الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وِمثل هَذِهِ الصّفَات تُفيدنا في العِلم وَالعَمَل؛ لأن دَأْبَ الصَّحَابَة رَضِىَ اللَّهُ عَنهمُ فعن أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ قَالَ: إِنَّا أَخَذْنَا الْقُرْآنَ عَنْ قَوْمٍ، فَأَخْبَرُونَا أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا تَعَلَّمُوا عَشْرَ آيَاتٍ، لَمْ يجاوِزُوهُنَّ إِلَى الْعَشْرِ الأُخَرِ حَتَّى يَعْمَلُوا مَا فِيهِنَّ مِنَ الْعِلْمِ، فتعَلَّمْنَا الْعِلْمَ وَالْعَمَلَ جَمِيعًا
(1)
.
وأكثرُ النَّاس إذَا قَرَأَ مِثل هَذِهِ الآيَاتِ قال: يَا اللَّه، مَا أَحسَنَ صفاتِهم! وما أجملَ أفعالَهم! وَهَذَا غَايَةُ مَا يَسْتَفِيد مِنَ الآيَة، وَلَكنَّ هَذَا مَا يَكفي، المَقصود مِن ذِكر هَذِهِ الأَوصَافَ الحميدة، سَوَاءٌ كَانَت عَلى سَبيل الإخبَار عَنِ الحَال، أَو عَلى سَبيل القَصص، فالغَرَضُ منهَا هُوَ أَنْ يَعتَبرَ الإِنْسَان بما حَصَل، قال تعالى:{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [يوسف: 111].
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَةُ الأُولَى: الثَّناء عَلَى مَن أَعرَضَ عَنِ اللَّغْو، لقوله:{وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ} .
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّه يَنبَغي الإعرَاضُ عَنِ اللَّغو، وهو الكَلَامُ الَّذي لَا فَائد فيه، وَلَا خَيْرَ منه، والفِعل يُقَاس عَلَيه، فَلَا يَنبَغي للإنسَان أَنْ يُمْضِيَ وقتَهُ في أفعالٍ لَا خَيرَ فيهَا.
واعلَمْ أَنَّ الخيرَّية ذاتِيَّةٌ وعَرَضِيَّة، بمَعنَى أَنَّه قَد يَكون الشَّيء خَيرًا في ذَاتِه، وَقَد يَكون خَيرًا لِغَيْرِه؛ لِعَارِضٍ يَعْرِض لَهُ.
فمَثلًا: الصلاة خيرُها ذاتي، والسعيُ إليها خَيْرُه عَرَضي؛ لأن مُجَرَّدَ المشي لَيسَ
(1)
أخرجه ابن وضاح في البدع والنهي عنها، رقم (255).
بِقُرْبَة، حَتَّى يَكونَ وَسيلَة إلَى قُربةٍ أُخرى، فَعَلَى هَذَا لَو أَنَّ الإنسَانَ تحدَّث بحديث لَيسَ مِنَ الذِّكْر، وَلَا مِنَ العِلم، وَلَا مِنَ الأَمر بالمَعروف، وَالنَّهي عَن المنكَر، لكنه حديثٌ يَقْصِدُ به إدخالَ السُّرور على مُجَالِسِيه، فَهَذَا خَيْرٌ، لكنه ليس خيرًا ذاتيًّا بهَذَا الكَلَام، بَل هُوَ خَيْرٌ عَرَضِيٌّ، أي: عَرَضَ لَهُ بسبب القصد الحَسَن فيهِ، وَهَذَا في الحَقيقَة عَلَى هَذَا التَّقدير.
ولا يتساوى الخير العرَضي، والخيرُ الذاتي؛ لأَنَّ الخَيرَ العَرضي يفقد خيره إذَا زَالَ السَّبَبُ، والخيرُ الذاتي خَيْرُه ثابتٌ دائم.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّه يَنبَغي التبرؤ مِن أَصحَاب اللَّغو، وعدم مجالستهم؛ لقوله:{وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ} .
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: مشرُوعيَّة السَّلَامُ عِنْدَ الانصراف؛ لقوله: {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ} ، وَهَذَا لَا يَتَوَجَّه عَلَى تفسير المُفَسِّر رحمه الله؛ إذ إنه يَرَى أَنَّ السَّلَامَ هنا سلام مُفارَقة، لا سلام تَحِيَّة.
وَعَلَى هَذَا، فَلَا تُؤخَذ هَذِهِ الْفَائدَةُ، وَهُوَ إنَّمَا حَمَلَه عَلَى سلام المفارقة بِنَاء عَلَى تفسيره اللَّغْوَ بالشَّتْمِ والسَّبِّ.
والحقيقةُ أنَّ هَذَا التَّفسير ناقص؛ لأن السَّبَّ والشتم قَد لَا يُقَال: إنَّه لُغْوٌ فقط، بل لَغْوٌ وعُدوان، فهو أَخَصُّ مِن كونه لَغْوًا.
الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: أَنَّه لَا يَنبَغي للعاقِل طلبُ السُّفهاء، فَضلًا عَنِ الجلوس معهم؛ لقوله:{لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} ؛ لأنَّ طلبهم في الحَقيقَة يؤَدّي إلَى الجلوس معهم، والجلوس مَعَ الجَاهِلين إثمٌ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا
فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 68]، فَلَا يَنبَغي للإنسَان أَنْ يتطلب أهل السَّفه، ويجلس إلَيْهِم، أَو عَلَى الأَقَلِّ يَأْنَسُ بما يفعلون؛ فَإنَّ هَذَا مِنَ الصّفَات الَّتي لَيسَ عَلَيهَا أَهْلُ الخير والإِيمَان.
* * *