المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الآية (70) * * *   * قَالَ اللَّهُ عز وجل: {وَهُوَ اللَّهُ - تفسير العثيمين: القصص

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌(الآيات 1 - 3)

- ‌من فوائد الآيات الكريمة:

- ‌الآية (4)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآيتان (5، 6)

- ‌من فوائد الآيتين الكريمتين:

- ‌الآية (7)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (8)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (9)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (10)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (11)

- ‌الآية (12)

- ‌الآية (13)

- ‌الآية (14)

- ‌الآية (15)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (16)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (17)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (18)

- ‌الآية (19)

- ‌الآية (20)

- ‌الآيتان (21، 22)

- ‌الآية (23)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (24)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (25)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (26)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (27)

- ‌الآية (28)

- ‌من فوائد الآيات الكريمة:

- ‌الآية (29)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (30)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (31)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (32)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (33)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (34)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (35)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (36)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (37)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (38)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (39)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (40)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (41)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (42)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (43)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (44)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (45)

- ‌الآية (46)

- ‌الآية (47)

- ‌الآية (48)

- ‌من فوائد الآيتين الكريمتين:

- ‌الآية (49)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (50)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (51)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (52)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (53)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (54)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (55)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (56)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (57)

- ‌الآية (58)

- ‌الآيات (59 - 64)

- ‌من فوائد الآيات الكريمة:

- ‌الآية (65)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (66)

- ‌الآية (67)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (68)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (69)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (70)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآيتان (71، 72)

- ‌من فوائد الآيتين الكريمتين:

- ‌الآية (73)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (74)

- ‌الآية (75)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (76)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (77)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (78)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (79)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (80)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (81)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (82)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (83)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (84)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (85)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (86)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (87)

- ‌الآية (88)

الفصل: ‌ ‌الآية (70) * * *   * قَالَ اللَّهُ عز وجل: {وَهُوَ اللَّهُ

‌الآية (70)

* * *

* قَالَ اللَّهُ عز وجل: {وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص: 70].

* * *

قال المُفَسِّرُ رحمه الله: [{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى} الدُّنْيَا {وَالْآخِرَةِ} الْجَنَّةُ {وَلَهُ الْحُكْمُ} الْقَضَاءُ النَّافِذُ فِي كُلِّ شَيْءٍ {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} بِالنُّشُورِ].

قَوْله: {اللَّهُ} الضَّمير يَعُودُ عَلَى قَوْلِهِ: {رَبُّكَ} فِي الآيَةِ السَّابِقَةِ، أي: وذلك الرب الَّذِي يَخْلُقُ، وَالَّذِي يُعْلَمُ هُوَ اللَّهُ.

قوله: {اللَّهُ} أصلها (الإله)، حُذِفَت الهمزةُ تخفيفًا؛ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ، كَمَا فِي (أُنَاسٍ)، خُفِّفت فصارت (ناس).

ومعنى الإله: المأْلُوه، وليست بمعنى آلِهٍ، مِثل غِراس، بمعنى: مَغروس، والبناء بمعنى: مَبني، وفِراش بمعنى: مفروش، وأمثلتها كثيرة.

ومألوه أي: معبودٌ، وسُمِّيَ المعبود مألوهًا؛ لِأَنَّ الْقَلْبَ يَأْلَهُهُ، أي: يَمِيلُ إِلَيْهِ، وتجدون أن (آلِه) مُوافقة فِي الِاشْتِقَاقِ الأصغر لأهْل؛ إِذْ إِنَّ فِيهَا الْهَمْزَةَ وَالْهَاءِ واللام، ففي الأُلُوهِيَّة -وهي العبادة- نَوْعٌ مِنَ التَّأَهُّلِ والاطمئنان؛ لأن الآلِهَ له مطمئن إليه.

