الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
متبوعين يُقْتَدَى بهم في الكفر، فَكلُّ مَن أَتَى بَعْدَهُم، وكان كُفره كُبَّارًا؛ فإنه مُقْتَدٍ بهم.
وقوله: {يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} بالقَول وَبالفعل جميعًا، فهم قَبلَ أَنْ يَهلكوا يدعون بالقَول وَبالفعل، وَبَعدَ أَن هلكوا يَدعون بالفعل؛ لأَنَّ مَن اقتدى النَّاس بفعله فَهوَ في الحقيقَة قد دَعَاهم إلَيه.
وهم هنَا لَا يدعونهم بالقول: هيا ادخلوا النار، ولكن يَدعونَ إلَى العَمَل الموَصّلَ إلَيهَا، وَهُوَ الشّرك والكفر، وبئس مَا كَانوا أئمة فيه، وهو الدعوة إلَى الكُفر باللَّه تبارك وتعالى والإشراك.
وقوله سبحانه وتعالى: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ} : {وَيَوْمَ} هذا ظرفٌ متعلق بـ {يُنْصَرُونَ} ، يعني: وَهُم لَا يُنصَرونَ يَومَ القيَامَة، هُم في الدّنيَا أئمة متبوعون، لَكِن في الآخِرَة {لَا يُنْصَرُونَ} ، لَا يَستَطيعونَ أَنْ ينتصروا لأنفسهم، فَلَا يمكن أَنْ يَكونوا أَئمَّة يُقتَدَى بهم.
وقوله: {لَا يُنْصَرُونَ} أي: لَا يَجِدُونَ مَن ينصرهم بِدَفع العَذَاب عنهم، لَا هُم، وَلَا غَيرُهم، حتى غَيرهم لَا يمكن أَنْ يَدفَعَ عنهم العذاب.
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَةُ الأُولَى: حِكمة اللَّه سبحانه وتعالى في مِثل فِرْعَونَ وقومِه؛ لأن إيجادَهم حِكمة، فَإنَّ اللَّهَ قَادر عَلَى أَنْ يَجعَلَ النَّاس عَلَى الهدَى، لكنه سبحانه وتعالى له الحكمَة في أَنْ يُوجِد مثلَ هَؤلَاء القَوم الَّذينَ يَدعونَ إلَى النَّار.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: حِكْمَةُ اللَّهِ تعالى فيمَا خَلَقَ مِن أَمْره، وأنه بلاءٌ وفتنة.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: إثبات الإمَامَة في الشَّرِّ، فَانظر إلَى هَذِهِ في آل فرعَونَ، وَانظُر إلَى هَذِهِ في بَني إسرَائيلَ {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24]، ففَرق بَينَ مَن يَقُودُ النَّاسَ بأَمر اللَّه، أَو مَن يقودونهم بشريعته، وَبَينَ مَن يَدعونَ إلَى النَّار.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أَنَّ الدّعَاءَ إلَى النَّار وإلى الخير أيضًا، كَمَا يَكون بالقَول يَكون بالفعل، وَقَد يَكون مَا هُوَ بالقول أقوى، وَقَد يَكون مَا هُوَ بالفعل أَقوَى، إنما عَلَى كلّ حَال الدعاء بهذا وبهذا ثابت؛ فَإنَّه كَانَ يَدعو النَّاسَ بمقاله وبحاله.
الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: إثبات يَومِ القيَامَة في قَوْلِهِ سبحانه وتعالى: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ} ، وقد سُمي يَومَ القيَامَة، لأُمُور ثلاثة:
الأَوَّل: أَنَّه يَقُوم النَّاس فيه مِن قُبورهم لرَبّ العَالمَينَ.
الثَّاني: أنه يقَام فيه العَدل كَمَا قَالَ تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنبياء: 47].
الثالث: أنه يَقُوم فيه الأشهاد {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر: 51]، فلهذا سُمّيَ يَومَ القيَامَة.
الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: بَيَان أَنَّ آلَ فرعَونَ لَا نَاصِرَ لَهم في الآخرَة، ومِثلهم مَن كَانَ عَلَى شاكلتهم مِن المستكبرين عَن الحَقّ؛ فَإنَّهم لَا يَجدونَ مَن يَنصرهم مِن عَذَاب اللَّه إذَا نَزَلَ بهم في ذَلكَ اليَوم.
* * *