبَيِّنَ أَنَّ قَوْلَهُ:{مِنْ رَبِّكَ} مُتَعَلِّقٌ بـ (مُرْسلان) المُقَدَّر، وَلَمْ يَجْعَلْهُ مُتَعلِّقًا بـ {بُرْهَانَانِ} ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ جامِد، والجارُّ والمجرور لَا يَتَعَلَّقُ إلا بفِعْل أَوْ مُشتَقٍّ، كَمَا قَالَ الناظم هنا

(1)

:

لَا بُدَّ لِلجَارِّ مِنَ التَّعَلُّقِ

بِفِعْلٍ أوْ مَعْنَاهُ نَحْوُ مُرْتَقِي

وَاسْتَثْنِ كُلَّ زَائِدٍ لَهُ عَمَلْ

كَـ (الْبَا) وَ (مِنْ) وَ (الكَافِ) أَيْضًا وَ (لَعَلْ)

لكن غير المُفَسِّر رحمه الله قال: لَا حَاجَةَ إِلَى أَنْ نُقَدِّر (مُرسلان)، بَلْ نَقُولُ: بُرهانان كائنان مِنْ رَبِّكُ، فالجارُّ والمجرور متعلقان بمحذوفٍ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مَنْ خالَفُوه أَصَحُّ مِمَّا قاله المُفَسِّر رحمه الله؛ لِأَنَّ مَا قَالَهُ المُفَسِّر خاصٌّ، وما قدَّره غيره عامٌّ، ومُتَعَلِّق الجارِّ والمجرور إِذَا كَانَ خَاصًّا، فلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ، فلا يُحذف مُتَعَلَّق الجارِّ والمجرور، إِلَّا إِذَا كَانَ عَامًّا، مِثل كائِن، أو مَوْجُودٍ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.

فالصَّواب إذن: أن نُبقِيَ الآيَةَ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ، ونقول:{مِنْ رَبِّكَ} مُتعلق بمحذوف تقديره: كائنان.

قوله تعالى: {إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ} ، وَهَذَا الَّذِي أَوْجَبَ للمُفَسِّر أَنْ يُقَدِّرَ (مُرْسَلان) لِأَجْلِ قَوْلِه:{إِلَى فِرْعَوْنَ} ، وَلَكِنَّهُ لَيْسَ مُرْسَلًا، المُرسَل فِي الحَقِيقَةِ هو

(1)

فتح رب البرية في شرح نظم الآجُرُّومية، لأحمد بن عمر بن مساعد الحازمي (ص 7).

ص: 158

موسى، لكنْ معه دليلان {إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ} أي: قومه، وفِرْعَونُ هو حاكِمُ مِصرَ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ عَلَمُ جِنس لِكُلِّ مَنْ حَكَمَ مصر كافِرًا، فإنه يُسَمى فِرعون، وَكُلُّ مَنْ مَلَكَ الفُرْسَ كافرًا، فإنه يُسَمى كِسْرَى، وَكُلُّ مَنْ مَلَكَ الرُّوم كافرًا، فإنه يُسَمَّى قَيْصَر.

وقوله تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} الجملة تعليلٌ لمَا قَبْلَهَا، يعني: إننا أرسلناك بهاتين الآيتين إِلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ؛ لأنَّهم {كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} ، والفِعل:{كَانُوا} مفصوُل الزَّمَن، مفصولة الدَّلالة عَنِ الزَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ مَا دَلَّ عَلَى ماضٍ، وَلَا عَلَى غَيْرِهِ، فمعنى {كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} ، أي: مُتَّصِفِين بالفِسْق، فَاللَّهُ تعالى يَقُولُ عَنْ نَفْسِهِ دائمًا:{وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [الأحزاب: 40]، ويقول:{وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 96]، إِلَى آخِرِهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ المُرَادُ الزَّمَنَ الماضيَ، بَلِ المُرَادُ أنه مُتَّصِفٌ بهذه الصفاتِ، لكنَّها قد تَدُلُّ عَلَى الزَّمَن الماضي بِقَرِينَةٍ غَيْرِ لَفْظِ الفِعل.

وقوله تعالى: {فَاسِقِينَ} قَدْ مَرَّ عَلَيْنَا أَنَّ الفِسق يَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ:

الْأَوَّلُ: قِسمٌ مُخْرِجٌ عَنِ الْمِلَّةِ، وهو فِسق الكُفر، ومثاله:{أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (18) أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 18 - 19].

الثَّاني: فِسقٌ مُخْرِجٌ عَنِ الِاسْتِقَامَةِ، وَلَا يُخْرِجُ عَنِ الإِيمَان، وهو فِسق المعصية، ومثالُه قَولهُ سبحانه وتعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ} [الحجرات: 6].

ص: 159