الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنْهَا عَلَى حَذَرٍ، وعلى بُعد مِنْ هَؤُلَاءِ الكافرين.
ثُمَّ نَقُولُ أَيْضًا: إِنَّهُ لَوْ جَازَ عقلًا وعادةً، فقد يُنهى عنه شرعًا، فافرِض أَنَّ هَذَا أَمْر قَدْ يَجُوزُ للرسول صلى الله عليه وسلم أَنْ يَفْعَلهُ باعتبار العادة، أو باعتبار الحالة البَشرية، لَكِنَّهُ مِنَ الناحية الشَّرْعِيَّةِ لَا يُمْكِنُ، فَيَكُونُ عَائِدًا إِلَى الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم باعتبار الحال البشرية الطبيعية، أَمَّا شَرْعًا فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ.
قَالَ المُفَسِّرُ رحمه الله: [{ظَهِيرًا} مُعِينًا {لِلْكَافِرِينَ} عَلَى دِينِهِمْ].
الرَّسُول عليه الصلاة والسلام مَا كَانَ معينًا للكافرين، لكنه يُنْهَى عَنْ أَمْرٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاقِعًا منه، أو مُتَصَوَّرًا أَنْ يَقَعَ، كَمَا قَالَ تعالى أَيْضًا:{وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [القصص: 87]، مَعَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُشْرِكَ، ولكنه نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ، فقيل: إن النهي هُوَ نهي لأُمَّته.
وقيل: بَلْ إِنَّ النهيَ نهيٌ حقيقي له، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ وَاقِعًا منه، وَالْفَائِدَة مِنْ ذَلِكَ بَيَانُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَةُ الأُولَى: أَنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم مَا كَانَ يتطلب الرِّسالَة، ولا خَطَرَتْ لَهُ عَلَى بَالِ، نأخذُه مِنْ قَوْلِهِ تعالى:{وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ} .
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: بيان تكذيبِ الَّذِينَ قَالُوا: {إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ} [النحل: 103]، فالكفار يقولون: إِنَّمَا يُعَلِّمُ محمدًا القرآنَ بَشَرٌ، فَلَوْ كَانَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم يتعلم مِنْ بَشَرٍ، لكان مُتطلعًا لِهَذَا الْقُرْآنِ، وَاللَّهُ يَقُولُ:{وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ} .
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم رَحْمَةٌ لِلْخَلْقِ، رحمةٌ فِي
الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، ففي الدُّنيا تستقر الأمور، وتصلُح أحوالهم، ويَعْلُو أمرُهم، وَفِي الآخِرَةِ يكونون فِي جنات النعيم.
فهذا القرآن رحمة؛ أَوَّلًا وَآخِرًا، وَهُوَ أَعَظَمُ نِعْمَةً مِنَ اللَّهِ سبحانه وتعالى، وأعظم مِن نُزول المَطَرِ الَّذِي تحيا بِهِ الْأَرْضُ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ تحيا بِهِ الْقُلُوبُ، وتصلح به الأعمال، وبحياة القلوب والأعمال تحيا الأرض، قَالَ تعالى:{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [الأعراف: 96].
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: إثباتُ رُبوبية اللَّه الخاصة لِلرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، بقوله:{مِنْ رَبِّكَ} ، فهذا يقتضي رُبوبيةً خاصة، كَمَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَهُ عُبودية خاصَّة، فعُبوديته خاصَّة، ورُبوبية اللَّهِ لَهُ خَاصَّةً أيضًا.
وإذا شئتَ أن تعرف أنَّ الرُّبوبية نوعان، فاقرأ قَوْلَ اللَّهِ تعالى عَنْ سَحَرَة آلِ فِرْعَوْنَ الَّذِينَ آمَنُوا:{قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (47) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} [الشعراء: 47 - 48]، فالأُولى عامَّة، والثانية خاصَّة.
الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: مِنْ قَوْلِهِ: {فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ} ، ففيه تحريمُ مُظاهَرَة الكفار، أي: مُعاونتُهم؛ لِأَنَّ النَّهْيَ للتحريم، لَا سِيَّمَا وَقَدْ أُكِّدَ بِنُونِ التوكيد؛ لأن النُّون هنا للتوكيد، وَالدَّلِيلُ عَلَى التوكيد أَنَّ الْفِعْلَ بُنِيَ عَلَى الفتح.
والمعاونةُ للكفَّار تكونُ معاونةً عسكرية، ومعاونة فِكرِيَّة، ومعاونةً مالِيَّةً ومعنوية، فكُلُّ مَا فِيهِ معاونة الكفار ومساعدتهم وتقويتُهم، فَإِنَّهُ مُحَرَّمٌ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ علينا -نحن المسلمين- العكسُ مِنْ ذَلِكَ، الوَاجِبُ عَلَيْنَا إذلالهم، وخَذْلُهم بِكُلِّ مَا نستطيع، بَلْ قَدْ قَالَ اللَّهُ لِلرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 73]، وقال للمؤمنين: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ
مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [التوبة: 123]، وَأَنَّ هَذَا مِن تَقْوَى اللَّهِ؛ إذا قاتلتموهم فليَجِدُوا منكم الغِلظة.
ومعنى هذا: أنا إِذَا لَمْ نُقاتلهم، ووجدوا منَّا اللين؛ فإن هذا مخالف للتقوى.
والحاصِلُ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مُعاونة الكفار بِأَيِّ وَجْهٍ مِن وُجوه المعاونة، وَهُوَ مِنْ أخطر الأمور؛ لِأَنَّ اللَّهَ تعالى يَقُولُ:{وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة: 51].
* * *