الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولنفرض -مثلًا- أَنَّ هَذَا الإنسانَ المُتَّقِيَ قام بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ تَقْوَى اللَّهِ عز وجل، وَدَعَا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ، لكنه تُوفي قَبْلَ أَنْ تَتِمَّ له المهمة، فهل نَقُولُ إِنَّهُ لَمْ تتحقق له العاقبة، فَقَدْ مَاتَ.
ولكن العاقبة لِعَمَلِهِ الَّذِي دَعَا إِلَيْهِ، فَلَا بُدَّ أَنْ ينجح، وَلَوْ بَعْدَ وَفَاةِ العامل، فالإنسان المُتَّقِي للَّهِ عز وجل لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ العاقبة له، حَتَّى لَوِ اعتَدَى عَلَيْهِ مَنْ يعتدي، فَإِنَّ الْعَاقِبَةَ له، قَالَ تعالى:{وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء: 105]، فالعاقبة للمتقين بِكُلِّ حَالٍ.
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَةُ الأُولَى: إثباتُ الجزاء يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ لقوله: {تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ} .
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: مَدْحُ مَنْ لَا يُرِيدُ العُلو فِي الْأَرْضِ، وَلَا الفساد، وَهُوَ أَعْظَمُ مِنْ مَدْحِ مَنْ لَا يَعْلُو، وَلَا يُفْسِدُ.
ووَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ انتفاءَ الإرادة يَلْزَمُ مِنْهُ انتفاءُ الفِعل، أما انتفاء الْفِعْلِ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ انتفاء الإرادة، فقَدْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ العُلو والفساد، وَلَكِنْ لَا يَعْلُو، وَلَا يُفْسِدُ؛ لعدم تَمكُّنه، أو لَسَبَبٍ مِنَ الأسباب، أَمَّا الَّذِي لَا يُرِيدُ، فهو أكمل.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّ النِّيَّةَ لها أثرٌ؛ لقوله: {لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا} والإرادة بمعنى النِّية.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: ذَمُّ مَنْ يُرِيدُ العُلو والفَساد، سواء علَا وأفسد، أَوْ لَمْ يَعلُ ويُفسد؛ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ فِي الجنَّةِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَا يريدون عُلوا ولا فسادًا، وَهَذَا مَدْحٌ لهم بلا ريبٍ؛ فَإِنَّ مَنْ أَرَادَ فهو مذموم، سواء تَمَكَّنَ مِنْ تنفيذ إرادته أَمْ لَمْ يَتَمَكَّنْ.
الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: أَنَّ المَعَاصِيَ سببٌ للفساد، تُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ:{وَلَا فَسَادًا} ؛ لأنَّنا نعلم انَّ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ليس مَعْنَاهُ أَنْ يَأْخُذُوا المَعَاوِل والمناشِر، ويقطعوا الأشجار، ويهدموا البيوت، بَلِ المَعْنَى أَنَّهُمْ يفعلون أفعالًا تُوجِب الفساد.
ويُفسر ذَلِكَ قَوْلُه تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 41].
الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: فضيلةُ التقوى، تُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ:{وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} .
الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: أَنَّ العاقِبَةَ تكون للمُتقين، وَهِيَ لَيْسَتْ كَمَا قَالَ المُفَسِّرُ رحمه الله:[{وَالْعَاقِبَةُ} المَحْمُودَةُ]، بَلْ هِيَ أَعَمُّ مِن هذا، فالعاقِبَة فِي الدُّنْيَا بِأَنْ يَكُونَ النصر لَهُ فِي آخِرِ الأمر، والعاقبة فِي الآخِرَةِ بِأَنْ تَكُونَ الدَّارُ الآخِرَةُ هِيَ الجنة لَهُ دُونَ غَيْرِهِ، فالعاقبة أَعَمُّ مِمَّا قال المُفَسِّرُ رحمه الله، حَتَّى فِي الدُّنْيَا، إِذَا تقابَلَ المتقون والفُجار، فالنهاية للمتقين.
* * *