الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله تعالى: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ} : {يَوْمَ الْقِيَامَةِ} أَيْضًا ظرفٌ متعلق بمحذوف حالٌ مِن {هُم} ، يعني: وهُم حال كونهم يَومَ القيَامَة منَ المقبوحين، أو متعلق بـ {الْمَقْبُوحِينَ} ، ولكن (ال) اسمُ موصول، والاسم الموصول لَا يَعمَل مَا بَعدَه فيمَا قَبلَه، فَإمَّا أَن تجَرَّد (ال) مِن المصدرية، أَو ذَلكَ عَلَى سَبيل التوسّع؛ لأنَّهم يتوسّعون في الجَارِّ والمجرور والظرف مَا لَا يتوسعون في غَيرهِ.
وقوله تعالى: {هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ} الجملة اسمية، دَالَّة عَلَى أَنَّهم هُم في ذَلكَ الوَقتِ لَا يمكن أَبَدا أن يستحسن مَا فَعَلوه، أو يُقَرَّبوا، بل إنهم في ذَلكَ الوَقتِ مِن المقبوحين المُبْعَدِين الذين يفضحُهم كُلُّ مَن ذَكَرَهُم، فَلَا يمكن لأَحَد أَنْ يُقَرِّبَهم.
إذن: عوقب هَؤلَاء الَّذينَ كَانوا يَدعونَ إلَى النَّار بثلاثة أُمُور:
الأمر الأول: الإغراق بالماء، وَأَنَّهم إذَا حَلَّ جهم العذاب يَومَ القيَامَة، فلن يجدوا مَن ينصُرهم، لأَنَّه قَالَ:{وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ} .
الأمر الثَّاني: العارُ الَّذي لحِقَ بِمَن لَعَنَهُم، تلك اللعنة التي لحِقَتْهُم إلى يَومِ القيَامَة؛ لقوله:{وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً} .
الأمر الثالث: أنهم يَومَ القيَامَة لَا يمكن أَبَدا أَنْ يَكونوا مِنَ المحمودين المقَرَّبين، بَل هُم مِنَ المقبوحين المطرودين المبعدين.
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَةُ الأُولَى: أنَّ عُقوبة آل فرعَونَ كانت ممتَدَّة إلى يَومَ القيَامَة بالذكرى السيّئَة لهم، لقوله تعالى:{وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً} ؛ فإن كُلَّ مَن ذَكَرَ آل فرعَونَ يذكُرهم بالسُّوء، والبغض، والكراهية.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: تحقير الدُّنيا؛ فَإنَّ قَوله: {فِي هَذِهِ الدُّنْيَا} تُقَال للقريب؛ لدُنُوِّ مرتبته، وأنها دنيا، والدُّنيا مُؤَنث أَدْنَى، وَهيَ مِنَ الدُّنُوِّ الحِسِّي والمعنوي؛ أما الدُّنو الحِسِّي فَلِسَبْقِها عَلَى الآخِرَة، فهي أدنى إلَى المَخلوقينَ مِنَ الآخرَة، وأما الدُّنُوُّ المعنوي فلِمَا تتضمَّنُه مِن النَّقص في جَميع كمالاتها، فَمَا مِن كمالٍ في الدّنيَا إلَّا وَهُوَ ناقص، والآن لو تأمَّلْتَ جميع المَضَارِّ والمنافع الدنيوية، تجدها مَشُوبَةً بالضَّرر والخَطر، حتى الزَّمان، كَمَا قَالَ الشَّاعر
(1)
:
فَيَوْمٌ عَلَيْنَا وَيَوْمٌ لنَا
…
وَيَوْمٌ نُسَاءُ وَيَوْمٌ نُسَرُّ
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أنَّ اللعنة التي وُزِّعَت عَلَى هَؤلَاء الفِرْعَونيين تكون عَلَيهم في الآخرَة؛ لقوله: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ} ؛ لأن المَقبوح معناه: المُبْعَد، واللَّعْن: هو الطَّرْدُ والإبعاد.
* * *
(1)
البيت للنمر بن تولب، كما في زهر الأكم، لنور الدين اليوسي (3/ 135).