الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (9)
* * *
* قَالَ اللَّهُ عز وجل: {وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} [القصص: 9].
* * *
قَالَ المُفَسِّرُ رحمه الله: [{وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ} وَقَدْ هَمَّ مَعَ أَعْوَانِهِ بِقَتْلِهِ هُوَ {قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} فَأَطَاعُوهَا {وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} بِعَاقِبَةِ أَمْرِهِمْ مَعَهُ].
قَالَ المُفَسِّرُ رحمه الله: [قوله تعالى: {وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ} وَقَدْ هَمَّ مَعَ أَعْوَانِهِ بِقَتْلِهِ، أي: بقتل موسى، [هو {قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ}]، كلمة {قُرَّتُ} مكتوبة بالتاء المفتوحة، والقاعدة أَنْ تَكُونَ بالتاء المربوطة، وَهِيَ كَذَلِكَ فِيمَا بَقِيَ مِنَ الآيَاتِ بالمربوطة {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} [الفرقان: 74]، بالتاء المربوطة، ولم تأتِ مفتوحةً إِلَّا فِي هَذَا المَوْضِعِ مِنَ القُرْآن، وذُكرت فِي الْقُرْآنِ فِي مَوْضِعَيْنِ سِوى هذا بالتاء المربوطة.
وَإِذَا قِيلَ: مَا الْفَرْقُ؟
نقول: إِنَّ هَذَا يُتبع فيه الرسمُ العثماني، هكذا رسمه الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم.
وقوله {وَقَالتَ} تَوَجَّهَ الخطَّابُ فِيهِ إِلَى فِرْعَوْنَ، وقوله:{قُرَّتُ عَيْنٍ} قَدَّر المُفَسِّر رحمه الله [هو]؛ ليُبَيِّنَ أَنَّهُ خَبَرُ مبتدأ محذوف، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ القَرِّ، أَوْ مِنَ القَرَار،
ويَصِحُّ مِنْهُمَا جَمِيعًا، مِن القَرِّ، وهو البَرد؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ إذا بَرَدَت، فَإِنَّهَا تَكُونُ عَلَامَةً عَلَى السُّرور، ولهذا يقال: دَمُ السُّرور بارد، ودَمُ الحُزن حارٌّ.
ويقال: يبكي عليه بدمعٍ حَارٍّ، يعني: مِنَ الحُزْنِ.
إذن نقول: قُرةُ العَين كِنَايَةٌ عَنِ بُرودتها، وبُرودة العين دَلِيلٌ عَلَى السرور.
وقيل: إِنَّهَا مِن قَرَّ بالمكان، وهو القَرار وعدمُ الاضطراب؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا كَانَ خَائِفًا بدأت عينُه تَجُول مِن هنا، ومن هنا، تَشْخَصُ وتَجُولُ وتلتفت، لَكِنْ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا قارَّة، ولكن قرارها دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَخَفْ.
قَوْله تعالى: {قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} . قولها: {لَا تَقْتُلُوهُ} يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ هَمُّوا بقتله، وإلَّا لمَا كَانَ لقولها:{لَا تَقْتُلُوهُ} فائدة.
وقوله تعالى: {لِي وَلَكَ} لَا شَكَّ أنَّه وَقَعَ الْأَمْرُ كَمَا توقَّعَتْ، وصار هَذَا الْوَلَدُ قُرَّةَ عَيْنٍ لها، ورِفعة لَهَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وأما لفِرعونَ فلا، فما صَارَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ قُرَّةَ عَيْنِ، بَلْ كَانَ لَهُ عَدُوًّا وَحَزَنًا.
ومن غرائب التَّفْسِيرِ أَنَّ بَعْضَهُمْ كَانَ يَقْرَأُ هَكَذَا: {قُرَّتُ عَيْنٍ لِي} ويَقِفُ، ثُمَّ يَقْرَأُ:{وَلَك لَا} ، ثم يَقِف، ثُمَّ يَقْرَأُ:{تَقْتُلُوهُ} جملة مُستأْنَفة، وَهَذَا فِي الحْقِيقَةِ مِن التلاعُب بالقُرْآن؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَمَا يَقُولُونَ لَقَالَ اللَّهُ تعالى (تقتلونَه)؛ إِذْ إِنَّ حذفَ النُّون هُنَا لَا نَعْلَمُ لَهُ سَبَبًا سِوى النهي، فكيف يُفسَّر كَلَامُ اللَّهِ بِمِثْلِ هَذِهِ التفاسير الواردة، ولكن ذكرناه؛ لِأَنَّهُ قَدْ قِيلَ بِهِ، حَتَّى إِنَّهُ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه
(1)
وَلَكِنْ هَذَا مِنْ أَبْعَدِ مَا يَكُونُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ لمَا فِيهِ مِنْ تفكيك الكلام وتَنَاثُره،
(1)
معاني القرآن للفراء (2/ 302).
وعدم التئام بعضه مَعَ بَعْضٍ، ولأن النون فِي الْفِعْلِ {تَقْتُلُوهُ} حذوفة، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ {لَا} مُسلَّطة عليه.
ولكن امرأة فِرْعَون رضي الله عنها؛ إما أَنَّهَا قَالَتْ ذَلِكَ مِنْ بَابِ التهدئة له، ولتُفرحه، وإما أنَّها قَالَتْ ذَلِكَ معتقدةً له، وَلَكِنْ لَيْسَ مَنِ اعتقدَ شيئًا يَكُونُ الْأَمْرُ عَلَى وِفَاقِ مَا اعْتَقَدَ، بَلْ قَدْ يُخْلِفُ اللَّهُ سبحانه وتعالى اعتقادَ الإِنْسَان؛ لحِكمة يُريدها، وَهَذَا لَا مَانِعَ مِنْ أَنْ تَقُولَه معتقدةً أَنَّهُ سَيَكُونُ قُرَّةَ عَيْنِ له ولها أيضًا، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا قولها:{عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَخِذَهُ وَلَدًا} .
قوله تعالى: {عَسَى} للترجِّي، وقوله:{يَنْفَعَنَا} للخدمة، {أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} ، نتبنَّاه.
وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ لَيْسَ لفِرْعَونَ مِنِ امْرَأَتِهِ ولدٌ، فقالت:{أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فَرقًا، فإن انتفاعَهم بِهِ لَا يجعلهم يَحْنُون عَلَيْهِ كَمَا يَحْنُون عَلَى الْوَلَدِ، فالخادم عِنْدَ الْإِنْسَانِ يأمرُه وينهاه، وَلَا يَكُونُ فِي قَلْبِهِ لَهُ مِنَ الرَّحْمة والرأفة والعطف مَا يَكُونُ للولد، وَلِهَذَا قَالَت:{أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} ، وهذا انْتِقَالٌ مِنَ الْأَدْنَى إِلَى الأَعْلَى.
إذن: هي تُرِيدُ أَنْ تَقُولَ: نحن لسنا محرومين مِنْ هَذَا الْوَلَدِ؛ فَإِمَّا أَنْ نتخذه خادمًا ننتفع به، وإما نَتَّخِذَهُ وَلَدًا نفخر به، ويكون لَنَا فِي مَنْزِلَةِ الولد.
وهناك احتمال ثالث لمَا سَبَقَ، فلا ينفعهم، ولا يتخذونه ولدًا، وَلَكِنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي مِثْلِ هَذَا السياق؛ لأنَّها تريد ترغيبهم في إبقائه، والترغيب في الإبقاء لَا تَذْكُرْ فِيهِ إِلَّا الصفات المرغوبة، وَهِيَ أَنْ ينفع، أو يُتخَذ ولدًا.