المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الآية (85) * * *   * قَالَ اللَّهُ عز وجل: {إِنَّ الَّذِي - تفسير العثيمين: القصص

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌(الآيات 1 - 3)

- ‌من فوائد الآيات الكريمة:

- ‌الآية (4)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآيتان (5، 6)

- ‌من فوائد الآيتين الكريمتين:

- ‌الآية (7)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (8)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (9)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (10)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (11)

- ‌الآية (12)

- ‌الآية (13)

- ‌الآية (14)

- ‌الآية (15)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (16)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (17)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (18)

- ‌الآية (19)

- ‌الآية (20)

- ‌الآيتان (21، 22)

- ‌الآية (23)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (24)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (25)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (26)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (27)

- ‌الآية (28)

- ‌من فوائد الآيات الكريمة:

- ‌الآية (29)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (30)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (31)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (32)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (33)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (34)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (35)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (36)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (37)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (38)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (39)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (40)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (41)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (42)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (43)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (44)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (45)

- ‌الآية (46)

- ‌الآية (47)

- ‌الآية (48)

- ‌من فوائد الآيتين الكريمتين:

- ‌الآية (49)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (50)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (51)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (52)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (53)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (54)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (55)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (56)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (57)

- ‌الآية (58)

- ‌الآيات (59 - 64)

- ‌من فوائد الآيات الكريمة:

- ‌الآية (65)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (66)

- ‌الآية (67)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (68)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (69)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (70)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآيتان (71، 72)

- ‌من فوائد الآيتين الكريمتين:

- ‌الآية (73)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (74)

- ‌الآية (75)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (76)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (77)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (78)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (79)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (80)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (81)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (82)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (83)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (84)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (85)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (86)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (87)

- ‌الآية (88)

الفصل: ‌ ‌الآية (85) * * *   * قَالَ اللَّهُ عز وجل: {إِنَّ الَّذِي

‌الآية (85)

* * *

* قَالَ اللَّهُ عز وجل: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [القصص: 85].

* * *

قال المُفَسِّرُ رحمه الله: [{إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ} أنزَلَهُ {لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} إِلَى مَكَّةَ وَكَانَ قَدِ اشْتَاقَهَا {قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} نَزَلَ جَوَابًا لِقَوْلِ كُفَّارِ مَكَّةَ لَهُ: إِنَّكَ فِي ضَلَالٍ، أَيْ فَهُوَ الْجَائِي بِالْهُدَى، وَهُمْ فِي ضَلَالٍ، وَأَعْلَمُ بِمَعْنَى عَالِمٍ].

قَوْلُه تعالى: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ} وَهُوَ اللَّهُ، وهذا وعدٌ محقَّق ببيان الشاهد ليُقاس عليه الغائب؛ فَإِنَّ فَرْضَ الْقُرْآنِ عَلَى الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم ثابتٌ محقَّق، وَرَدَّهُ {إِلَى مَعَادٍ} موجود، وليس مشهودًا، فَأَرَادَ أَنْ يُحَقِّقَ الموجودَ بالمشهودِ.

قَوْلُه تعالى: {لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} هنا لَمْ يَقُلْ ربنا عز وجل: (إِنَّ اللَّهَ رادُّكَ إلى مَعاد)، بَلْ قَالَ:{إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} ؛ لأن فَرْضَ الْقُرْآنِ عَلَى الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم مُتيقَّن، فأراد سبحانه وتعالى أَنْ يُثبت الموجود بالمشهود؛ فَإِنَّ فَرْضَ القرآن مشهود معلوم، وَرَدَّهُ إِلَى مَعَاب موجودٌ غيرُ مشهود، ولكنه حَقَّقَ ذلك الموجودَ بالمشهود.

قال المُفَسِّرُ رحمه الله فِي قَوْلِهِ: {فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ} : [أَنْزَلَهُ]، وَهَذَا أَحَدُ

ص: 383

التفسيرين فِي الآيَةِ، وقيل:{فَرَضَ} بمعنى: أوجب عَلَيْك الْقُرْآنَ، أي: أوجب عليك تِلاوته وتبليغه وَالْعَمَلَ بِهِ.

أي: إِنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في الْقُرْآنِ ثَلَاثَةَ أُمُورٍ: أَنْ يَتْلُوَهُ، وأَنْ يُبَلِّغُهُ إِلَى النَّاسِ، وَأَنْ يَعْمَلَ بِهِ.

وحينئذٍ يَكُونُ قَوْلُهُ: {فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ} أي: فَرَضَ عَلَيْكَ تِلاوته، وتبليغه، وَالْعَمَلَ بِهِ.

