الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأَنَّه لَو كَانَ قضاءً كونيًّا لَلَزِمَ أنَّ النَّاسَ كُلَّهم يعبدون اللَّهَ، وليس الأمر كذلك.
وقوله تعالى: {وَقَضَيْنَا} لَا يمكن إلا في أمرٍ وقَعَ، فمثلًا لَو قُلنَا: قضَى اللَّه تعالى لأَبي بَكر أن يُسْلِمَ، فهذا قضاءٌ قَدَرِيٌّ شرعي؛ لأنَّه أمره بالإِيمَان، فآمَن، ونقول: قضى اللَّه لأبي لَهَبٍ أن يكفُرَ. هَذَا قَضَاءٌ كوني.
قوله تعالى: {وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ} قَالَ المُفَسِّرُ رحمه الله: [لِذَلِكَ فَتَعْلَمُهُ فَتُخْبِرَ بِهِ].
قوله تعالى: {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ} ، وقوله:{وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ} ليس فيها تكرار؛ لأن مَن كَانَ في الجانب قد يرى، وَقَد لَا يرى، وَلهَذَا قَالَ:{وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ} .
فإذا قَالَ قَائل: لماذا لم يقتصر عَلَى قَوله: {وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ} ؟
قلنا: لأن الإنسَانَ قَد يُشاهد مِن بُعد، ولكن قليل، فهنا تضمن أنَّه قريب وأنه شَاهَد، ففرقٌ بين أَن نَقولَ: ما كنتَ شاهدًا، أي: ما كنتَ حاضرًا مشاهدًا بِعَيْنِك، ولو كنت بعيدًا، ولهذا لَيسَ في الآيَة الكَرِيمَة تَكرار، ولكن فيها شَيْءٌ مِنَ التوكيد، يعني: لا حَضرَ، ولا نَظَر، فيكون ما أَخبَر به عن ذلك مِن بَاب الوحي، لا مِن بَاب المشاهدة، ولا مِن بَاب السماع، ولكنَّه وحيٌ أُوحِيَ إليه.
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَةُ الأُولَى: تقرير رسالة النَّبيّ صلى الله عليه وسلم وذلك بما أخبر به عن هَذِهِ الوقائع الَّتي لَيسَ حاضرًا فيها، ولا شاهدًا.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أنَّ الوحي يُسَمَّى قضاء؛ لقوله: {إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ} .
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّ الوَحيَ ذو شأنٍ عظيم؛ لأَنَّ اللَّهَ سَمَّاه {اَلأَمْرَ} بـ (ال) الدالة على العَظَمة والكمال، ولا ريب أنَّ أعظمَ الأُمور ما جاءت به الرُّسل مِن وحي اللَّه سبحانه وتعالى؛ لمَا فيه مِن مصلحة البلاد والعِباد.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أنَّ الإنسَانَ لَا يُقْبَل خبرُه إلَّا إذَا كَانَ حاضرًا يَسْمَع، أو شاهدًا يرى؛ لقوله:{وَمَا كُنْتَ} ، وقولِه أيضًا:{وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ} ؛ فَإنَّ الَّذي يمكن أَنْ يُخبِر هُوَ مَن حضر فسمع، أو مَن قرُب فشَاهد، أما إنسانٌ يُخبر دون شهادة، أو دون شهود، أو حضور؛ فإنّه لا يُقْبَل خبرُه، وَهَذَا أَمرٌ معلوم مِن الشرع مِن جهَة أخرى، مِن آياتٍ أخرى، وأدلة أُخرى، أَنَّ الإنسَانَ لا يشهد إلا بما عَلِم برؤية، أو سماع، أو غيرهما مِن أَسبَاب العِلم.
* * *