الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (75)
* * *
* قَالَ اللَّهُ عز وجل: {وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [القصص: 75].
* * *
قال المُفَسِّر رحمه الله: [{وَنَزَعْنَا} أَخَرَجْنَا {مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا} وَهُوَ نَبِيُّهمْ يَشْهَد عَلَيْهِمْ بِمَا قَالُوا {فَقُلْنَا} لهمْ {هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ} عَلَى مَا قُلْتُمْ مِنَ الْإِشْرَاك {فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ} في الإلهية {لِلَّهِ} لَا يُشَارِكُهُ فِيهَا أَحَدٌ {وَضَلَّ} غَابَ {عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} فِي الدُّنْيَا مِنْ أَنَّ مَعَهُ شَرِيكًا، تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ].
قَوْلُه تعالى: {وَنَزَعْنَا} النَّزْعُ: الإخراج، نَزَعَ الشَّيْءَ مِنَ الشَّيْءِ: أَخْرَجَهُ مِنْهُ. قَوْلُه تعالى: {مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ} المراد بالأُمة هنا الطائفة، ولكنها ليست مجرد الطائفة، بل الطَّائِفَةُ الَّتِي كَانَتْ عَلَى مِنْهَاجٍ واحدٍ، فَإِذَا كَانَتْ طَائِفَةٌ عَلَى مِنْهَاجٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهَا تُسمى أُمّةً، ولهذا جاءت فيها الميم الدَّالَّةُ عَلَى الجْمْعِ والاجتماع، فالدولة ذاتُ الأحزاب لَا تَكُونُ أُمَّةً في الواقع؛ لأنها مختلفة، لكن الْأُمَّة هِيَ الطَّائِفَةُ الَّتِي اجْتَمَعَتْ عَلَى مِنْهَاجٍ وَاحِدٍ.
فمثلًا: أُمَّةُ الْإِسْلَامِ عَلَى دِينٍ وَاحِدٍ، وأُمَّةُ الْكُفْرِ عَلَى دِينٍ وَاحِدٍ.
وقَوْلُه تعالى: {شَهِيدًا} بمعنى: شاهدًا، ولكنه أتى بصيغة المبالغة، أو بصيغة الصِّفَة المُشَبَّهَة باسمِ فاعِلٍ.
والمراد بالشَّهيد -كَمَا يَقُولُ المُفَسِّر رحمه الله: [وَهُوَ نَبِيُّهُمْ يَشْهَدُ عَلَيْهِمْ بِمَا قَالُوا]، هَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ المُفَسِّر رحمه الله.
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: المرادُ بالشَّهيد العَرِّيف، أي: الزعيم، ننزعه مِنْ بَيْنِهِم، ثم اسألْهم هَذَا السُّؤَالَ المَبْنِيَّ عَلَى التحدي {هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ} .
وَهَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ شيخنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ فِي تَفْسِيرِهِ
(1)
، أَنَّ المُرَادَ بالشهيد هنا الْكَبِيرُ مِنَ الأُمَّة، الَّذِي يُعْتبر بمنزلة العَرِّيف، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْكَبِيرَ مِنَ الأُمَّة نَائِبٌ عَنِ الأُمَّة، وهذا -وَاللَّهُ أَعْلَمُ- أَقْرَبُ إِلَى الصَّوَابِ.
قَوْلُه تعالى: {هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ} القائل هُنَا هُوَ اللَّهُ عز وجل، والبرهان: الدَّليل، أي: هاتوا الدَّلِيلَ عَلَى مَا قُمتم بِهِ مِنَ الإشراك، ولن يجدوا دليلًا.
وقولُه: {هَاتُوا} فِعلُ أَمْرٍ، والمقصود به التحدي؛ لأنهم طلبوا مَا لَا يُمْكِنُ، والتوبيخُ لأنه سوف يَلْحَقُهُمْ مِنَ الخِزْيِ والعار أَمَام النَّاسِ فِي ذَلِكَ المَجْمَعِ مَا لَا يَسْتَطِيعُونَ دَفْعَهُ.
وقوله: {فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ} ، عَلِمُوا ذلك لمَّا لَمْ يَأْتُوا بدليل، ولا بُرهان على إشراكهم، عَلِمُوا أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُمْ فِي هَذَا الإشراك، وَأَنَّ الْحَقَّ للَّهِ وَحْدَهُ، وَأَنَّ هَذِهِ الْأَصْنَامَ لَيْسَ لَهَا حَقٌّ فِي الْعِبَادَةِ، وَأَنَّ الْحَقَّ فِي الْعِبَادَةِ للَّهِ وَحْدَهُ، وهذا الْعِلْمُ لَا يَنْفَعُهُمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهُمْ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْيَوْمِ -يوم المُجَازَاة- ينفعهم لو أَنَّهُمْ عَمِلُوا بِهِ فِي الدُّنْيَا، فلو عَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ للَّهِ فِي الدُّنْيَا، ثُمَّ عَمِلُوا؛ لَكَانَ ذَلِكَ نَافِعًا لهم، أَمَّا بَعْدَ أَنْ شاهَدُوا العذاب، فعلموا أَنَّ الْحَقَّ للَّهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَنْفَعُهُمْ.
(1)
تفسير السعدي (ص 623).