وَهَذَا التَّفْسِيرُ أَقْرَبُ إِلَى ظَاهِرِ اللَّفْظِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ بمعنى الإنزال نادِرٌ وُجُودُهُ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ، لكن الفَرْضُ بمعنى الإلزام كَثِيرٌ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ، قَالَ تعالى:{إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103]، وقال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"وَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ"

(1)

، فهنا فَرَضَ بمعنى: أَلْزَمَ وَأَوْجَبَ.

وَقَوْلُهُ: {لَرَادُّكَ} اللامُ هنا للتوكيد، و (رَادُّ) خَبَرُ (إِنَّ)، والمعنى أي: لمُرْجِعُك.

وقوله: {إِلَى مَعَادٍ} قَالَ المُفَسِّرُ رحمه الله: [إِلَى مَكَّةَ، وَكَانَ قَدِ اشْتَاقَهَا]، فَعَلَى قَوْلِ المُفَسِّر رحمه الله: إِنَّ الَّذِي أنزَلَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَا بُدَّ أَنْ يُعيدك إِلَى مَكَّةَ، فتفتَحَها، كَمَا أَنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ عليك فيها.

وَهَذَا مَعْنَى كلام المُفَسِّر رحمه الله، فيكون المَعاد مكة، أي: مكان العَوْد، أي: مكان الرجوع، وأنك سوف تَرْجِعُ إِلَى المَكَانِ الَّذِي أُخرجتَ منه، فَيَكُونُ فِي هَذِهِ

(1)

أخرجه البخاري: كتاب الزكاة، باب لا تؤخذ كرائم أموال الناس في الصدقة، رقم (1458)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام، رقم (19).

ص: 384

الآيَةِ وَعْدٌ مِنَ اللَّهِ عز وجل أَنْ يَفْتَحَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ، وأَنْ يَعُودَ إِلَيْهَا، قال ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما:" {لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} قَالَ: إِلَى مَكَّةَ"

(1)

.

وقيل: إِنَّ المُرَادَ بِقَوْلِهِ: {لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} أي: لرادُّك إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فالمراد بالمعاد معادُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيَكُونُ المَعْنَى: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ، وَأَوْجَبَ عَلَيْك تِلاوتَه، وتبليغَه، وَالْعَمَلَ بِهِ، لم يُنْزِلْه عَبَثًا، بل أَنْزَلَه لِأَمْرٍ يَعُودُ النَّاسُ إِلَيْهِ، وَهُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَكُونُ المُرَادُ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ لتجزى وتسأل: هل بَلَّغْتَ أَمْ لَمْ تُبْلِّغْ؟ قَالَ اللَّهُ تعالى: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ} [الأعراف: 6 - 7].

وَهَذَا المَعْنَى أَقْرَبُ مِمَّا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْهُ أَيْضًا، فَإِنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ هَذَا المَعْنَى، ويُقَرِّبُه أَنَّ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ، فَإِذَا كَانَتْ مكية، فَكَيْفَ يُقَالُ لَمِنْ فِي مَكَّةَ:{لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} أي: إلى مكة؟ ! وَأَيْضًا هُوَ أنسبُ بالنسبة لصَدْرِ الآية، فقوله:{إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ} هَذَا الْفَرْضُ لَمْ يَكُنْ عَبَثًا، بَلْ لَهُ يَوْمٌ يُعاد فيه الناسُ، ويسألون عنه، ويُجازون فيه.

وَهَذَا الْقَول هُوَ الصَّوَابُ، وما قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ لَهُ وَجْهٌ، لكنه بَعِيد.

فيكون مَعْنَى قَوْله: {إِلَى مَعَادٍ} أي: إِلَى مَكَّةَ، فيكون إِشَارَةً إِلَى فَتْحِ مَكَّةَ، وعلامةً عَلَى قُرْبِ أَجَلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وقُرب الأجَل معناه الموتُ، ثم البعث.

قَوْلُه تعالى: {قُلْ رَبِّي} الرُّبوبية هنا خاصَّة، أي: رَبِّي الَّذِي أرسلني {أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ} ، أي: يَعْلَمُ مَنْ هو آتٍ بالهُدى، وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ

(1)

أخرجه البخاري: كتاب تفسير القرآن، باب قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} ، رقم (4773).

ص: 385

مُبِينٍ، هَلْ هُوَ الرَّسُولُ، أو غيرُه، وَهَذَا كَقَوْلِهِ تعالى:{وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [سبأ: 24]، فاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ المُفَسِّرُ رحمه الله: إِنَّ {أَعْلَمُ} بمعنى: (عالِم).