قال المتكلمون: إنَّ الإله بمعنى الآلِه، أي: الْقَادِرُ عَلَى الاختراع، يعني: الْقَادِرُ عَلَى الْخَلْقِ، لكنهم يستخدمون تعبيرات فلسفية: الْقَادِرُ عَلَى الْخَلْقِ، فلو فسَّرنا الإله

ص: 309

بمعنى: الْقَادِر عَلَى الْخَلْقِ، لكان المشركون الَّذِينَ قَاتَلَهُمُ النبي صلى الله عليه وسلم مُوَحِّدين؛ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: لا خالقَ، ولا قادِرَ عَلَى الْخَلْقِ إِلَّا اللَّهُ، ولا رَيْبَ أَنَّ هَذَا يُؤَدِّي إِلَى إِبْطَالِ الرِّسالَة والتوحيد.

ومن ثَمَّ نعلم خطأ بعضِ المؤلفين الآنَ فِي التَّوْحِيدِ، حيث يُرَكِّزون عَلَى تَوْحِيدِ الربوبية، ويتناسَوْن توحيد الأُلُوهِيَّة، وَهَذَا خَطَأٌ عَظِيمٌ؛ لأنَّ التوحيد ليس الإقرارَ بالخالق، والاعترافَ بِهِ فَقَطْ؛ إِذْ إِنَّ هَذَا حاصِلٌ مِنَ المشرِكِينَ الَّذِينَ استباح النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، لكن الإله بمعنى: المعبود، وَهُوَ أَمْرٌ فوق القادِر، أو الخالق.

وَقَوْلُهُ تعالى: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} لما قَرَّر ألوهِيَّتَه بصيغة الجُملة الاسمية {هُوَ اللَّهُ} ، وطرفاها مَعرِفتان، والمعروف عند البلاغيين أن الجُملة الاسمية إِذَا كَانَ طرفاها معرفة؛ فَإِنَّهَا تُفِيدُ الحصر، وأكَّد ذَلِكَ بِقَوْلِهِ:{لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} ، فهذا حصرٌ أيضًا للأُلُوهِيَّة فِي اللَّهِ وحدَهُ، فليس معه إلهٌ، قَالَ اللَّهُ تعالى:{مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ} [المؤمنون: 91]، فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ الإله هو المعبود الَّذِي يَخْلُقُ، وَلِهَذَا قَالَ:{لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ} .

ولا تظُنَّ أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ تُؤَيِّد تفسير المتكلمين لمَّا قَالَ: {لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ} ، فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ المُرَادَ بالإله الخالِقُ، وإلَّا لَقَالَ: لذهب كل إله بمَن عبَدَهُ. وَلَكِنْ لِأَنَّهُ لمَّا كَانَ الإلهُ الْحَقُّ هُوَ الْإِلَهُ الخالق، قال:{لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ} .

والحصر فِي قَوْلِهِ: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} حقيقي، وقد يشتبِه عَلَى بَعْضِ الناس، فيقول: إنه إضافيٌّ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا الحصرَ إذا جعلناه حقيقيًّا يُشْكِلُ عَلَيْهِ كثيرًا أَنَّ اللَّهَ أثبَتَ آلهةً سِواهُ؛ حَيْثُ قَالَ: {فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} [هود: 101]، وَقَالَ سبحانه وتعالى عَنْ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ قَالَ لِقَوْمِهِ: {أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ

ص: 310

اللَّهِ تُرِيدُونَ} [الصافات: 86]، وكذلك الكافِرُون، قالوا لِلرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم:{أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص: 5]، فيظن الظانُّ أنَّنا لَا يُمْكِنُ أَنْ نَجْمَع بَيْنَ هَذِهِ الآيَةِ، وَبَيْنَ إثبات الأُلُوهِيَّة للأصنام إِلَّا إِذَا جعلنا الحصرَ إضافيًّا، فنُثبت الأُلُوهِيَّة لَكِنْ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ، ويكون النفي هُنَا عَلَى وَجْهٍ آخَرَ مُخَالِفٍ لِمَا أثبتناه.

