الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (83)
* * *
* قَالَ اللَّهُ عز وجل: {تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص: 83].
* * *
قال المُفَسِّرُ رحمه الله: [{تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ} أَي الْجَنَّةُ {نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ} بِالْبَغْي {وَلَا فَسَادًا} بِعَمَلِ المَعَاصِي {وَالْعَاقِبَةُ} المَحْمُودَةُ {لِلْمُتَّقِينَ} عِقَابُ اللَّهِ بِعَمَلِ الطَّاعَاتِ].
قوله: {تِلْكَ} مبتدأ، وَهُوَ اسْمُ إشارة، وقوله:{الدَّارُ الآخِرَةُ} يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ صِفة لـ {تِلْكَ} ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ خبرًا، وقوله:{الآخِرَةُ} يعني: بذلك الجَنة؛ لِأَنَّهَا هِيَ الدَّارُ الآخِرَةُ.
فالإنسانُ له دُورٌ أَرْبَعٌ: الدَّارُ الأولى بَطْنُ أُمِّهِ، والثانيةُ الدُّنيا، والثالثة البَرْزَخ، والرابعة الآخِرَة، وَهِيَ الَّتِي لَيْسَ بَعْدَها دَارٌ، ولهذا وُصِفَت بأنها آخِرَةٌ، ليس بعدها شيء.
قَوْلُه تعالى: {نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ} بالنسبة لإعراب كلمة: {نَجْعَلُهَا} ، إنْ أَعْرَبْنَا:{الدَّارُ} صفةً، فجُملة:{نَجْعَلُهَا} خَبَرٌ، وإِنْ أَعْرَبْنا:{الدَّارُ} خَبَرًا، فجُملة:{نَجْعَلُهَا} حَالٌ مِن: {الدَّارُ الآخِرَةُ} ، والضَّمير فِي قَوْلِهِ:{نَجْعَلُهَا} يَعُودُ إِلَى اللَّهِ سبحانه وتعالى، وأتى بضمير الجَمع تَعْظِيمًا لَهَ.
قوله: {لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ} قَالَ المُفَسِّرُ رحمه الله: [بِالْبَغْيِ، {وَلَا فَسَادًا} بِعَمَلِ المَعَاصِي].
وَهَذَا الْكَلَامُ خلافًا لقارُونَ وأمثالِه، فالدَّار الآخرةُ لِلَّذِينَ لَا يُريدون عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ، والعُلُوُّ هنا سَوَاءٌ كَانَ عُلُوًّا عن أَوَامِرِ اللَّهِ، أو عُلُوًّا على عِبَادِ اللَّهِ، فالذين لا يريدون العُلُوَّ إِنَّمَا يُرِيدُونَ الذُّلَّ للَّه، والذُّل للعباد عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يرضاه اللَّه، هَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ لهمُ الدَّارُ الآخِرَةُ، فَمَنْ أَرَادَ العُلُوَّ عَلَى الْخَلْقِ، كَانَ ذَلِكَ بِمَالِهِ، أَوْ بِعَشِيرته، أو بِقُوَّتِه البَدَنِيَّة، أو بِعِلْمِه، أو بسُلْطَان، فَإِنَّهُ لَا حَظَّ لَهُ فِي الآخِرَةِ عَلَى حَسَبِ مَا عِنْدَهُ مِنْ إِرَادَةِ العُلو.
وقوله: {وَلَا فَسَادًا} الفساد -كَمَا يَقُولُ المُفَسِّرُ رحمه الله: [بِعَمَلِ المَعَاصِي]؛ فَإِنَّ عَمَلَ العاصي فسادٌ فِي الْأَرْضِ، قَالَ اللَّهُ تعالى:{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} [الروم: 41].
والْفَرْقُ بَيْنَ الصفتين: أَنَّ الْأَوَّلَ مستكبر مُتَعَالٍ فِي نَفْسِهِ، والثانيَ لَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ عَلَى العكس، ولكنه يريد المعاصي، يريد -مثلًا- الفُجور، يريد السرقة، يريد قَطْعَ الطَّرِيقِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وكلتا النِّيَّتَيْن باطلة: إرادةُ العُلو، وإرادةُ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ، فَمَنْ لَمْ يُرِدِ العُلو، ولا الفَساد هُوَ الَّذِي تَكُونُ لَهُ الدَّارُ الآخِرَةُ.
قَالَ المُفَسِّرُ رحمه الله: [{وَالْعَاقِبَةُ} المَحْمُودَةُ {لِلْمُتَّقِينَ} عِقَابَ اللَّهِ بعَمَلِ الطَّاعَاتِ].
العاقبةُ هِيَ النَّهَايَةُ، التي تعقُب مَا سَبْقَهَا، وهذه للمتقين، فَمَنْ كَانَ مُتَّقِيًا للَّهِ عز وجل فالعاقبةُ لَهُ فِي كُلِّ حَالٍ، ولكنها تَكُونُ لَهُ باعتبار شخصه وعمله أحيانًا، وَتَكُونُ لَهُ باعتبار عمله دُون شخصه.