قوله: {أَعْلَمُ} اسمُ تفضيل، وقولُه:{مَنْ} اسمٌ موصول، وإعرابهما فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:

الإعراب الأول: هو مآلُ كلامِ المُفَسِّر رحمه الله، وَهُوَ أَنَّ {أَعْلَمُ} بمعنى: عالِم، و {مَنْ} مَفْعُولٌ بِهِ.

الإعراب الثاني: أَنَّ {أَعْلَمُ} اسمُ تفضيل عَلَى بَابِهِ، و {مَنْ} مَفْعُولٌ بِهِ لاسم التفضيل، وهذا رأيُ الكوفيين.

الإعراب الثالث: أَنَّ {مَنْ} مَفْعُولٌ بِهِ لِفعلٍ مَحذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ السياق، والتقدير عِنْدَ مَنْ قَالَ بِهَذَا الرأي: قل ربي أعلمُ يَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بالهدى، فيجعلون {مَنْ} مفعولًا لِفِعل محذوف تقديره: يَعْلَم، وَهَذَا تَقْدِيرٌ مُطلق.

فالآراء إذن ثلاثة، والقاعدة عِنْدِي أَنَّهُ إِذَا اخْتَلَفَ النَّحْوِيُّون فِي شَيْءٍ أخذنا بالأسهلِ، وأَسْهَلُ هذه الآراء رأيُ الكوفيين؛ لأن الكوفيين لَا يَحْتَاجُونَ إِلَى تَقْدِيرٍ وَلَا غَيْرِهِ، لا تقدير (يَعْلم)، ولا تأويل {أَعْلَمُ} بمعنى: عالم، يقول:{أَعْلَمُ} اسم تفضيل، و {مَنْ} مَفْعُولٌ بِهِ، فهو مَفْعُولٌ بِهِ لـ {أَعْلَمُ} مباشرةً.

وَقَوْلُهُ: {مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى} ، الهدى المُرَادُ بِهِ الْعِلْمُ النافع، والذي جاء بالهدى هو النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

وقوله: {وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} أي: وَأَعْلَمُ مَن هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ، وَلَمْ يَقُلْ:

ص: 386

مِمَّنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ، وأتى بـ (في) الدَّالَّةِ عَلَى الظرفية، كَأَنَّ هَذَا مُنغمس فِي الضَّلَالِ، والضلالُ محيط بِهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ إحاطةَ الظرفِ بالمظروف، كَمَا تَقُولُ:(المَاءُ فِي الْإِنَاءِ)، و (الإناء محيط بِالمَاءِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ)، كَمَا قَالَ اللَّهُ تعالى:{أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام: 122]، فهنا الضلال محيط بهؤُلاءِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ.

وقوله: {مُبِينٍ} بمعنى: بَيِّن، وَقَدْ تَقَدَّمَ لَنَا أَنَّهُ قَالَ: بان الفَجْرُ وأبانَ الفَجْرُ، بمعنى: ظَهَر، كأنَّ الرُّباعي مِثل الثلاثي، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ {مُبِينٍ} مِن الرُّباعي، لكنه بمعنى الثلاثي، أي: بَيِّن.

ولَمْ يَقُلْ: (أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بالهدى، وَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ)، لِأَنَّهُ لَا وَاسِطَةَ بين الهدى والضلال، فالأمر إما هُدًى، وإما ضَلال، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ تعالى:{فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ} [يونس: 32]، وقوله:{وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ} [سبأ: 24].

فليْسَت هُناك وسطٌ بيْن الهُدَى والضَّلال، فلَا يَكُونُ الْإِنْسَانُ لَا مهتديًا ولا ضالًّا، بَلِ النَّاسُ كُلُّهُمْ إمَّا مُهْتَدٍ، وإمَّا ضَالٌّ، قَالَ تعالى:{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [التغابن: 2]، فالأمر دائر بَيْنَ شَيْئَيْنِ كِلاهما قَسِيمٌ للآخَر، وهما الهدى والضلال؛ لِأَنَّهُ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَهُمَا.

يَقُولُ المُفَسِّرُ رحمه الله: [نَزَلَ جَوَابًا لِقَوْلِ كُفَّارِ مَكَّةَ لَهُ: إِنَّكَ فِي ضَلَالٍ، أَيْ فَهُوَ الجْائِي بِالْهُدَى، وَهُمْ فِي ضَلَالٍ، وَ {أَعْلَمُ} بِمَعْنَى عَالِمٍ].

واحتمال مَا قَالَهُ المُفَسِّر رحمه الله صحيح؛ بِأَنَّهُمْ قَالُوا هكذا، فَنَزَلَتِ الآيَةُ، وَيَحْتَمِلُ أنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ سَبَبَ النزول لَا بُدَّ أَنْ يَثْبُتَ بدليلٍ صحيح، أمَّا مُجَرَّد

ص: 387