فَنَقُولُ فِي ذَلِكَ: أصلُ الإله حقًّا هُوَ الْخَالِقُ، الإلهُ الْحَقُّ هُوَ الْخَالِقُ، وأما هَذِهِ الآلِهَةُ التي عُبِدَت مِنْ دُونِ اللَّهِ فَهِيَ آلهةٌ باطلة كَذِب، وَلِهَذَا قَالَ إِبْرَاهِيمُ صلى الله عليه وسلم:{أَئِفْكًا آلِهَةً} ، فَجَعَلَ ذَلِكَ إفكًا، وَلَيْسَ بِحَقِيقةٍ، فهي -وَإِنْ عُبِدَت وأُلِّهت- ليست بآلهة.

ولهذا تجدون أَنَّ الرُّسُلَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَسَلَّمَ- كُلٌّ مِنْهُمْ يقول لقومه: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [المؤمنون: 23]، أي: مِنْ إِلَهٍ يُعبد ويستحِقُّ أَنْ يُعْبَدَ بِحَقٍّ سِوى اللَّهِ عز وجل. وَقَالَ تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98) لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ} [الأنبياء: 98 - 99]، وآلهة أي: معبودة بحق، وإلا أثبت اللَّهُ لَهَا العبادة.

وعلى هذا نقول: إنَّ الجَمْعَ بَيْنَ هَذَا الحَصر، وَبَيْنَ مَا ذُكِرَ مِن إثبات الأُلُوهِيَّة للأصنام هُوَ أَنَّ الإلهَ هو المعبودُ بحقٍّ، وَهَذَا لَا ينطبِقُ إِلَّا عَلَى اللَّهِ سبحانه وتعالى، وَأَمَّا مَا عُبِدَ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَهُوَ وَإِنْ سُمِّيَ إِلهًا، لَكِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يَكُونَ إلهًا، وَكَمَا قَالَ اللَّهُ:{لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ} [الأنبياء: 99].

وقوله: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} لَا بُدَّ للضمير مِن مَرْجعٍ مَذكُور، أو ملفوظ يَعُودُ إِلَيْهِ: مذكور مثل: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، أو ملفوظ مثل: أَنْ تَأْتِيَ شَيْئًا مِن أَفْعَالِ اللَّهِ، فتقول: لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ.

ص: 311

وَأَمَّا قَوْلُكُ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ فيصح؛ لأنك تُخَاطِب اللَّهَ، فهو متعين، وَإِنَّمَا قُلْنَا لَا بُدَّ لقوله:{لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} مِن مَرجع لمخالَفَة الصوفية، الَّذِينَ يَقُولُونَ: لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ. فهم يُعيدونه فيقولون: (هو، هو، هو، هو) إِلَى آخِرِهِ، فَيَعْبُدُونَ اللَّهَ بلفظٍ، ويذكرون اللَّهَ بلفظ الضَّمير فقط، ويحذفون {لَاَ إِلَهَ إِلَّا هُوَ} فيقولون:(هو، هو، هو)، فإذا وَجَدْتَهُمْ فِي مجتمعاتهم وهُم يَهُزُّون الرءوس، ويَضْرِبون الطُّبول، ويُغَبِّرُون بالأصوات، ويقولون:(هو، هو).

قَوْلُه تعالى: {وَلَهُ الْحَمْدُ} : {لَهُ} الجارُّ والمجرور خبرٌ مقدَّم، وتقديم ما حقُّه التأخير يُفيد الحصر، فقوله:{لَهُ} أي: لَهُ وَحْدَهُ.

