الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَنْ نَفْهَمَ مِن السياق أَنَّهُمْ قَالُوا، وَقِيلَ لهمْ، فَهَذَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ سَبَبَ النزول أمرٌ منقول، والأمر المنقول لَا يُمْكِنُ أَنْ يستنتجه الإنسان بعقله.
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَةُ الأُولَى: وُجوب تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ، وَالْعَمَلِ بِهِ، وتبليغِه عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لقوله:{إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ} .
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: إثباتُ البَعث فِي قَوْلِهِ: {لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} .
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَّةُ: الحِكمة مِنْ إِنْزَالِ القرآن، وهو المُجَازَاةِ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَه:{إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ} كأنه عِلَّة ومعلولها، كأنه إِنَّمَا فَرَضَ الْقُرْآنَ مِنْ أَجْلِ المُجازاة عليه.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: دوامُ قُدْر اللَّهِ عز وجل عَلَى البَعث، فِي قَوْلِهِ:{لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} .
الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: إثباتُ عِلم اللَّهِ، وأنه أكملُ العُلوم، فِي قَوْلِهِ:{قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى} ، وأن {أَعْلَمُ} اسم تفضيل، وأحسن أَنْ يَكُونَ أفضل العلوم.
الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: أَنَّهُ مَا عَدَا الهدى فهو ضلال؛ لقوله: {أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} ، وَأَنَّهُ لَيْسَ ثَمَّةَ واسطةٌ بين الهدى والضلال، وذكرنا آياتٍ شواهدَ لِهَذَا الْأَمْرِ، مِثْل قَوْلِهِ تعالى:{فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ} [يونس: 32]، وَمِثْلَ قَوْلِهِ تعالى:{وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [سبأ: 24]، وهذا المثال -في الحقيقة- تتبين بِهِ أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ التبست عَلَى بَعْضِ الناس.
فمَثلًا: ما نُشِر فِي الصُّحُفِ هَذِهِ الأَيَّامَ مِنْ أَنَّ الأشعرية هُمْ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ والجماعة!
ونحن نسأل: هل قولُ الأشعرية هُوَ قَوْلُ السَّلَفِ؟
والجواب: لا؛ لأن الأشعرية لَا يُثْبِتُونَ مِنَ الصِّفَاتِ إلا سَبعًا، عَلَى أَنَّ إثباتهم لَها لَيْسَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يُرِيدُهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ؛ لأنهم يُثبتون -مثلًا- الكلام، ويقولون: إِنَّ الْكَلَامَ هُوَ المَعْنَى القائمُ بالنفس، وَلَيْسَ هُوَ الحرُوفَ وَالْأَصْوَاتَ، وهكذا، فَهُمْ غَيْرُ موافقين للسلف.
فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونُوا هُمْ عَلَى الحَقِّ، والسلف عَلَى الضَّلَالِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ السَّلَفُ عَلَى الْحَقّ، وهؤُلاءِ عَلَى الضَّلَالِ، وَلَيْسَ هُنَاكَ مرتبة متوسطة بَيْنَ هَذَا وذاك؛ لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ:{فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ} [يونس: 32].
وحينئذٍ يكونون ضالِّين، وَإِذَا ثَبَتَ ضلالُهم، فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَبَدًا أَنْ يُقَالَ: إنهم مِنْ أَهْلِ السُّنة والجماعة؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ السُّنة ضَلالًا، وَهَذَا أَمْرٌ غَيْرُ مُمْكنٍ.
ولكن يَجِبُ أَنْ نعرف -وَإِنْ قُلْنَا: إِنَّهُمْ ضالون فِي الْعَقِيدَةِ- أنه لَا يَلْزَمُ أَنْ نُضَلِّلَهم فِي كُلِّ شَيْءٍ، ونُخْرِجَهم مِنَ السُّنَّةِ وَالْجَماعَةِ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ منهم أئمة، أو منهم علماء كبار لَا شَكَّ أنهم يَتَحَرَّون السُّنَّةَ فِي أُمُورٍ كثيرة، وأنهم مُوَفَّقُون لها أيضًا.
فالإنسان يَجِبُ أَنْ يَكُونَ كلامُه فِي النَّاسِ بالعَدل، والقسطاس المستقيم، فلا يَهضِم أحدًا حَقَّهُ، وَلَا يُعْطِي آخَرَ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ.
فالحاصِلُ: أنَّ هناك ميزانًا ذَكَرَهُ اللَّهُ هُنَا، وَفِي آيَاتٍ أُخرى، وهو ميزان واضح جدًّا، وَأَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ إلا حقًّا، أو ضلالًا.
الْفَائِدَةُ السَّابعَةُ: إثبات أَنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْهُدَى، مِنْ قَوْلِهِ:{أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى} ، ومعلوم أَنَّ الَّذِي جَاءَ ووَرَد عَلَى النَّاسِ هُوَ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم؛ لِأَنَّ أَهْلَ الجَاهِلِيَّةِ بَاقُونَ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ، ما جاءوا بجديد، والَّذِي جَاءَ بجديدٍ هو الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم.
فَقَوْلُهُ تعالى: {أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى} يُشِيرُ إِلَى أَنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم جَاءَ بالهدى، وأن أولئك في ضَلَالٍ مُبِينٍ.
* * *