قَوْلُه تعالى: {الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالآخِرَةِ} ، أما غَيْرُهُ، فَلَيْسَ لَهُ الحمد الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ اللَّه؛ لَا فِي الْأُولَى، وَلَا فِي الآخِرَةِ، وقوله:{الْحَمْدُ} : (ال) هذه للاستغراق، أي: جَمِيع أَنْوَاعِ الحمد، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ خَيْرٍ، أَوْ شَرٍّ، فَاللَّهُ تعالى لَهُ الحمد كُلُّه، فَهُوَ الَّذِي لَا يُحمَد عَلَى سُوءٍ سِواه، يُحمَد عَلَى كُلِّ حَالٍّ، كَمَا قَالَ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام:"الحَمْدُ للَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ"

(1)

.

وقوله: {لَهُ} اللام هنا هي للاخْتِصاص وللاسْتِحقاق، فالحمدُ المطلَق مُخْتَصٌّ بِاللَّهِ، وَالمُسْتَحِقُّ لِلْحَمْدِ حَقِيقَةً هُوَ اللَّهُ؛ لِأَنَّ غيرَهُ -وإِنِ اسْتَحَقَّ أَنْ يُحْمَدَ- فإنما أَتَى بِهِ مِنْ أَسْبَابِ الْحَمْدِ هُوَ مِنَ اللَّهِ سبحانه وتعالى، وغاية مَا يَكُونُ أَنْ يَكُونَ وسيلة، فالإنسان -مثلًا- يُحمد عَلَى مَالَهُ مِنَ الصِّفَاتِ الكاملة، وَالْإِحْسَانِ إِلَى الْخَلْقِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، لَكِنْ هَذَا مِنَ اللَّهِ.

إذن: فالحمد حقيقةً للَّه، فالذي يَسْتَحِقُّ الْحَمْدَ هُوَ اللَّهُ، وَالَّذِي يَخْتَصُّ بالحمد

(1)

أخرجه ابن ماجه: كتاب الأدب، باب فضل الحامدين، رقم (3803).

ص: 312

المُطْلَقِ عَلَى جَمِيعِ الْأَحْوَالِ هُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ.

قوله: {فِي الْأُولَى} أي: الدُّنيا، يُحمد فِي الدُّنْيَا عَلَى مَا أجراه سبحانه وتعالى مِنْ أَحْكَامٍ كونية، وما شرَعه مِنْ أَحْكَامٍ شرعية؛ يُحمد عليها حمدًا كاملًا.

قَوْلُه تعالى: {وَالآخِرَةِ} : قَالَ المُفَسِّرُ رحمه الله: [الجَنَّة]، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فالآخرة تشمل مُنذ أَنْ يُبْعَثَ النَّاسُ إِلَى أَنْ يَصِلُوا إلى منازلهم؛ فَإِنَّهُ سبحانه وتعالى يُحمد، بَلْ إِنَّ اللَّهَ عز وجل يَفتَح عَلَى نَبِيِّهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنَ المَحَامِدِ مَا لَمْ يَفْتَحْهُ عَلَيْهِ مِنْ قَبْلُ

(1)

، وَهُوَ عز وجل يَوْمَ الْقِيَامَةِ يظهَر حمدُه لِكُلِّ أَحَدٍ؛ فإنه يَظهَر عدلُه، ويظهر فضلُه وإحسانُه، وتَظهر حكمتُه، وتَظهر قُدرتُه، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الصِّفَاتِ العظيمةِ الَّتِي تَظْهَرُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، ويستحق عليها الحمدُ.

فليس المَعْنَى أَنَّهُ لَا يُحمَد إِلَّا فِي الْجَنَّةِ، فهذا قُصور جِدًّا مِن المُفَسِّر رحمه الله وَاللَّهُ سبحانه وتعالى يقول:{لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالآخِرَةِ} .

وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ يَسْتَأْذِنُ مِنَ اللَّهِ عز وجل فِي الشَّفَاعَةِ، ويسجد تَحْتَ الْعَرْشِ فيفتَح اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ المَحَامِدِ مَا لَمْ يَفْتَحْهُ عَلَيْهِ مِنْ قِبَلُ

(2)

، وهذا قَبْلَ دُخُولِ الجنة، بل قَبْلَ أَنْ يُحَاسَبَ الخَلق.

قَوْلُه تعالى: {وَلَهُ الْحُكْمُ} اللام فِي قَوْلِهِ: {لَهُ} خبرٌ مُقَدَّم، وتقديم الخبر يُفيد الحَصر، قَالَ المُفَسِّرُ رحمه الله:[القَضَاءُ النَّافِذُ فِي كُلِّ شَيْءٍ]، والحُكم يشمل القضاء،

(1)

أخرجه البخاري: كتاب تفسير القرآن، باب قوله تعالى:{ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} [الإسراء: 3]، رقم (4712)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها، رقم (194).

(2)

أخرجه البخاري: كتاب تفسير القرآن، باب قوله تعالى:{وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} ، رقم (4476)، ومسلم كتاب: الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها، رقم (193).

ص: 313

وَهُوَ الْحُكْمُ الكوني، كَمَا قال المُفَسِّرُ رحمه الله، ويشمل الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ.

فالحُكم للَّه قضاءً وشرعًا، لا حاكِم إِلَّا اللَّهُ سبحانه وتعالى، فَمَنِ ابْتَغَى الْحُكْمَ مِنْ غَيْر اللَّهِ؛ فإنه يَضِلُّ، ومَنِ اتَّبع هُدَى اللَّهِ، فَإِنَّهُ لَا يَضِلُّ، ولا يَشْقَى.

وتقديم الخبر يُفِيد الحَصرَ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ للَّهِ وَحْدَهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ إِذَا كَانَ المُرَادُ الحكمَ المطلَقَ، فالحُكم المطلق للَّهِ لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ أَحَدٌ، هُوَ الَّذِي يُوجِبُ الشَّيْء ويُحَرِّمه، ويَنْدُب إليه ويُبيحه، وَكَذَلِكَ فِي الْأُمُورِ الكونية، هُوَ الَّذِي يُنزِّل الغَيْثَ، وَهُوَ الَّذِي يُزيل القَحْطَ، وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ ويرزق، كُلُّ هَذَا مِنَ الْأَحْكَامِ الكونية.

ولكن الإنسان نازَعَ رَبَّهُ فِي الْحُكْمِ الكوني، وَفي الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ، فهناك -مثلًا- مَنْ أَثْبَتَ مَعَ اللَّهِ خالِقًا آخر، وهناك مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ رَبٌّ يتصرف كَمَا يَشَاءُ، والمخالفات فِي الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ أكثرُ وأبلَغُ، فما أكثرَ الذين يُشرِّعون، ويَرَوْنَ أنَّ تشريعاتِهم نافِذة كشرعِ اللَّه، أو أعلى، وهؤُلاءِ سَبَق أنهم كفار حَتَّى لَوْ صَلَّوْا وزَكَّوْا وصاموا وحَجُّوا؛ فهم كفار.

وَكَذَلِكَ أَيْضًا مِمَّا يَتَعَلَّقُ بالحُكم مِثل فِرْعَون؛ لأنه نازَعَه فِي الْحُكْمِ القَدَرِيِّ، وقال:{يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص: 38]، وقال:{أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات: 24].

فالحُكم المُطلَق للَّه، ولكن هناك حُكمٌ مُقَيَّد، لكنَّه بِأَمْرِ اللَّهِ، ولهذا نحن نرى فِي كُتُبِ أَهْلِ الْعِلْمِ أنهم يَذْهَبُونَ إِلَى الْحَاكِمِ، ويقال: الحاكم الشرعي، وبإذن الحاكم، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، هَذَا الحكْمُ الَّذِي يستفيده هذا الإنسان مُقَيَّد ومحصور؛ مُقَيَّد بِأَنْ يَكُونَ تحتَ حُكْمِ اللَّهِ، ومحصورٌ فِي مَكَانٍ مُعَيَّن، وِفي زَمَنٍ مُعَيَّن.

ص: 314